ثقافة التسامح الديني

عندما تعود بنا الذاكرة إلى بداية ستينات القرن الماضي ونطالع الوثيقة التاريخية التي ارسلها بابا الفاتيكان يوحنا الثالث والعشرون إلى الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح في عام 1961. فان الشوق الكبير والحنين الوطني الأصيل المتجذر في ابناء الوطن الاوفياء، يأخذاننا إلى الأصالة والوطنية والمحبة الكويتية عندما كانت الكويت بوابة للتسامح، مما حدا بابا الفاتيكان إلى منح والد الكويت عبدالله السالم الصباح وثيقة التسامح الديني بدرجة فارس.

وحتى لا يخرج علينا نفر من المتفذلكين وعشاق ضرب أسافين الفرقة والتفرقة بين أبناء الوطن والدين الواحد، فما بالكم بأصحاب الملل والديانات الاخرى التي وجدت في الكويت واحة تسامح ودوحة للمشاعر الخاصة بهم، فاننا نذكّ.ر بنص الوثيقة التاريخية الرائعة.

“نتمنى لسموكم دوام الصحة والرخاء، علمنا من أخينا المحترم الاسقف أوبالدو تيوفانوستيلا القاصد الرسولي في الكويت بانكم بصفتكم حاكما للكويت، ابديتم كرماً وحفاوة تجاه الكنيسة والديانة الكاثوليكية، وبالتالي فاننا نعتبر ان من المناسب ومن أجل اظهار حسن نوايانا تجاهكم، ان نمنحكم بموجب هذا الخطاب وسام الفارس للبابا سانت سلفستر، وبذلك اصبح سموكم في مصاف صفوة الفرسان، ونمنحكم شرف ارتداء الوشاح والوسام (الميدالية والياقة والوشاح.. الخ) منح في روما في كاتدرائية القديس بطرس في الرابع من مارس 1961 في العام الثالث لولايتنا.. التوقيع.. كاردينال تارديني.. وزير خارجية الفاتيكان”.

قمتُ بنشر نص الوثيقة وصورة عنها في القبس على الصفحة الأخيرة يوم 2005/1/13.
وفي الأمس القريب جدا الخميس 2012/3/29 قامت الشيخة فريحة الأحمد الجابر الصباح رئيسة الجمعية الكويتية للأم المثالية بزيارة لمطرانية الأرمن الارثوذكس في منطقة السالمية، حيث شاركت اخوتها المسيحيين اوقاتا طيبة ولحظات جميلة، بينت عمق التسامح الديني هنا في الكويت، برعايتها وحضورها، وهي التي عودتنا على هكذا خصال حميدة ورائعة زرعت في قلوب اخوتنا الأرمن الارثوذكس الأمل الجميل والوعد حتى يحصلوا على ارض مناسبة لكنيستهم إن شاء الله.

وهذا ليس بجديد على الشيخة فريحة التي سبق ان بذلت جهودا طيبة وترتبط بعلاقات وثيقة مع الكنيسة القبطية في الكويت، كويت المحبة والتسامح لا كويت الفرقة والدعوة إلى هدم الكنائس، و«معايرة» اخوتنا في الدين الإسلامي من المذاهب الاخرى بطقوسهم وأماكن عبادتهم!

انها الكويت التي تجمع بين افراد اسرة الخير آل الصباح الكرام كل ثلاثاء في ديوان عميد الأسرة سمو الشيخ سالم العلي الصباح بحضور صاحب السمو الأمير وسمو ولي العهد والشيوخ الذين تعلموا التسامح والمحبة منذ قيام الدولة قبل قرون من الزمان، حيث تطغى احاديث المحبة على كل الجوانب التي يتم تداولها في الديوان، برعاية من عميد أسرة الصباح الكرام.

هذه هي الكويت وستبقى كذلك، بالرغم من اسافين الحقد التي يحاول البعض تناسي متانة الأصل وقوة البنيان، وان هذه الارض المعطاء فتحت، ولا تزال وستظل، القلب قبل الدار للجميع ومن جميع الطوائف والملل بلا استثناء.

فهلا وصلت الرسالة لتلك الفئة الضالة التي تحاول جرّنا إلى ما لا تحمد عقباه، وهل آن أوان تعلم ابجديات ثقافة المواطنة والوطنية والتسامح الديني؟ نأمل ذلك.

 

أحمد شمس الدين

القبس

Share This