رد سفارة أرمينيا في القاهرة على مقالة في جريدة “المسائية”

    نشرت جريدة “المسائية” في عددها بتاريخ 14 كانون الثاني 2012 تحت عنوان “فرنسا بعين واحدة” للأستاذ محمد سلامة، حيث جاء فيها العديد من المغالطات التاريخية وأن الأرمن ارتكبوا مذابح بحق الأذريين في بداية القرن الماضي وراح ضحيتها أكثر من 400 ألف أذري… الخ.

    ورداً على هذه المقالة أرسلت سفارة جمهورية أرمينيا في القاهرة رسالة رد الى رئاسة تحرير الجريدة نوردها بالكامل.

القاهرة فى 9 فبرير 2012

عزيزي السيد الأستاذ عادل قنديل

رئيس تحرير جريدة “المسائية”

    تحية طيبة … وبعد

    يسعدني أن أكتب إليكم هذا الخطاب تعليقا على ما نشرته جريدتكم “المسائية” المحترمة بتاريخ 14 يناير 2012 تحت عنوان “فرنسا بعين واحدة” للأستاذ محمد سلامة. وبعد قراءة هذا المقال، أود أن أسجل بعض الاعتراضات والتوضيحات.

    بادئ ذى بدء، ان هدفي ليس مناقشة موضوع مشروع القانون لتجريم الابادة الأرمنية لا سيما وأن مجلس الشيوخ الفرنسي قد أقر قانون تجريم الإبادة الأرمنية في 24 يناير. وبذلك، أكدت فرنسا أنها ملتزمة بالقيم العاطية التي تسهم في تعزيز آليات منع جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية. ونحن على ثقة تامة بأن هذا القانون سوف يشجع ويدعم ويقوي آليات منع مثل هذه الجرائم. وبالتالي، سوف نجد مستقبلا قرارات لإدانة الإبادة الأرمنية في الدولة العثمانية عام 1915، وكذلك قوانين تجرم إنكارها.

    وفي ذات السياق، ثمة ظاهرة أدهشتني بشدة، ألا وهي أن الأستاذ سلامة يحاول إثبات انحياز فرنسا ناحية الأرمن ويتهمها باستخدام معايير مزدوجة ولكن الأمر الواضح للجميع أن منهج سلامة نفسه أحادى الجانب فيما يتعلق بتوصيفه للنزاع الأذربيجاني الأرمني.

    لا أنوى الدخول في جدل مع الأستاذ سلامة فيما يبديه من آراء عن شعبي ووطني، واتهاماته غير المنطقية التي لا أساس لها من الصحة إطلاقا. ونحن نعرف مصدر هذه الآراء منذ زمن حتى أننا مللناها. وبدلا من هذا، أوجه إليكم سؤالا: إذا كان الأستاذ سلامة يعتبر نفسه موضوعيا، فلماذا يطرح النزاع الأذربيجانى الأرمنى من وجهة نظر أذربيجان الرسمية فقط, ولم يسمح لنفسه النظر حتى ب”عين واحدة” على الأقل إلى مبررات الجانب الاخر من منظور كونه خبيرا؟!

    وهناك أمر غير مفهوم؛ إذ طالما أن الأستاذ سلامة قد أورد الاضطهادات كأن الأرمن ارتكبها ضد الأذريين على مرار السنين، فإنه لم يكلف نفسه بأن يذكر “كلمة واحدة” عن الاضطهادات الاذرية ضد الأرمن في (شوشي) خلال أعوام 1905-1906 و1918-1920، والتطهير العرقي المنظم الذي مارسته السلطات الاذرية ضد الأرمن في (ناخيتشيفان), وكذلك تدمير المعالم الأثرية والثقافية الأرمنية بها. وأيضا، ارتكاب المجازر عام 1988 في (سومقاييت)، وفي عام 1990 في (باكو) و في عام 1992 في (ماراغا) ضد المدنيين السلميين الأرمن, علاوة على نصف مليون أرمنى لاجئين جراء هذه الانتهاكات وتلك الاعتداءات.

    كيف يمكن للأستاذ سلامة في مسألة خوجالو المليئة بالملابسات أن يستند إلى اعترافات كاذبة لشاهد عيان أرمني مصطنع، و يتغاضى عن تصريحات الزعيم الأذرى مطاليبوف في الجريدة الروسية (نيزافيسيمايا جازيته) يوم 2 أبريل 1992، وفيها اعترف بأن خصومه السياسيين الأذريين قد دبروا هذه الأحداث من أجل إزاحته عن السلطة.

    ينبغى علي الأستاذ سلامة ملاحظة أن نزاع ناجورنو كاراباخ لا يعنى استيلاء أرمينيا على الأراضى الأذربيجانية, لأن هذا محض افتراء و دعاية جوفاء تحاول الة الاعلام الأذربيجاني نشرها. و الثابت على مدار التاريخ أن اقليم ناجورنو كاراباخ أرض أرمنية.  بعد نشر السلطة السوفيتية في القوقاز وخلافاً لإرادة سكان ناجورنو كاراباخ وعلى أساس القرار غير الشرعي للجنة الإقليمية للحزب الشيوعي في روسيا تم وضعها قسراً كإقليم ذي حكم ذاتي في إطار أذربيجان.  وفي عام 1988 قامت سلطات أذربيجان السوفيتية بتنظيم عمليات القتل والتصفية العرقية على نطاق واسع في ناجورنو كاراباخ وذلك رداً على الطلب العادل لسكانها حول تقرير المصير. و رغم ذلك أعلنت ناجورنو كاراباخ عن إستقلالها و ذلك على أساس قوانين الاتحاد السوفيتي ومعايير الحق الدولي. ردت باكو على ذلك بعمليات حربية واسعة النطاق. ولكن شعب ناجورنو كاراباخ تمكن من المحافظة على سبيل الحرية والإستقلال الذي إختاره. و في العام 1994 تم توقيع وقف ﺇطلاق النار. و تم في عام 1992 في إطار منظمة الأمن والتعاون الأوروبي تشكيل مجموعة مينسك التي تجري برعايتها المباحثات حتى الآن. و رغم الجهود التي يتم بذلها لم تؤد تلك المباحثات حتى الآن إلى أية نتيجة لأن باكو ترفض بعناد قبول حق شعب ناجورنو كاراباخ في تقرير مصيره والذي هو السبب الرئيسي للصراع. و تستمر أذربيجان بممارسة الاستفزازات من تهديدات لحرب جديدة، و انتهاك لوقف إطلاق النار، و بدلاً من خلق جو من الثقة المتبادلة إنها تزرع بذور البغض و الكراهية عند شعبها تجاه الأرمن و أرمينيا. و في نفس الوقت تحاول باكو تضليل المجتمع الدولي و تشويه كون القضية وأسباب الصراع الحقيقية، كما تحاول أحياناً رفع بعض عناصرها إلى محاور دولية أخرى، مما يهدد مسيرة المفاوضات. وفيما يتعلق بأرمينيا، فأنها ملتزمة بعملية السلام في إطار مجموعة مينسك استناداً إلى المبادئ والقواعد الأساسية للقانون الدولي. علاوة على ذلك، فالدول الرئيسية المشاركة فى مجموعة مينسك كالولايات المتحدة وروسيا وفرنسا عبرت مراراً و تكراراً على أعلى المستويات على ضرورة حل هذه القضية بالوسائل السلمية فقط عبر المفاوضات المبنية على أساس مبادئ القانون الدولي مثل عدم استخدام القوة أو التهديد بها، و مساواة حق الشعوب، وحق تقرير المصير ووحدة الأراضي. وعلى الرغم من الموقف الأذربيجاني غير البنّاء، فإن المفاوضات مستمرة، لأن التسوية السلمية ليس لديها أيّ بديل.

    نقطة أخرى خطيرة لا يمكن السكوت عليها، وهو أن الأستاذ سلامة قد إدعى في مقاله بأن عاصمة أرمينيا يريفان التي تضرب بجذورها في عمق التاريخ 2800 سنة هي جزء من أراضى أذربيجان. وتلك إهانة لدولة ذات سيادة و لكرامة شعبها. وذلك، فإنني أطالبه بالاعتذار العلنى على ما برر منه، إذ عندما تصور هذه الإدعاءات عن آلة الدعاية الأذرية، فيمكن التغاضى عنها في ظل وجود علاقات معقدة بين الدولتين. ولكن لا يمكن التغاضى عنه أو تجاهله عندما يكرر مصرى نفس الإدعاءات الكاذبة المضللة. لاريب أن آلة الدعاية الأذرية تهدف من وراء ترويج هذه الادعاءات نشر الكراهية والعداء ضد الأرمن وأرمينيا. وهذا أمر معروف جيدا، ولكن ياترى: ما هو هدفك أنت يا أستاذ سلامة من وراء نشر هذه الادعاءات؟

    عزيزي رئيس التحرير المحترم،

    استنادا إلى قواعد حرية التعبير وحق الرد آمل نشر هذا الايضاح في جريدتكم المحترمة.

    أرداك هوفهانيسيان

    المتحدث الرسمى بإسم سفارة جمهورية أرمينيا بالقاهرة

   

Share This