المحرر اليهودي وكاتب المقال التركي يحتّجان على إنكار الإبادة الجماعية

Harout_Sassounianينزعج الأرمن ولأسباب مفهومة، عندما يصادفون تصريحات تشوه أو تنفي وقائع الإبادة الأرمنية، ويشعرون بالارتياح عندما يحصلون على الاعتراف بشكل لائق. فيما يسارعون الى توبيخ المنكرين إلا أنهم نادراً ما يخصصون الوقت لتقديم العرفان لأولئك الذين يقولون الحقيقة.

بادر الى ذهني هذا التفكير عندما قرأت مقالتين جريئتين مليئتين بالحقيقة حول الإبادة الأرمنية. الأولى بقلم يهودي عادل وهو محرر “إنترماونتن جويش نيوز” الصادرة في ولاية كولورادو دينفر، والثانية بقلم تركي عادل وهو بوراك بيكديل المعلق في جريدة “حرييت” اليومية.

لم يمضغ محرر “إنترماونتن جويش نيوز” الكلمات، بل بدأ من العنوان “كل تلك الأكاذيب حول الإبادة الأرمنية لم تنفع بشيء”. ثم تابع وهاجم بضراوة المنظمات اليهودية والقادة الاسرائيليين الذين يقومون بألاعيب لاأخلاقية ضد الإبادة الأرمنية من أجل إرضاء الحكومة التركية.

ونذكر مقطعاً مما كتبه ذلك المحرر الجريء:” يمكننا أن نستخدم كلمات مثل “دبلوماسية”، “سياسة”، “جهل” أو “موضوعية”. في الحقيقة، هناك كلمة واحدة هي “الكذب”. طوال سنين مضت، كذبت عدد من المنظمات اليهودية بخصوص الإبادة الأرمنية التي ارتكبها الأتراك العثمانيون خلال فترة الحرب العالمية الأولى. وقالت تلك المنظمات أن الإبادة لم تنفذ أو أنها مسألة “جدل تاريخي”. وعلى أساس أنه كان ينبغي على اسرائيل أن تقيم علاقات جيدة مع تركيا، وافقت تلك المنظمات اليهودية، واسرائيل نفسها، على إنكار تركيا للإبادة الأرمنية وأنها جدلية. وقيل لنا إنه يمكن الوصول الى علاقات جيدة مع تركيا فقط بالموافقة على أكاذيب تركيا حول الإبادة الأرمنية. ذلك أمر مخجل.

ينبغي ألا يكون الكذب بشأن الإبادة الأرمنية جزء من عملة الدبلوماسية الاسرائيلية أو اليهودية -الأمريكية مع تركيا. إن اسرائيل وتلك المنظمات اليهودية يجب أن ترى الآن بأن الكذب لم ينفع حتى بشكل براغماتي. أما بشكل أخلاقي. فعندما يتعلق الأمر بالإبادة فلا مكان للدبلوماسية ولا السياسة. لا يمكن إنكار، ولا تجاهل أو استخفاف الإبادة.  إن المنظمات اليهودية واسرائيل أنكرت ذلك المبدأ، وذلك الانكار بدأ يعود ويعضّهم. أما فيما يتعلق بالإبادة، فالأجيال القادمة ستكون قاسية. فعدد الباحثين العارفين بالإبادة الأرمنية في تركيا يزداد. وإن العديد من الدعاوى المضادة التي تنكر الإبادة الأرمنية تبدو غريبة. هل يمكن أن تتخيل أحداً يدّعي بكل ثقة أن ثورة غيتو وارصو عام 1943 تبين أن الهولوكوست كانت عبارة فقط عن حرب أهلية بين اليهود والألمان؟ فتوصيف الإبادة الأرمنية من قبل الادعاء التركي بـ”الحرب الأهلية” يبدو مضحكاً الى هذا الحد. ونكرر، الأجيال القادمة ستتناول ناكري الإبادة بشكل قاس جداً…”.

وتأتي مقالة المعلق التركي الليبرالي بوراك بيكديل كذلك قوية. قبل عدة سنوات، حكم عليه بسبب كتابته مقال ينتقد فيها القضاء التركي. واليوم، من جديد، يواجه بيكديل خطر السجن تحت البند 301 من القانون الجزائي التركي الذي يجرم من يذكر الإبادة الأرمنية. ففي مقاله يقترح بيكديل بجرأة أن تقوم الحكومة التركية بتسجيل قائمة بجرائمها السابقة وتتبنى قراراً في البرلمان بقيادة حزب العدالة والتنمية وتصدر بيان اعتذار للضحايا.

وضمن الجرائم السابقة لتركيا يذكر بشكل خاص “الإبادة الأرمنية”. وإليكم مقطعاً من مقال بيكديل الجريء: ” في البداية، لنسجل المذابح التي ارتكبتها تركيا في القرن الماضي. هناك “ديرسيم” طبعاً. لكن في البداية أقترح الإبادة الأرمنية، وجرائم الحرب المرتكبة ضد اليونان خلال حرب الاستقلال، والعنف والمذابح الأخرى المرتكبة في السنوات الأولى من الجمهورية ضد اليونان والأرمن واليهود، وقتل 40 ألف كردي (كما وصفها التركي الوحيد الحاصل على جائزة نوبل) ومذابح أخرى للأكراد بين الأعوام 1984 و2002 … أدعو الليبراليين المناصرين لحزب العدالة والتنمية أن يقوموا بتسجيل مسودة قائمة كاملة بالمذابح التركية في القرن العشرين، وتزيينها باعتذار رسمي موجه للضحايا وأقربائهم”.

ينبغي على المنظمات الأرمنية أن تحتفي بالرجلين العادلين، لإدانتهم قادتهم ولجرأتهم بفضح أكاذيبهم حول الإبادة الأرمنية.

هاروت صاصونيان
رئيس تحرير جريدة “كاليفورنيا كورييه”
كانون الأول 2009

Share This