بعدما كرست أزمة إدارة الأزمة – ليون زكي: أما آن للحكومة السورية أن تترجل؟

آن الأوان لحكومة الدكتور عادل سفر أن تترجل من صهوة حصانها بعدما خلقت أزمة في إدارة الأزمة التي تعيشها البلاد جراء عدم قدرة طاقمها الوزاري على استقراء أبعادها، وفاقمت سياساتها الاقتصادية والاجتماعية من حجم الضغوطات التي تتعرض لها سورية بفعل العقوبات المفروضة بحقها.

وأبدت الفعاليات الاقتصادية السورية على الدوام عن سخطها من الأداء العام للحكومة خلال فترة عمرها فيما يخص تعزيز صمود الفعاليات وتلبية الحاجات الأساسية للمواطنين فارتفعت الأسعار إلى أكثر من 30 بالمئة، في مقابل ارتفاع نسبة البطالة والتضخم إلى أرقام قياسية نتيجة للقرارات الارتجالية التجريبية، وخصوصاً ذات العلاقة بالسياسة النقدية التي أفقدت الليرة السورية 38 بالمئة من قيمتها أمام الدولار إلى الآن.

إننا بحاجة ماسة في هذا الظرف العصيب إلى الشفافية والتشاركية في اتخاذ القرارات للتخفيف من وطأة ما نعانيه، للخروج بسورية سليمة معافاة من محنتها، وثمة صوتاً للرؤية الصائبة وللعقل لا يسمعه إلا من يصغي إليه جيداً.

الحكومة الحالية  لم تستطع المساهمة في حل الأزمة المركبة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً بقدر ما افتعلت أزمات زادت الوضع تعقيداً، بدليل الإجراءات التي حركت الرياح في الاتجاه الذي لا تشتهيه سفنها.

وبعيداً من السياسة، ارتكبت الحكومة على المستوى الاقتصادي المالي والنقدي والتجاري وعلى مستوى السوق والمستهلك أخطاء كثيرة على غاية من الأهمية أحدثت شرخاً بين الحكومة والمواطن وإحباطاً نفسياً ومعنوياً للأخير الذي يكتوي بانسداد أفق الخلاص أمامه من حركة احتجاجات تشل البلاد بأفعالها التخريبية وقرارات اقتصادية متخبطة تضغط على لقمة عيشه.

ولنبدأ من قرار إيقاف أو تعليق استيراد بعض المواد والسلع التي يزيد رسمها الجمركي على 5 بالمئة، فعلى الرغم من أن هدف القرار الحفاظ على ما لدى الخزينة من احتياطي بالقطع الأجنبي إلا انه جاء في غير وقته. صحيح أن وزير الاقتصاد والتجارة محمد نضال الشعار ليبرالي وكان منذ البداية ضد القرار، لكنه دافع عنه ووصفه بأنه “سيادي” وهو غير مقتنع به وبجدواه بدليل أنه صرح أن بالإمكان العودة عن القرار في حال فشل تطبيقه، ويعني ذلك أن القرار تجريبي وفي ظرف لا يحتمل فيه التجريب. وكان لزاماً على الحكومة العودة عن القرار لكن بعد أن أدى إلى إحداث خلل في عرض الدولار، وبالتالي، ارتفاع كبير في أسعار سلع سلة المستهلك والتي أبت الرجوع إلى مستوياتها السابقة وليتحمل المستهلك، الذي عده بعضهم حقل تجارب، تبعات القرارات والسياسات الاقتصادية الخاطئة.

عادت الحكومة عن القرار وأجرت تعديلات على برنامج تمويل المستوردات من قبل مصرف سورية المركزي، لكن بعد فوات الأوان وإحداث هزة كبيرة في السوق لم تهدأ الترددات المترتبة عليها حتى الآن. باختصار فشلت الحكومة في مواجهة احتكار المحتكرين والوقائع تشهد على عجزها. كما فشلت في السيطرة على سوق منتجات حكومية حصرية وهي سوق المشتقات النفطية، فالمازوت يوزع بكميات مضاعفة عما كان سابقاً، لكنه يهرب ويحتكر، وسعر الليتر وصل في السوق غير النظامية إلى 30 و35 ليرة سورية، كما جرى التلاعب بسوق أسطوانات الغاز ووصل سعر الأسطوانة إلى 800-1000 ليرة في الوقت الذي ظلت فيه أدوات وزارة الاقتصاد الرقابية عاجزة عن كبح جماح المتلاعبين بأرزاق العباد واتهمت المواطن- الضحية بأنه المسؤول عما يحدث في السوق.

وتناوبت أزمتي البنزين والخبز باستمرار بسبب زيادة الطلب على العرض، ومرة أخرى استفاد الانتهازيون من غياب الرقابة ليصل سعر ليتر البنزين في السوق السوداء في حلب التي لا تعاني من حركة اضطرابات تذكر إلى 100 ليرة وسعر رغيف الخبز إلى 10 ليرات!

وعلى المستوى النقدي لم تكن الإجراءات الحكومية إلا كمن يصب الزيت على النار، وقد              فعلت هذه الإجراءات فعلها ودفعت بسعر صرف الدولار أمام الليرة إلى معدلات مرتفعة حيث بلغ سعر صرف الدولار حوالي 58 ليرة رسمياً و73 ليرة في السوق السوداء، وقد لا           يكون أسلوب المزادات العلنية المشبوهة التي أطلقها المصرف المركزي الدليل الوحيد على الارتباك والتخبط النقدي الذي أدى تدهور سوق الصرف وإرغام المواطن على دفع فاتورة أخطاء المصرف المركزي.

وحري بنا أن نسأل الحكومة:

  • ما الذي تريدونـه كحكومـة من المواطن، وكيــف تريدون أن يتفهم رفع سعر صفيحة البنزين واسطوانة الغاز في ظرف هو أحوج فيه لخفض الأسعار كي تناسب دخله المتدهور جراء التضخم وتضاؤل فرص العمل؟
  • ما هو حجم الهزة التي تتوقعونها في السوق بعد إعلان وزير النفط أن دور المازوت قد حان في سلم ارتفاع الأسعار، وهو المشتق النفطي الذي يؤثر بشكل سلبي على النقل والزراعة والصناعة والسياحة…؟
  • كيف يمكن أن نفسر كتاب رئاسة الحكومة إلى الوزارات كافة بضرورة ضغط  النفقات بنسبة 25% وذلك بعد يوم من إقرار موازنة عام 2012 ؟
  • لماذا لا يعمد رئيس الحكومة إلى شرح سياسات حكومته وقراراتها تلفزيونياً ولو مرة واحدة أسبوعياً أمام الرأي العام المتلهف إلى سماع ما ينتظره مستقبلاً ليعد العدة والزاد له.

لا نريد أن نسترسل في إطلاق إشارات الاستفهام الكثيرة، وجل مبتغانا عرض ما يعانيه المواطن وصوغ نتائج القرارات على شكل أسئلة واستفسارات قائمة على تشخيص وقراءة متأنية للوقائع.

باختصار . . . اعذرونا إن قلنا أن حكومتنا ليست حكومة أزمة بل هي حكومة تصريف أعمال، ولكن لسنا الآن في زمن الوفرة و”البحبوحة” الاقتصادية لنتقبل مثل هذه الحكومة التي فشلت في استقراء أبعاد الأزمة، وخاصة الاقتصادية منها، لتنسق المبادرات  وتطلق الحلول الإنقاذية.

سبق وطالبنا بتشكيل خلية أزمة، لكن الفريق الأقتصادي الذي شكل أخيراً لم تستطع بعد أن يقدم قراءات موضوعية لواقع الأزمة، وجل ما فعله تقديم مقترحات سطحية أو متأخرة تستهدف دعم الصناعات الوطنية وتشجيع الصادرات، على الورق فقط، وهذا الفريق غير قادر على إدارة الأزمة بالشمولية والموضوعية.

وكنا نأمل أن يقدم رئيس مجلس الوزراء شرحاً مفصلاً عما يستوجب فعله على صعيد الإصلاح وبرنامجه الزمني، كما فعل السيد رئيس الجمهورية في خطابه الأخير الذي خاض في التفاصيل لطمأنة الناس من المستقبل الذي ينتظرهم في ظل عجز وصمت الحكومة حيال ذلك.

وأخيراً، ألم يحن الوقت كي يستريح أعضاء الحكومة في بيوتهم من عناء الأزمات التي اقترفوها، نعم حان وقت تشكيل الحكومة الوطنية الموسعة… الآن الآن وليس غداً؟!

Share This