النشاط التركي-الأذربيجاني في مجال الإنكار للإبادة الأرمنية والصراع في جمهورية آرتساخ-غاراباغ الجبلية (1)

بقلم: آرا سركيس آشجيان

يريفان، أرمينيا

(الحلقة الأولى)

 

مقدمة

لقد استنفرت تركيا وأذربيجان، ومن أجل الإيقاف للمد الدولي للاعتراف بالإبادة الأرمنية من 1915-1923 والتشويه لحقائق الصراع في جمهورية آرتساخ-غاراباغ الجبلية، استنفرتا جميع إمكانياتهما الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية، والمصالح الإستراتيجية التي تربطهما بدول كثيرة في العالم، وموارد النفط والغاز (بالنسبة لأذربيجان)، ونشاط الجاليات التركية والأذربيجانية في المهجر. كما اتبعت هاتان الدولتان، من أجل تحقيق الهدف ذاته، سياسة المخادعة والتهديد والابتزاز، كتلك التي استخدمتها تركيا لعرقلة التبني لمشروع القانون الفرنسي حول التجريم لإنكار عمليات الإبادة التي تعترف بها فرنسا، ومنها الإبادة الأرمنية. كما شنت أذربيجان وتركيا حرباً معلوماتية شرسة ضد أرمينيا والأرمن لتزييف الحقيقة في شأن الإبادة الأرمنية، وتضليل الرأي العام العالمي في شأن الصراع في جمهورية آرتساخ-غاراباغ الجبلية، ومنها أحداث خوجالو (خوجالي) في جمهورية آرتساخ-غاراباغ الجبلية، والتي وقعت في محيط منطقة (أغدام).

كما استخدمت تركيا المنبر لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بهدف التعبير عن المواقف المناهضة لأرمينيا والأرمن في مسألة الإبادة الأرمنية والصراع في جمهورية آرتساخ-غاراباغ الجبلية، عندما كانت عضواً غير دائم فيها (كانت تركيا عضواً غير دائم في المجلس أربع مرات، كانت آخرها من 2009-2010). كما أن أذربيجان تستخدم هذا المنبر لتحقيق الهدف ذاته بعد أن انتخبت عضواً غير دائم في مجلس الأمن من 2012-2013. كما تستخدم الدولتان العضوان في منظمة (التعاون الإسلامي)، التي تضم سبعاً وخمسين دولة وأمينها العام الحالي شخصية تركية، تستخدمان هذه المنظمة لتحقيق الغرض ذاته. واتفقت تركيا وأذربيجان على مساندة إحداهما للأخرى والتنسيق بين مواقفهما في المحافل الدولية والإقليمية تجاه مسألة الإبادة الأرمنية والصراع في جمهورية آرتساخ-غاراباغ الجبلية.

وفي المقابل، لا تملك أرمينيا المحاصرة من قبل تركيا وأذربيجان الإمكانيات الضخمة التي تملكها هاتان الدولتان، ولا الخبرة الدبلوماسية المتراكمة لتركيا وريثة الدولة العثمانية. لكن أرمينيا بعد الاستقلال، والمهجر الأرمني يعملان بجد ونشاط ويكمل أحدهما العمل للآخر، متسلحين بقوة الحقيقة وعدالة القضية التي يدافعان عنها، فحققا النجاحات الكبيرة في إيصال الحقيقة إلى الرأي العام العالمي.

 

النشاطات للمهجر الأرمني والمهجرين التركي والأذربيجاني في مسألة الإبادة الأرمنية والصراع في جمهورية آرتساخ-غاراباغ الجبلية

لقد قوم الصحفي التركي البارز محمد علي بيراند، في مقالة له نشرت في صحيفة (بوسطة) في 4 أيار-مايس 2005، نشاط المهجر الأرمني، إذ قال ما نصه[1]:

“…يعمل الأرمن في المهجر بكل جد ونشاط. ولكن لماذا ؟ إن الأرمن في المهجر يعملون من أجل القضية التي يؤمنون بها سواء أقبلنا ذلك أم لم نقبله، أوجدناه على حق أم لم نجده، أكانت هي حقيقة أم كذبة. من ناحيته، يقوم المهجر الأرمني بعمل مؤثر، وهو ناجح إلى أقصى حد”.

وأضاف بيراند: “ولكن ما مصدر هذا النجاح؟ أنهم يعملون كخلية نحل، لا يتركون باباً إلا وطرقوه، وهم منظمون إلى حد كبير، ولا يتشاجرون مع بعضهم البعض. وحتى إن تشاجروا، فإن ذلك لا يقف عائقاً أمام عملهم الآخر..”

وتطرق بيراند إلى نشاط المهجر التركي، فقال: “أما نحن، فماذا نفعل؟ نحن أيضاً نملك المهجر، إذ يقطن الملايين من الأتراك خارج تركيا، وأن المهجر التركي هو، بلا شك، أكثر ثراء بكثير من المهجر الأرمني، إلا أننا لا نمد أيدينا إلى جيوبنا، ولا ننتظم في عملنا، ولا نبدي نشاطاً مؤثراً. إن العمل الأكثر نجاحاً الذي نؤديه هو الشكوى. إننا نشكو من الحكومة، ومن الأرمن، ومن العالم الغربي”. وتبذل الحكومة التركية الجهود لتغيير هذه الصورة النمطية للمهجر التركي.

وأشار رئيس الجمهورية لأرمينيا سيرج ساركيسيان الى “أن المهجر الأرمني هو ألم أرمينيا وثروتها.. ونحن نفخر بوجود جاليات أرمنية كبيرة في روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وكندا ومناطق أخرى في العالم. ولكننا نفخر، إلى درجة أكبر، بالنجاحات التي يحققها الأشخاص الأرمن في المهجر. وهم تمكنوا من أن يصبحوا جزءاً من تلك المجتمعات، ووصلوا إلى القمة في مجالات الفن والعلوم”.

واستطرد ساركيسيان  قائلاً:

“ولكن، من جهة أخرى، نشعر بالأسف لعدم وجود أولئك الأشخاص في أرمينيا بشكل دائم. إنهم ثروة كبيرة، وفي أصعب اللحظات وقف أشهر الرجال في المهجر الأرمني إلى جانب الوطن والشعب الأرمني .. إن ذلك الاحتياطي كبير إلى درجة أن استخدام عشرة بالمائة منه فقط يجعل أرمينيا إحدى أكثر الدول ازدهاراً في العالم. وثمة مسائل للمحافظة على اللغة والتقاليد. ولكن، من جهة أخرى، لا يتمكن الأرمن من العيش بمعزل عن المجتمع، وإلا لما حققوا النجاحات. نحن نريد أن يحافظ  الأرمن، بشكل أكبر، على جذورهم الأرمنية”[2].

وعشية الاقتراب من الذكرى السنوية المائة للإبادة الأرمنية، تستعد السلطات التركية لإعداد مهجر تركي يتصدى للاعتراف الدولي بالإبادة الأرمنية.

وذكرت صحيفة (حرييت) التركية أن الحكومة التركية، وفي حملة يقودها النائب لرئيس الوزراء التركي الذي يترأس هيئة حكومية تدعى (وكالة الأتراك في ما وراء البحار) التي تأسست عام 2010، تستعد لتنظيم “مليون شخص في مهجرها”. وتهدف هذه الحملة، كما أشرت آنفاً، إلى التصدي للاعتراف الدولي بالإبادة الأرمنية.

وأشارت الصحيفة التركية إلى أن ممثلين لنحو 500 منظمة غير حكومية من الدول الأوروبية، بشكل أساس، ومن دول أخرى سيجتمعون في أنقرة في حزيران-يونيو 2012 لحضور مؤتمر بعنوان: (الطرق القانونية لمواجهة المواقف العنصرية والتمييزية تجاه الأتراك).

كما سيتم تشجيع الأتراك في المهجر على الحصول على الجنسية المزدوجة. وفي المرحلة الثانية، ستتم دعوة 2000 تركي مقيم في المهجر للقاء في مدينة (اسطنبول) لتأسيس ما سمي (المهجر التركي). كما تتضمن الخطة تشكيل تحالف قوي مع الجاليات الأذربيجانية في المهجر.

وسينظم هذا اللقاء في 15 أيلول-سبتمبر 2012. ولم يتم اختيار يوم اللقاء هذا اعتباطاً، إذ أنه يمثل اليوم الذي دخلت فيه القوات العثمانية بقيادة الجنرال نوري باشا، الممثل لأنور باشا، وهو أحد المخططين للإبادة الأرمنية، دخلت مدينة (باكو) عام 1918[3].

ويذكر أنه بعد احتلال مدينة (باكو) في 15 أيلول-سبتمبر 1918، ذبح 30 ألف أرمني في ثلاثة أيام[4] من مجموع السكان الأرمن في المدينة البالغ عددهم آنذاك 89 ألف نسمة. ولم تكن المدينة عاصمة لأذربيجان قبل ذلك، بل كانت العاصمة مدينة كنجة (كانتساك). إن العلاقة بين الأتراك العثمانيين، والتتر أو أتراك القوقاز (الأذربيجانيين) كانت ممهورة بالدم الأرمني. وقد نظمت هذه المذابح، بشكل مشترك، من قبل الفرق للجيش العثماني وحزب (المساواة) التتري (الأذربيجاني) التي دخلت مدينة (باكو).

وفي مقابلة أجراها موقع (نيوز.أم) الإخباري الالكتروني مع الرئيس لمركز الدراسات الإقليمية في يريفان ريتشارد كيراكوسيان، ورداً على سؤال حول نشاط الجاليات الأرمنية في العالم في مجال الدفاع عن القضية الأرمنية، والنشاطات المضادة التي تقوم بها جماعات الضغط التركية والأذربيجانية، قال كيراكوسيان:

“إن المهجر الأرمني في جميع أنحاء العالم، في أوروبا والأميركيتين وروسيا، هو من الناحية السياسية أكثر تطوراً وتأثيراً، وأقوى بكثير من المهجر الأذربيجاني أو المهجر التركي. والمهجر الأرمني في أميركا، أو فرنسا، أو الأرجنتين، أو روسيا، قوي لأنه يشكل جزءاً من المنظومة المتكاملة لتلك الدول. وفي المقابل، ما زال المهجر الأذربيجاني أو التركي خارج هذه المنظومات، وهما مهجران قوميان، ويتسمان بفاعلية أقل”.

وأضاف كيراكوسيان:

“وعلى سبيل المثال، فإن الأرمن في أميركا وفرنسا، بسعيهم إلى النيل للاعتراف بالإبادة الأرمنية، يعملون، في الواقع، على تقوية السياسة الأميركية أو الفرنسية. وفي الوقت ذاته، يلحق  المهجر التركي، بصراعه من أجل الإنكار للإبادة الأرمنية في بلغاريا أو ألمانيا، الأذى بتلك الدول. وإذا تحدثنا عن الدولة التي أعرفها بشكل أفضل، وهي الولايات المتحدة الأميركية، فإن الأرمن فيها يعملون لصالح الاعتراف بالإبادة الأرمنية، ولكن لا ينظر إلى هذا العمل على أنه خيانة للقيم. وفي الوقت ذاته، يحاول الأتراك في بلغاريا قيادة السلطات لتلك الدولة إلى الكذب”[5].

وفي فرنسا كانت 400 جمعية تركية تعمل في عام 2005، بضمنها 250 مؤسسة دينية، ووصل عدد هذه الجمعيات اليوم إلى 450. وفي الخامس من آذار- مارس 2006، ذكرت وكالة الأناضول التركية للأنباء أن الجمعيات التركية في فرنسا قررت الاتحاد مجدداً لإلغاء القانون الفرنسي الذي شرع في عام 2001 والذي يعترف بالإبادة الأرمنية. وعملت هذه الجمعيات مرة أخرى ضد مشروع القانون الذي تبنته الجمعية الوطنية الفرنسية في 22 كانون الأول-ديسمبر2011، ومجلس الشيوخ الفرنسي في 23 كانون الثاني-يناير 2012[6].

 

 

[1]  الصحفي التركي البارز بيراند يقوّم نشاط المهجر الأرمني.

http://ara-ashjian.bkogspot.com/2006/10/blog-post_31.html#links

[2] رئيس أرمينيا سيرج سركسيان يعلن في حديث أدلى به لإذاعة “إيخو موسكفي” أن المهجر الأرمني هو ألم أرمينيا وثروتها، int.armradio.am/arab/، 27.01.2011.

[3] Ankara moves to create its own Diaspora, http://www.armradio.am/eng/, 17.04.2012 .

[4] صباح اللامي، قصة الكرمة السوداء، صحيفة الجمهورية (العراقية)، العدد 8208، 1 حزيران-يونيو 1992، بغداد.

[5] Aram Gareginyan, Once Turkey recognizes Armenian Genocide, countries that have not done so will look ridiculous (INTERVIEW), NEWS.am/eng/, April 23, 2012, Yerevan (English and Armenian texts)..

[6]  اللوبي التركي في فرنسا، int.armradio.am/arab/، 5.03.2012.

 

 

http://ara-ashjian.blogspot.com/2012/04/1.html   

 

Share This