مليون ونصف مليون أرميني ضحايا الإبادة

السفير الأرميني: الدولة العثمانية رفعت الأحرار العرب على أعمدة المشانق

أكد سفير جمهورية أرمينيا في دمشق الدكتور آرشاك بولاديان أنه في 24 نيسان يحتفل عموم الأرمن في الشتات وفي جمهورية أرمينيا بإحياء ذكرى شهداء إبادة الشعب الأرمني في الامبراطورية العثمانية على يد الاتحاديين الأتراك عام 1915 والتي تعتبر أول وأكبر جريمة بشعة ضد الإنسانية في القرن العشرين، ذهب ضحيتها أكثر من مليون ونصف مليون أرمني، مبيناً في حوار خاص مع جريدة البعث أنه بقرار رسمي عثماني تمت الإبادة الأرمنية حيث تابع الأتراك مخططاتهم الإجرامية ضد الأرمن في محاولة لتتريك جميع الشعوب غير التركية داخل الامبراطورية العثمانية واتباع السياسة الطورانية.

  • يبدو أن المخططات العثمانية اتخذت مناحي جديدة في القرن التاسع عشر؟..

عانى الأرمن خلال الولاية العثمانية حياة قاسية، وأصبحوا  فريسة التخلف والاضطهاد والتنكيل وأعمال القتل، والتي بلغت ذروتها في عهد السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1908م) المعروف بالسلطان الحمر.. حكم هذا السلطان الامبراطورية العثمانية بيد من حديد لمدة 33 عاماً، وكان حكمه استبدادياً تناول ببطشه جميع شعوب الامبراطورية، ومنها الشعوب العربية وشعوب البلقان.  وقد استطاع السلطان عبد الحميد بمرونته وذكائه ودهائه السياسي، كما يقول المؤرخ السوري مروان المدور، من تعويم وتغطية مطالب الأرمن والاضطهادات التي قام بها ضدهم تحت سمع الدول الأوروبية وبصرها بمهارة دقيقة.

إن المسألة الأرمنية كجزء من المسألة الشرقية في الامبراطورية العثمانية أثيرت في جميع المؤتمرات الدولية ولكن من دون جدوى، وأدت توارث وانتفاضات الأرمن ضد السلطة العثمانية إلى تعرضهم للعديد من المذابح والويلات..

من عام 1894 حتى 1896 نفذت السلطات العثمانية بأمر من السلطان عبد الحميد مجزرة وحشية لردع الثوار الأرمن وإرهاب الشعب في المنطقة الأرمنية صاصون راح ضحيتها حوالي 200 ألف شهيد، واعتبرت هذه المذابح أفظع ما شهده القرن التاسع عشر وأبشع حدث في العصر الحديث، لأنها جعلت ليل حضارة القرن التاسع عشر أكثر سواداً وظلاماً، وبدأت مأساة الأرمن بالتصاعد تدريجياً، وتشكل في هذه الأثناء حزب الاتحاد والترقي مدعياً توجهات تقدمية وتحالف في البداية مع الأحزاب الأرمنية.

وبعد انقلاب عسكري قام به هذا الحزب في 10/10/1908، اضطر السلطان إلى إعلان تركيا ملكية دستورية، وفي الوقت نفسه تمكن بتنجيد القوى الرجعية في الجيش وتحضير مجازر جديدة للأرمن في أضنه ومنطقة قليقيا عام 1909 التي راح ضحيتها 30 ألف أرمني وظهر خبث الاتحاديين وتعصبهم القومي والعنصري بأسوأ أشكاله. وبهدف إقامة الامبراطورية الطورانية التركية قاموا تدريجياً بتنفيذ سياسة تتريك الأرمن والعرب والسريان والآشوريين وغيرهم. واستخدموا فرصة الحرب العالمية الأولى والتي اندلعت عام 1914، فبدؤوا بتنفيذ برنامج إبادة الأرمن في 24 نيسان عام 1915 والتي راح ضحيتها مليون ونصف مليون من الشعب الأرمني. وبذريعة الخدمة الإلزامية استدعى الاتحاديون الشباب الأرمن ممن كانت تتراوح أعمارهم بين 15 و50 عاماً وبهذه الطريقة الشنعاء وبالمكر تمكنوا من القضاء على القوى الضاربة الأرمنية، وبدؤوا بقتل الشباب واعتقال المئات من القادة والمثقفين الأرمن، وبقي الشعب الأعزل من دون حماية وانتشرت المظالم المفجعة من قتل وتعذيب وتهجير.  وهنا ظهرت شهامة الشعب العربي بحمايتهم للأرمن المهاجرين في بلاد الشام وغيرها في المنطقة العربية وبإعطائهم الأمن والأمان وإخفائهم من بطش السلطات العثمانية.

  • الكل يعرف بأن الاضطهاد والظلم العثماني وحّد صفوف العرب والأرمن؟..

بهذه المناسبة يجب القول: إن الأرمن والشعب العربي وحدا قواهما في نضال مشترك ضد المحتل التركي العثماني وسياسته الإجرامية الاستبدادية، لأن السلطة العثمانية، كما قال أسعد مفلح داغر، أحد أحرار العرب، في كتابه “ثورة العرب”، لم تكن تجد “فرقاً بين مسلمها ومسيحيها”، وأيد الأرمن علناً طموحات العرب للتحرر من النير العثماني ونيل الاستقلال الوطني. وقد لاقى موقف الأرمن ارتياحاً كاملاً عند العرب، ويدل على ذلك وثائق تاريخية من بينها رسالة نجيب العازوري إلى ميناس تشيراز صاحب جريدة أرمينيا أعرب فيها عن شكره للأرمن على الترحاب الكبير لمواقفهم الحميدة تجاه نهضة الوطن العربي والإجراءات السامية للحركة العربية الوطنية.  كما ذكر في رسالته أيضاً عن جسارة الأرمن في دعم العرب ضد الدولة التركية، الذين أثبتوا أنهم رواد في تفهم المصالح المشتركة..

وبدورها أيدت القوى الوطنية العربية المطالب القومية والنضال التحرري الأرمني. ويشهد على ذلك قرار المؤتمر العربي العام المنعقد في باريس بين 18-23 حزيران عام 1913م الذي أعرب عن دعمه وتأييده “لمطالب الأرمن العثمانيين القائمة على أساس اللامركزية”.
تابع الأتراك مخططاتهم الإجرامية ضد الأرمن وشردوا من بقي منهم على قيد الحياة إلى سورية، في الوقت الذي قاموا برفع الأحرار العرب على أعمدة المشانق وأعدموا الوطنيين القوميين.
وعلى الرغم من تهديد قادة جماعة الاتحاد والترقّي للسكان المحليين بخصوص عدم تقديم المساعدات للأرمن، فقد رفض معظم الموظفين العرب الانصياع للأوامر الجائرة، وبعد فقدان أرضهم وأهلهم وجد الكثير من الأرمن الحماية لدى الشعب العربي، فاندمجوا في المجتمع العربي وأعلنوا الولاء للبلاد التي وجدوا فيها خلاصهم وأصبحت بمثابة وطنهم الثاني.
بعد استقرارهم في البلدان العربية شارك الأرمن بكل وفاء وإخلاص جنباً إلى جنب مع إخوانهم العرب في سورية ولبنان وغيرها في تصديهم للاستعمار الأجنبي بواسطة الحركات الوطنية التحررية. وعلى سبيل المثال نذكر مشاركة الأرمن عام 1925 في الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش ضد المستعمرين الفرنسيين، وضد الانتداب الفرنسي في لبنان عام 1943 وفي معركة لواء الاسكندرون ضد الأتراك والفرنسيين، والنضال في سورية من أجل الاستقلال عام 1945.

  • كيف يقدّر الأرمن معاملة العرب مع المهجرين الأرمن خلال محنتهم؟.

إن الشعب الأرمني لن ينسى أبداً استضافة الشعب العربي وخاصة السوري للآلاف من أبنائه الناجين من الإبادة العرقية. فبفضل الرعاية والرأفة من إخوتهم السوريين، تمكنوا من دمل جراحهم وبدء حياة جديدة والاندماج في المجتمعات المحلية، وجلبوا مساهمتهم الملموسة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لسورية مع الحفاظ على هويتهم القومية وحضارتهم الخاصة في  الوقت نفسه..

وتحمل اليوم الجالية الأرمينية دور الجسر الذي يربط أرمينيا وسورية، ولديها مساهمة كبيرة في تطوير التعاون التجاري والثقافي والتعليمي بين بلدينا، وكذلك في تعزيز علاقات الصداقة الحارة والمخلصة بيننا. إن الأرمن في سورية يفتخرون بجنسيتهم السورية ويتمتعون بكافة الحقوق ويخدمون هذا البلد الصديق بكل إخلاص..

والشعب الأرمني أينما كان يقدر عالياً المعاملة الإنسانية التي لقيها من الشعب العربي أيام محنته، وخاصة سورية حيث تعد مدينة حلب بمثابة المركز الاجتماعي والاقتصادي للجالية الأرمينية التي احتضنتهم وأنقذتهم من التشرد، وفي 9 تشرين الأول قررت دولة أرمينيا وضع نصب تذكاري في العاصمة يريفان، كتعبير عن الشكر والامتنان تجاه الشعب العربي.. وشارك الاحتفال الرسمي الشخصيات الرسمية في الدولة وسفراء وأعضاء البعثات الدبلوماسية للدول العربية.

  • إن المجتمع العربي خصص اهتماماً علمياً بالغاً تجاه القضية والإبادة الأرمنية، كيف تقيّمون هذا العمل؟.

إن الإبادة الأرمينية وإظهار أسبابها ونتائجها وجدت اهتماماً بالغاً في الأوساط العلمية العربية وخاصة تلك المعنية بدراسة التاريخ، ويدل على ذلك الاهتمام الواضح الذي أظهره المؤرخون العرب في السنوات الأخيرة تجاه تاريخ أرمينيا وبالدرجة الأولى تجاه الإبادة الأرمينية الكبرى.

ففي دمشق والقاهرة وبيروت وحلب نشرت العديد من المقالات والكتب التي قامت بالكشف عن الأحداث التاريخية.  على سبيل المثال نلمس صدق المعالجة في كتاب مروان المدور “الأرمن عبر التاريخ”، وعثمان الترك “صفحات من تاريخ الأمة الأرمينية”، والمحامي موسى برنس “مجازر الأرمن”، والمستشار فؤاد حسن حافظ “تاريخ الشعب الأرمني منذ البداية حتى اليوم”، والدكتور صالح زهر الدين والدكتور محمد رفعت والعديد من المقالات الأخرى التي حملت تواقيع شخصيات عربية هامة مثل محمد كرد علي، ومسعود ضياء، وأميل توما، ويوسف إبراهيم يزبك، وخيري حمادي، وجميل خير وغيرهم. ونأمل من البرلمان السوري المقبل دراسة موضوع الاعتراف بالإبادة الأرمنية للتعبير عن واجبه الإنساني تجاه آلاف الضحايا الذين لقوا حتفهم في الأراضي السورية بأيدي السلطات العثمانية..

  • كيف تتعاطى تركيا مع الإبادة الأرمنية؟.

مع الأسف الشديد أنكرت الحكومات التركية ومازالت تنكر الحقائق، ويشير الأتراك إلى مقتل حوالي 300 ألف أرمني، ولكن يعتبرون وفاتهم بسبب الحرب العالمية الأولى وخلال التهجير حسب قولهم، وتجدر الإشارة إلى أن سلوك الحكومة التركية الحالية القاضي باستمرار إنكار الإبادة وإلقاء اللوم على الأرمن في حال افترضوا حدوثها بالفعل، يساهم في استمرار تحرك الشتات الأرمني للتوصل إلى الاعتراف بالإبادة وتحقيق العدالة.. ولن ينسى الأرمن ولن يلزموا الصمت، ولن يعم السلام إلى أن تعترف تركيا الحالية بمسؤولية أسلافها عن إبادة عام 1915.

  • هل هناك علاقات دبلوماسية بين أرمينيا وتركيا، وما هي آفاق هذه العلاقات في ظل تأثيرها على إبادة الأرمن وهل يمكن تجاوز هذه المسألة؟.

لا توجد علاقات بين أرمينيا وتركيا بسبب العلاقات السياسية التاريخية العالقة بين البلدين، واقترحت أرمينيا على تركيا إقامة العلاقات ولكن من المضحك أن تركيا هي التي رفضت تطوير العلاقات مع الجارة أرمينيا وفرضت عليها التخلي عن مطالبها تجاه تركيا، وحتى هذه اللحظة لا يمكننا أن نتحدث عن طيّ صفحة الماضي في العلاقات الأرمينية التركية، فالتقدم في هذا المسار يعتمد على سلوك أنقرة بشكل كامل..

وبهذا الصدد يجب القول: إن تركيا قامت بحصار أرمينيا على مدى السنوات الماضية، وهي تأمل عبثاً أن هذا سيجبر القيادة الأرمنية على تقديم تنازلات إلى أنقرة والتخلي عن السعي للاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن، الاعتراف بوحدة الأراضي التركية (أكثرية أراضي أرمينيا التاريخية تحت سيطرة تركيا الحالية) والقبول بسيادة أذربيجان على إقليم ناغورني كاراباخ (آرتساخ الأرمينية). أرمينيا رفضت وترفض هذه المطالب التركية غير المقبولة، على الرغم من المصاعب الاقتصادية التي يعاني منها شعبها نتيجة الحصار المشترك الذي فرضته تركيا وأذربيجان.

السفير بولاديان

تم اختيار الدكتور بولاديان سفيراً لأرمينيا في سورية منذ شهر آب عام 2007.
كان سفيراً لبلاده لدى دولة الإمارات منذ عام 2002 وسفيراً غير مقيم لدى الكويت والبحرين عام 2003.

شغل منصب مستشار وزير خارجية أرمينيا منذ عام 1998 الى عام 2000، وكان قبل ذلك مديراً لإدارة الدول العربية في وزارة الخارجية منذ عام 1993 الى 1998.

حصل السفير بولاديان على درجة الدكتوراه في التاريخ من أكاديمية علوم جمهورية أرمينيا عام 1984 وعلى دكتوراه دولة في علوم التاريخ عام 1996.

شغل عدة مناصب منها أستاذ المواد العربية بجامعة يريفان الحكومية وباحث علمي في معهد الاستشراق وباحث علمي في لينينغراد.

أهم دراساته: الأكراد في المصادر العربية 1987- دراسات في تاريخ وثقافة الشرق 2001- تاريخ العلاقات الأرمينية العربية 2002- الإسلام ديانة ودولة 2003- أرمينيا والعالم العربي 2007-جمهورية أرمينيا 2010.

دمشق- البعث

Share This