نحن وتركيا

لابد من الاعتراف بأن التركيبة الطائفية التي اعتمدتها العملية السياسية في العراق تعد المشجع والمحرض الأول على التدخلات الخارجية من قبل دول إقليمية تتذرع بالدفاع عن مكونات معينة وتتمادى في تدخلاتها السافرة والمتكررة.

ولطالما كان لتركيا الجارة الشمالية للعراق دور سلبي من خلال التدخلات في الشأن الداخلي العراقي عبر حقبة زمنية طويلة، ويستند هذا الدور السلبي للخلفية التاريخية المترسخة في الذهنية التركية والمتمثلة بالهيمنة العثمانية على العراق كولاية تابعة لها والنظرة المتعالية باتجاه هذه الولاية وهذا ما عكسته تصريحات اردوغان الأخيرة.
وفي ظل التجاذبات السياسية التي تطفو على سطح التجربة الديمقراطية في العراق يتعرض البلد إلى هذه التدخلات من قبل الأنظمة والحكومات في الدول المجاورة حيث تمر هذه التدخلات من خلال تلك التجاذبات لتساهم في تصعيد الموقف المتأزم  وتؤجج الصراع الطائفي.
ولم يكن تصريح اردوغان هو التدخل التركي الأول بل سبقته تجاوزات واعتداءات على المواطنين العراقيين من الكرد في القرى الحدودية المجاورة لتركيا حيث قامت الطائرات والمدفعية التابعة للجيش التركي بقصف القرى وقتل المدنيين الأبرياء بحجة مطاردة مسلحين داخل الأراضي العراقية. وهنا علينا أن نؤكد على حقيقة مهمة جدا وهي إن الرد من قبل الحكومة الاتحادية حينها لم يكن بمستوى الاعتداءات ولم تحظ تلك التجاوزات بموقف سياسي موحد وحازم من قبل القوى السياسية الأمر الذي شجع الأتراك على التمادي في تدخلاتهم بالشأن العراقي ليلعب اردوغان اليوم دور الشرطي الطائفي الحريص على أبناء العراق من خطر الحرب الطائفية في الوقت الذي يمارس اردوغان وحكومته تمييزا عنصريا صريحا في تركيا عبر اضطهاد الكرد وأبناء الطوائف الأخرى الذين مازالوا يطالبون الحكومة بتعديل المواد الدستورية التي تجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية حيث نصت المادة 66 من الدستور التركي  على أن كل من يعيش على الأرض التركية فهو تركي بغض النظر عن انتمائه حيث تحصر هذه المادة المواطنية التركية فقط بالتركي (المعيار القومي)،ومن جانب آخر يقوم الجيش التركي هذه الفترة بحملات مداهمات واعتقالات ضد ناشطين مدنيين على خلفيات طائفية.

ويعتقد البعض أن تركيا تعيش اليوم مرحلة من الفوضى في العلاقات الخارجية فمنذ أن فشلت في الانضمام إلى الاتحاد الأوربي توجهت هذه الدولة متعددة الطوائف وصاحبة الموقع الاستراتيجي إلى التدخل في الشأن العربي وبدأت رحلة خسارة الحلفاء فكان حصادها الأخير من الربيع العربي علاقات سلبية مع سوريا عبر تدخلات تركيا السافرة في الشأن السوري ودعمها مشروع تغيير موازين القوى في المنطقة الذي تسعى له دول خليجية متنفذة وتسخير الحدود التركية للمسلحين المعارضين للنظام السوري، إضافة إلى خسارة تركيا للعلاقات مع جيرانها الآخرين مثل إيران والعراق وروسيا، وأخيرا تشهد الساحة التركية أزمة جديدة مع فرنسا على اثر طرح الحكومة الفرنسية مقترح قانون  معاقبة منكري الإبادات الجماعية ضد الأرمن في تركيا والقاضي بالحبس لمدة سنة وغرامة مالية لكل من ينكر هذه الجريمة التي راح ضحيتها مليون ونصف المليون ارمني. حيث أثار هذا المقترح حفيظة الأتراك لتنطلق أزمة سياسية بين البلدين هددت تركيا على أثرها بقطع العلاقات مع فرنسا ليضاف هذا البلد الأوربي إلى قائمة الدول التي تشهد علاقاتها مع تركيا أزمات سياسية.

بعيدا عن التخبط الدبلوماسي التركي لابد للقوى السياسية في العراق من موقف موحد وحازم ضد هذه التصريحات علاوة على ضرورة توحيد الصف وحل المشاكل الداخلية وعدم الاستقواء بالأجنبي على ابن الوطن. وعلى أردوغان أن يفهم بأن العراقيين قد تجاوزوا مرحلة الحرب الطائفية وهم اليوم قادرون على حل مشاكلهم دون الحاجة إلى الوصاية.

محمد صادق جراد

www.almadapaper.net

Share This