الجدل التركى – الأوروبى فى رسالة دكتوراه لدبلوماسى بالخارجية

ناقشت رسالة دكتوراة لدبلوماسى شاب بوزارة الخارجية الجدل الدائر فى المفاوضات التركية الأوروبية للانضمام للاتحاد الأوروبى.

وحصل الدبلوماسى الشاب أحمد مجدى عبد الكريم السكرى، السكرتير الثانى بوزارة الخارجية، على درجة دكتوراه الفلسفة فى العلوم السياسية بتقدير ممتاز عن أطروحته التى قدمها لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، تحت عنوان: “عملية التفاوض الدولى: دراسة نظرية مع التطبيق على المفاوضات التركية – الأوروبية”،

وضم فريق الإشراف على الرسالة كل من الأستاذ الدكتور عبد المنعم المشاط، أستاذ العلوم السياسية المتفرغ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية (مشرفاً رئيسياً) والدكتورة سعاد أبو ليلة، مدرس العلوم السياسية بكلية الاقتصاد (مشرفاً مشاركاً).

كما تكونت لجنة المناقشة والحكم على أطروحة الدكتوراه من الدكتور عبد المنعم محمد إبراهيم المشاط، أستاذ العلوم السياسية المتفرغ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ـ جامعة القاهرة (رئيساً ومشرفاً) والدكتورة نورهان الشيخ، أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية والسفير الدكتور وليد محمود عبد الناصر، مدير إدارة التخطيط السياسى وإدارة الأزمات بوزارة الخارجية.

تناولت الدراسة بالتحليل عملية التفاوض الدولى وأبعادها المختلفة فى أدبيات التفاوض الدولى، ودلالاتها النظرية، مع اختيار مفاوضات انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبى كمؤسسة فوق قومية، كمجال لتحليل تلك العملية بما تشمله من أبعاد مختلفة دبلوماسية وسياسية، واقتصادية، واجتماعية ثقافية، وقانونية مؤسسية، وما يعترضها من عقبات، بهدف استكشاف منهج الطرفين محل الدراسة (تركيا من جانب والاتحاد الأوروبى من جانب آخر) فى عملية التفاوض الجارية بينهما منذ انطلاقها رسمياً فى الثالث من أكتوبر 2005، بالإضافة إلى بحث وتقييم استراتيجيات وتكتيكات الطرفين فى التفاوض بمراحلة المختلفة، ومحاولة استشراف مستقبل مسار تركيا الأوروبى فى الأجلين المتوسط والطويل، لاسيما فى ضوء كون المفاوضات التركية ـ الأوروبية تعد أحد المراحل الشائكة لتوسيع الاتحاد الأوروبى فى إطار تطور وتعميق عملية الاندماج الأوروبى.

وأوضح الباحث فى دراسته الطبيعة الخاصة للمفاوضات التركية ـ الأوروبية فى ضوء طبيعة القضايا المرتبطة بها والتى لخصها الباحث فى العامل الاقتصادى وطبيعة هيكل الاقتصاد التركى الذى يغلب عليه الطابع الزراعى بالمقارنة بالدول الأوروبية المتقدمة فى الاتحاد الأوروبى، مما يخشى معه الاتحاد أن يمثل عبئا على الاقتصاد الأوروبى والموازنة الأوروبية، خاصة فى ضوء الحجم الكبير لسكان تركيا والذى يقترب من نظيره فى دول أخرى مثل ألمانيا وفرنسا وأسبانيا، مما سيؤثر على عملية صنع القرار فى داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبى والتى ترتبط بالأساس بعدد سكان كل دولة، بالإضافة إلى وجود مخاوف أوروبية من تدفق العمالة التركية على الدول الأعضاء، فى حالة انضمام تركيا، مما سيزيد من نسبة البطالة فى تلك الدول وهو ما سوف يضغط على اقتصادات تلك الدول فى الوقت الذى تشهد فيه أوروبا أزمة اقتصادية ومالية طاحنة تمر بها معظم الدول الأوروبية، خاصة فى منطقة اليورو.

وتناولت الرسالة التأثير الكبير للعامل الاقتصادى على مسار مفاوضات انضمام تركيا، أشار الباحث إلى وجود قضايا أخرى مهمة شكلت الموقف الأوروبى المعلن من مسألة انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبى، سواء على الصعيد الداخلى فيما يتعلق بطبيعة النظام السياسى التركى واتسامه بالتدخل الدائم للمؤسسة العسكرية فى شئونه الداخلية بشكل يؤدى إلى تراجع مدنية الدولة التركية، وكذلك بعض القضايا السياسية التى فى مقدمتها سجل تركيا السيئ فى مجال حقوق الإنسان والحريات العامة وعدم احترام وحماية حقوق الأقليات، أو على الصعيد الخارجى فيما يتصل بقضية قبرص، والتى أوضح الباحث ارتكاب جميع الأطراف المعنية لأخطاء بشأن معالجتها، بدءاً من تركيا التى لم تستطع حتى فى عهد حزب العدالة والتنمية أن تنهى عزلة الجزء الشمالى من قبرص، فى ضوء عدم اعترافها بقبرص اليونانية وعدم تطبيقها للبروتوكول الإضافى من اتفاق أنقرة الخاص بالاتحاد الجمركى والذى يقضى بفتح الموانئ والمطارات التركية أمام حركة النقل القبرصية اليونانية، خوفاً من أن يفسر ذلك باعتباره بمثابة اعتراف ضمنى من جانب تركيا بجمهورية قبرص، وكذلك عدم قدرة الأمم المتحدة على فرض تسوية معينة على طرفى الأزمة (القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين).

وهناك أيضاً مشكلة تطبيع العلاقات التركية مع أرمينيا والتى رآها الباحث تواجه إشكالية رئيسية وهى مطالبة الاتحاد الأوروبى اعتراف تركيا بقيام الدولة العثمانية بارتكاب إبادة فى حق الأرمن خلال الفترة 1915 ـ 1917، وهى القضية التى تحولت إلى أجندة برلمانات العديد من الدول الأوروبية وفى الوقت نفسه أصبحت هذه المسألة تمثل عقبة فى علاقات تركيا مع هذه الدول، كما هو حال الأزمة التى نشبت بين تركيا وفرنسا فى هذا الشأن، بعد أن صوت البرلمان الفرنسى لصالح قانون تجريم كل من ينفى حصول الإبادة الأرمينية.

وأرجع الباحث سبب رفض تركيا الاعتراف بوقوع مثل هذه الإبادة، فى وجود أتراك تعرضوا لمثل هذه الأحداث والتى لم تكن خاصة بالأرمن فقط، بالإضافة إلى خوف تركيا من أن يؤدى الاعتراف بوقوع مثل هذه المجازر إلى المطالبة بحقوق للأرمن فى تركيا، وكذلك مطالبات بمراجعة بعض الاتفاقيات الدولية التى تم التوصل إليها بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ولاسيما اتفاقية سيفر عام 1920 التى أقرت للأرمن والأكراد بكيانات مستقلة فى تركيا وهو الأمر الذى ترفضه تركيا تماماً.

ورأى الباحث أن هذه هى القضايا الرئيسية التى تمثل مفتاح المفاوضات التركية ـ الأوروبية، وأنه بدون حسمها لن يتم تحقيق تقدم فعلى فى عملية التفاوض الجارية بين الطرفين، أما عن دور العامل الخارجى فى المفاوضات التركية ـ الأوروبية، فقد تطرق الباحث فى عرضه إلى عدم فاعلية الدور الأمريكى فى المفاوضات التركية ـ الأوروبية وأوضح ارتباط ذلك بطبيعة العلاقات الأمريكية بكل من تركيا وأوروبا ومدى غلبة هامش التوافق والتعاون أو التعارض والخلاف، شارك فى الحضور نخبةٌ رفيعة المستوى من الدبلوماسيين المصريين والأجانب والسيد محمد العرابى وزير الخارجية السابق.

إبراهيم بدوى

Share This