أذربيجان: هوية ضائعة ودور ملتبس

تحوّلت أذربيجان بين عقد وضحاه إلى قوة إقليمية سياسية وقوة طاقة عالمية. ولا نقول اقتصادية لأن الأمر يتعلق حينها بمدى القدرات الإنتاجية ومستوى الرفاهية لدى السكان. وهو لا يبدو متحققاً في ظل استفادة مجموعة محدودة من الطبقة السياسية من الثروات. مع ذلك فإن زائر باكو لا يمكن إلا أن يلاحظ مدى الصراع على أذربيجان بين القوى الإقليمية والدولية.
وتحتل أذربيجان موقعاً حساساً بين الشرق والغرب، فهي إحدى بوابات الغرب على العالم التركي، وهي بداية الانكشاف القوقازي والآسيا – وسطوي على الغرب. وتزيد أهمية موقع أذربيجان أنها الجسر بين الشمال والجنوب، بين العالم الروسي والعالم الإسلامي.

لكن ما يلاحظ أن الهوية الأذرية لم تتشكل بعد على أسس يكون الدين الإسلامي فيها احد مظاهرها المعلنة. ذلك أن عقوداً ثمانية من السيطرة السوفياتية والشيوعية لا تزال تترك أثرها لجهة التفلت من التقاليد المحافظة، حيث أن البعد الإسلامي من الهوية الأذرية لا يزال ضعيفاً جداً بحيث يمكن القول بكل ارتياح، وأسف في الوقت ذاته، أن التدين ولا سيما ارتداء الحجاب بين الفتيات والنساء، شبه معدوم ويحتاج إلى “ميكروسكوب” للعثور على محجبات. طبعاً هذا لا يعني أن التدين ليس موجوداً وبقوة في الأرياف، لكن باكو على الأقل بوسطها وأطرافها أيضا لا يمكن أن تكون على هذه الدرجة من “التصحّر الديني”.

لكن أهمية أذربيجان الأصلية هو موقعها الجغرافي في سياق الصراعات الإقليمية والدولية وغناها بالطاقة حيث تحوّلت إلى لاعب عالمي مؤثر. وإذا استعدنا أن أذربيجان تقع على حدود روسيا وإيران وتركيا وجورجيا وأرمينيا، وكلها قوى تختزن حساسيات إقليمية ودولية، لأدركنا أهمية أن تكون أذربيجان موالية لهذا المعسكر أو ذاك، وترجيحها لكفته.
لكن الصورة الشائعة في العالم العربي عن أذربيجان أنها “قاعدة” إسرائيلية بمعنى التأثير الجيوبوليتيكي وأهميتها للدولة العبرية. أذربيجان مهمة لإسرائيل طبعاً في مواجهة إيران وهذا أمر مفروغ منه، لكن التغلغل الإسرائيلي في أذربيجان والقوقاز عموماً يتصل أيضاً بقوى أخرى على الأرض هي تحديداً أرمينيا وتركيا.

تتحدث المعلومات عن وجود تحالف استراتيجي غير معلن بين باكو وتل أبيب، أولاً ضد إيران من جهة إسرائيل وثانياً ضد أرمينيا من جهة أذربيجان. مؤخراً تم توقيع اتفاق عسكري بقيمة مليار و600 مليون دولار بين الدولتين لتزويد أذربيجان برادارات ضد الصواريخ تشبه رادارات الدرع الصاروخية الأطلسية في ملاطية بتركيا وبطائرات من دون طيار، وبالطبع هذه موجهة ضد إيران، وبأسلحة أخرى وتدريبات تريدها أذربيجان ضد أرمينيا التي تحتل أجزاءً مهمة من الأراضي الأذرية.

لكن المفارقة أن التغلغل الإسرائيلي يحمل من جهة أخرى اقتحاماً لمنطقة نفوذ مادية ومعنوية لأنقرة، حيث أن تركيا ترى في التعاون العسكري الإسرائيلي- الاذري إضعافاً للنفوذ التركي خصوصاً في ظل سعي إسرائيل للبحث عن مناطق نفوذ جديدة تعوّض خسارة التحالف الاستراتيجي مع تركيا. ومن ملامحها البارزة التحالف الإسرائيلي مع قبرص اليونانية ومع اليونان وبلغاريا ورومانيا واليوم استمرار للتعاون مع أذربيجان وجورجيا. ولا تخجل باكو من تحالفها مع تل أبيب، إذ تقول إحدى الباحثات الأذريات البارزات انه رغم اعتراض البعض من الجيران “سنواصل تعاوننا مع إسرائيل على الصعيد العسكري”.

والمقصود بالجيران قد يكون إيران التي احتجت رسمياً لدى باكو على تعاونها مع إسرائيل، وقد يكون المقصود أيضاً أرمينيا.

تتحول أذربيجان إلى منطقة للصراع بين القوى الإقليمية والقوى الدولية، وفي رأس الأخيرة روسيا والولايات المتحدة. إذ ليس سهلاً أن تكون محاذياً جغرافياً لقوى كبيرة مثل روسيا وإيران وتركيا معطوفاً على ثروة خيالية من النفط والغاز الطبيعي الذي يكاد يحيل خليج باكو إلى مياه رمادية.

إذا كانت أهمية أذربيجان هي في ترجيح كفة هذا أو ذاك على الآخر، فإن أهميتها المضاعفة والأصلية في أن تستعيد أولا هويتها التاريخية والإسلامية، وأن تكون جزءاً من محيطها الإقليمي المباشر وليس قاعدة لقوى معادية وفي مقدمهم إسرائيل لتهديد جيرانها المباشرين.

محمد نور الدين

السفير

9-3-2012

Share This