أرمينيا في القلب: نحن كسروانيّون

يمثّل الأرمن في لبنان بيضة الميزان، يدافع عنهم فريق 8 آذار إذا جيّروا أصواتهم للتيار الوطني الحر، ويتهمهم الرئيس أمين الجميّل بعدم الانتماء إلى لبنان عندما يصوّتون ضده. أما أرمن كسروان، فلا حول لهم ولا قوة، مشتتون في ظل عدم اهتمام الأحزاب الأرمنية بهم

جزء من الأرمن وصل إلى لبنان عن طريق سوريا، وجزء آخر وصل من البحر. في الخيم والبيوت القديمة سكنوا في البداية، ومن هناك انطلقوا حتى أصبحوا من السكان الأصليين. يتوزّع الوجود الأرمني في كسروان على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى بين الـ1700 و1895 سجلت وصول أعداد قليلة من الأرمن (بحدود 300 عائلة) من الضيع التركية، طمعاً بحرية المعتقد وهرباً من الاضطهاد بسبب إيمانهم الكاثوليكي. مثّل دير بزمار للأرمن محور وجودهم في كسروان، فاحتضنهم وسهّل تقبّل اللبنانيين لهم.

اختلفت أسباب المرحلة الثانية التي امتدت من 1895 إلى 1908 ، فكانت سياسية نتيجة المجازر التركية بحق الأرمن. وقعت المجزرة الكبرى عام 1915 وهرب قسم كبير من الأرمن الذين يطلق عليهم اليوم اسم «الأرمن القديم» الذين تخلّى بعضهم مع الزمن عن لغته الأم واستبدلها بالعربية، وتوزع وجودهم بين حلب وكسروان. والمرحلة الأخيرة كانت سنة 1922 إثر سقوط إمارة كيليكيا، وتميّزت بالأعداد الكبيرة للأرمن الوافدين إلى كسروان.

مع الوقت، تدنّى عدد أرمن كسروان بسبب الهجرة وانتقال البعض إلى بيروت لممارسة التجارة. فأصبح عددهم التقريبي في هذه المنطقة 1800 شخص أكثريتهم من المهاجرين، وقد انتخب منهم في انتخابات عام 2009 النيابية نحو 500 ناخب.
لا يتميّز أرمن كسروان عن بقية شعبهم، ولا رسالة محددة لهم. ويعود الأمر، استناداً إلى النائب البطريركي لجمعية كهنة بزمار ورئيس دير بزمار المونسينيور غابريال موراديان، إلى عددهم الضئيل وتشتّتهم كجماعة، إذ لا كيان لهم. ليسوا إلا مجموعة من الاشخاص يتمحور وجودها حول الكنيسة، أمّا على الارض فلا أندية ولا مؤسسات تجمعهم، ما سهّل انخراطهم في البيئة الكسروانية وتخطّي عقدة «الغريب »، إلى حدّ بات من الصعب التمييز بين أرمني وكسرواني.

التحدي الأساسي بالنسبة إليهم هو الحفاظ على اللغة الأرمنية التي تمثّل الرابط الذي يجمع بينهم، ويؤمّن استمرارهم كشعب. لا وجود لمدارس أرمنية في المنطقة، والعديد من الأهالي يصعب عليهم إرسال أولادهم إلى بيروت، ما يعقّد محاولات المحافظة على هذه الثقافة. الهمّ الثاني الذي يعيشه أرمن كسروان هو غياب الوحدة بين الأحزاب السياسية الأرمنية، وانشغال هذه الأخيرة بتحالفاتها مع الأحزاب اللبنانية من جهة، ومن جهة ثانية التنافس في ما بينها وتغييبها عن الساحة الكسروانية، حيث «الصوت الماروني» يفرض نفسه كأكثرية، مهمّشاً أصوات الأقليات، والحسابات السياسية لا تلحظهم. في السياسة، يؤكد موراديان انحياز أرمن كسروان، والكنيسة خصوصاً، إلى الحق حتى ولو اقتضى ذلك التلوّن سياسياً، ولكنهم اليوم غير معنيين بالصراع الحاصل.

يعتب موراديان على السياسيين الأرمن «المقصّرين» كسروانياً، ولكنه يستدرك متحمّلاً جزءاً من المسؤولية عندما يقول إن «موقعي لا يسمح لي بأن أعتب على أحد، خصوصاً أن الكنيسة لا تقوم بالواجب أحياناً كثيرة، لا بل لا يمكن أن نطلب منهم الالتزام بأمور نحن نتبرّأ منها». وفي هذا الإطار، أفصح موراديان عن أن أمراضاً كثيرة تعتري الكنيسة، وهي بحاجة إلى إعادة تأهيل لذاتها وتصويب لأهدافها، وقد نكون في حاجة إلى مجمّع فاتيكاني ثالث من أجل إعادة لمّ المسيحيين، والأرمن خاصة. والعمل الرعوي، بحسب موراديان، لا يقتصر على قداس يوم الأحد والاحتفالات الدينية، بل يجب أن يسهم في إعادة لمّ الأرمن المشتتين. وبما أن لكل هدف نقطة انطلاق، سيقيم دير بزمار قداساً في كنيسة جونية للأرمن باللغة العربية لجمع الأرمن القديم.

لآل الخازن مكانة خاصة عند أرمن كسروان. فالأرض التي شيّد عليها دير بزمار تعود للعائلة الكسروانية الشهيرة، وقدمتها «للاجئين» لقاء بدل زهيد. وتأسست هذه الجماعة بفضل مساعدة البطريرك الماروني الياس الحويّك (1899 ـــ 1931).
لا يقتصر الاضطهاد الأرمني على المجال السياسي أو الكنسي، فالإعلام مقصّر معهم أيضاً. واستناداً إلى موراديان، يعود الامر إلى الاحتفال الذي أقيم في ذكرى مرور 10 سنوات على تطويب شهيد الإيمان اغناطيوس مالويان، بحضور أهم الشخصيات الروحية والسياسية، وكان من أهم المناسبات لتمكنه من جمع حشد كبير من الأخصام السياسييّن.

لا ينكر المونسينيور غابريال موراديان الحلم بأرمينيا كبلد وبالعودة اليها، ولكن يصبح الأمر معقداً بعض الشيء عند اصطدامه بالواقع. “أينما وجد الأرمن أسّسوا أرمينيا الصغرى، تعلّقوا بالأرض التي سكنوا فيها، واندمجوا مع أهلها. هذه الأمور إضافة إلى عوامل أخرى تحول دون تحقيق الحلم”.

يؤكد النائب هاغوب بقرادونيان تقصير حزب الطاشناق على المستوى السياسي في كسروان، ويعود الامر بالنسبة إليه إلى عدد الأرمن القليل في هذه المنطقة، وعدم وجود مقعد نيابي يمثلهم: كثيرون منهم يقيمون في كسروان، ولكن قيودهم في منطقة أخرى. ولكن هناك نشاطات تنظم على المستوى الرياضي والثقافي والديني، إضافة إلى التواصل الدائم مع المرجعيات كافة.

يرفض بقرادونيان الكشف عن أرقام الأرمن الكسروانيين المنتمين إلى الطاشناق، لأن الانتخابات النيابية ونتائجها تبيّن الأمر ، ولكنه يؤكد «وبكل تواضع» سيطرة حزبه في كسروان، «كما في بقية المناطق اللبنانية.

يلتقي النائب سيبوه قالباكيان مع بقرادونيان حول العدد القليل للأرمن في كسروان، ويقول إن الاهتمام السياسي موجود وكذلك النشاطات الثقافية والرياضية، ولكن 80% من السكان الأرمن هاجروا أو نقلوا قيودهم إلى مناطق أخرى، الأمر الذي يصعّب التحرك. على الرغم من ذلك، يوضح قالباكيان أن الاهتمام بكسروان خاص بسبب طبيعتها المسيحية، والودّ بين الكسروانيين والأرمن.

يرفض قالباكيان أن يكون الطاشناق الحزب الأول كسروانياً، ممكن أن يكون قوياً في بعض المناطق كالمتن، ولكن في كسروان الهنشاك هو الفاعل على الارض، خصوصاً في جونية وغزير.

تستنفر فيكتوريا ماركاريان عندما تحدثها بمنطق ثنائية اللبناني ـــ الأرمني. تقول: «نحن سكان الأرض الأصلييّن، لا شيء يميز الكسرواني عن الأرمني، هنا عشنا، تعودنا وتجذرنا». ترفض فيكتوريا العودة إلى أرمينيا لأسباب عدة، أهمها أن لبنان هو وطنها. أما عن أمنياتها فتوجهها إلى الكنيسة الأرمنية المقصّرة مع شعبها.

تشارك منى بارتميان فيكتوريا شعورها تجاه كسروان، فهي تسكنها منذ ما يقارب 30 سنة ولا تشعر بأنها «غريبة» فيها. تتخطّى منى الكنيسة، وتوجه اللوم إلى السياسيين من أرمن ولبنانيين الذين لا يعيرون هذه الجماعة أي اهتمام بما أنه لا وزن انتخابياً ضخماً لها كسروانياً. ارتباط منى بأرمينيا عاطفي، ولكن عملياً، لا مجال للعودة، “الحياة مرتبطة بكسروان”.

ليا القزي

 

العدد ١٦٨٨ الجمعة ٢٠ نيسان

http://www.al-akhbar.com/node/62587

Share This