مطران الكنيسة الارمنية بمصر يلقى رسالة بمناسبة الصوم الكبير

مايكل فيكتور

تلقى “موقع وطني” من نيافة المطران كريكور أوغسطينوس كوسا مطران الارمن الكاثوليك لمصر والسودان رسالة نيافته لابناء الكنائس الارمنية بمصر بمناسبة صوم الاربعين المقدس الذى يبدأ الاسبوع القادم، حيث جاء رسالته الرعوية تحت عنوان “الصوم إصغاء إلى كلمة الله”.
يقول نيافة المطران كريكور فى بداية الرسالة، تحتفل الكنيسة هذا العام 2012 بـ “سنة الكتاب المقدّس” استعداداً للسنة القادمة 2013 التي أعلنها قداسة البابا بندكتس السادس عشر “سنة الإيمان”. ولهذا أردنا في هذا العام أن نتأمل خلال الصوم الأربعيني الكبير حول موضوع معنى الصوم وكيفية ممارسته من خلال الإصغاء إلى صوت الله
و بدأ نيافته يعرف خلال رسالته بمفهوم الصيام حيث قال، في القديم كان الصوم ممزوج بعادات وتقاليد وثنية وشعاره الحزن، ومعطياته الإمتناع عن الأكل دون انقطاع عن الآثام والخطايا والعادات السيئة والرذيلة
أما في العهد الجديد كانت كلمة السيّد المسيح صريحة جداً، عندما قال: “وإذا صمتم فلا تعبسوا كالمرائين، فإنهم يُكلِّحونَ وجوههُم، ليظْهَرَ للناس أنهم صائمون. الحق أقول لكم إنهم أخذوا أجرهم. أما أنتَ فإذا صُمتَ، فأدهُن رأسك وأغسل وجهك، لِكَيّلا يظهر للناس أنك صائم، بل لأبيك الذي في الخُفية، وأبوكَ الذي يرى في الخُفية يجازيك.” (متى 16:6-18
ولما دعا الجمع ثانيةً إليه قال لهم: “أصغوا إليَّ كُلُّكم وافهموا! ما من شيء خارج عن الإنسان إذا دخل ينجسَهُ. ولكن ما يخرج من الإنسان هو الذي يُنجس الإنسان” ولما دخل البيت مبتعداً عن الجمع، سأله تلاميذه عن المثل، فقال لهم: “… ألا تدركون أن ما يدخل الإنسان من الخارج لا يُنجسه، لأنه لا يدخل إلى القلب، بل إلى الجوف ثم يذهب في الخلاء؟” وفي قوله ذلك جعل الأطعمة كلها طاهرة. وقال لهم: “ما يخرج من الإنسان هو الذي يُنجس الإنسان، لأنه من باطن الناس، من قلوبهم، تنبعث المقاصد السوء والفحش والسرقة والقتل والزنى والطمع والخُبث والغش والفجورُ والحسدُ والنميمة والشتمُ والكبرياءُ والغباوة. جميع هذه المُنكراتِ تخرج من باطن الإنسان فتنجسُه.” (مرقس 14:7-23
فالصوم هو رجوع إلى بيت الآب: “أقوم وأمضي إلى أبي فأقول له: يا أبتِ إنّي خطئت إلى السماء )إلى الله( وإليكَ” (لوقا 18:15)، والوقوف أمام الله الحيّ “فقال إيليا لأحاب: حيُّ الرّب … الذي أنا واقف أمامه.” (1ملوك 1:17) ثم يتحدث نيافته عن المعنى الروحى للصيام فيقول: ينطلق عمل السيّد المسيح الخلاصيّ من ظهور الثالوث الأقدس على نهر الأردن عندما تعمّد، ويمر عبراختبار الصحراء الذي مرّ هو فيه ومعنى هذا الاختبار أن يسوع يظهر بمظهر آدم الجديد الذي جُرِّب في البرّية. (راجع سفر تثنية الاشتراع 3:8 و16:6 و36:6) ويخرج يسوع من المعركة منتصراً ضد الشيطان، ولم يدعه بإبعاده وفصله عن الله. وهذا المشهد يربطنا بالمعمودية ويعلّمنا أن معنى الحياة المسيحية هي أن كل ابن لله مفروض عليه أن ينتصر على الشيطان وتجاربه. (راجع متى 1:4-11)
وهكذا يبلُغ الصوم مداه في الأسبوع العظيم المقدّس بالآلام والصَلب والموت والقيامة “قد ابتلع النصر الموت. فأين يا موت نصرُكَ؟ وأين يا موت شوكَتُكَ؟ إن شوكة الموت هي الخطيئة، وقوة الخطيئة هي الشريعة”. (1قورنتس54:15-56 ) فالصوم هو اشتراك مع المسيح في حمل آلام البشر ودفعها إلى مجد القيامة.
و يؤكد نيافة المطران كريكور على أهمية حياة التوبة خلال الصيام فيقول: إن الوقوف أمام الله الحيّ يتطلّب فعل انسلاخ عميق وتغيير جذري. “أقوم وأرجع إلى أبي وأقول له: إنّي خطئت إلى السماء وإليك” (لوقا 18:15)، فالتوبة هي تجدُّد بالإعتراف، وإذا لم يكُن عندنا هدف نصبو إليه فسرّ الإعتراف ينظفنا لفترةٍ ثم نعود بإرادتنا إلى ما كنّا عليه
الصوم غوص في عمق ذواتنا لنفحص ضمائرنا “ونقوم ونرجع إلى أبينا السماوي ونقول له: …” هذه الرجعة ترفعنا من الحياة المادية والاستهلاكية إلى مصاف الحب الصافي الذي لا يبغي عطايا الحبيب، بل الحبيب بذاته. فغوصنا على ذاتنا ليس إلاّ لتفجير أنانيتنا لنفتح شبابيك ذواتنا على نسيم الحب، وشوق الانتظار، وفرح اللقاء.
كما يوضح نيافته أهمية الاشتراك بآلام السيد المسيح فيقول: الصوم اشتراك فعلي بعمل الخلاص. يقول القدّيس بولس في رسالته إلى أهل غلاطية: “فإنّي أحمل في جسدي سمات يسوع، وأتمم في جسدي ما ينقص من آلام المسيح.” (غلاطية 17:6) فأنا أتألم من أجل إنسان اليوم، وأفكر مكان إنسان اليوم، أصلّي وأتوب لأرفع إنسان اليوم بمشاكله ومصاعبه وقلقه وآلامه إلى الله
قال يسوع: “أنا إذا رفعت من هذه الأرض، جذبتُ إلىَّ الناس أجمعين.” (يوحنا 32:12) ونحن أيضا لا نقدر أن نجذب أحداً إلى المسيح إلاّ إذا إرتفعنا عن الأرض بسلوكنا وتصرفاتنا. فالمشاركة بالآلام هي مشاركة بالتحضير للقيامة
ويختتم المطران كريكور رسالته قائلاً ان المسيحي الذي يجسّد المسيح في حياته وأعماله، ويصغي إلى تعاليمه، لا يمكنه أن ينعزل عن الآخرين وينغلق على ذاته ضمن إطار الوصايا، بل عليه أن ينطلق إلى الأمام، لأن الوصايا طريق يرشدنا إلى محبّة الله والقريب. الصوم إذاً، ذهاب إلى الآخر حيث هو، وكما نزل المسيح إلينا حيث نحن: فلا نقدر أن نحرر غيرنا إلاّ إذا ذهبنا إليه وحملنا معه أعباءه وصليبه
الصوم أخيراً هو إصغاء إلى صوت الله الذي يدعونا إليه وينتظر عودتنا كل يوم ليضمنا إلى قلبه بكبريائنا الذي هو أساس خطايانا، ويغفر لنا ذنوبنا، ويمنحنا قداسة وحياة جديدة نعيشها برجاء لا يخيب.

Home

“موقع وطني”

Share This