رسالة سفير أرمينيا بالقاهرة رداً على مقال سفير أذربيجان

سفير أرمينيا بالقاهرة: إلى أي مدى ممكن أن يصل التضليل؟

للأسف لابد من الإشارة إلى أن سفارة أذربيجان مستمرة في نشر معلومات مغلوطة بشأن النزاع القائم على ناجورونو كاراباغ؛ من أجل التوصل إلى نشر دعاية مضادة لأرمنيا. في محاولة منها لتضليل المجتمع المصري، عن طريق اللعب على أحاسيسه المرهفة.

وفي الآونة الأخيرة نشرت إحدى الصحف المصرية مقالا لسفير أذربيجان، يدّعي فيه أن الكاتب الأرمني الكبير زوري بالايان، تناول في أحد كتبه بعنوان “تقديس الروح” الأعمال الوحشية التي ارتكبها الأرمن. ومن المستحيل في الحقيقة ألا يستاء أي شخص إذا قرأ عن ارتكاب مثل هذة الفظائع  اللاإنسانية. لكن تكمن المشكلة كلها في أن زوري بالايان لم يكتب في حياته مثل هذا الكتاب أبدًا ولا ينسب إليه أية كلمة من تلك السطور. وهذة ليست المرة الأولى التى يقوم بها الجانب الأذري بتلفيق مثل هذة الأكاذيب.

وفى سنة 2009 جاءت نفس هذه الافتراءات على لسان المبعوث الأذرى لدى ستراسبورج فى مجلس الجمعية البرلمانية الأوربية أمام ممثليه. أيمكنكم أن تتصوروا الحالة النفسية للشخص عند سماعة لمثل هذة الأكاذيب؟ ودفاعا عن نفسه وكرامته المجروحة قام زوري بالايان بإرسال خطاب مفتوح إلى الأمم المتحدة و مجلس الجمعية البرلمانية الأوربية وغيرها من المنظمات الدولية والمجتمع الدولي يدين فيها بشكل قوي الاتهامات الموجهة ضده. وقد نشر هذا الخطاب في مختلف دول العالم وقد طلب بالايان من الطرف الأذربيجاني شيئًا واحدًا فقط وهو وضع هذا الكتاب على طاولة رئاسة مجلس الجمعية البرلمانية الأوربية، وتقديمه للمجتمع الدولي. وبالطبع لم يضعوا أي كتاب على الطاولة، لأنه في الحقيقة لا يوجد كتاب مثل هذا. وتلك السطور التي تتناول الأفعال الوحشية التى يحاولون تقديمها على أنها حقيقة أننا مقتنعون أنه تم تأليفها فى باكو وهذا هو المدى الذي يمكن أن يصل إليه التضليل.

وبعد كل ذلك لا نشك بأن الجانب الأذربيجاني قادر على تقديم صور شمسية ملفقة للتأكيد فقط على أن الأرمن قاموا بتدنيس المقدسات الدينية. كما أنه ليس من الصعب على الكذاب في ظل ما يتوافر من وسائل تكنولوجية حديثة تزوير الصورة الشمسية فإذا كانوا قد ادعوا بأن الكتاب تابع له؛ ألن يقدروا على تزوير الصور؟

وأخيراً فإن لديهم خبرة كبيرة فى مجال استخدام الصور الشمسية الملتقطة فى مناسبات مختلفة، ويدعون أنها التقطت فى مناسبة أخرى غير الحقيقية مثلا لقد استغلوا الصور الخاصة بزلزال تركيا سنة 1983 وأحداث كوسوفو أو الصور الخاصة بعمليات قتل أعضاء حركة حماس ليعرضوها على أنها صور التقطت أثناء أحداث خوجالي (http://khojalu.net/ ).

ولكن الواقع هو أن سلطات وشعب ناغورنو كاراباخ بذلت جهودًا خاصة  لصيانة وإصلاح الآثار والمقدسات الإسلامية الموجودة في ناغورنو كاراباخ والمناطق المحيطة بها. وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية والمالية القاسية التي يسببها الحصار من قبل أذربيجان منذ أكثر من العقدين، لم تمانع حكومة ناغورنو كاراباخ  في توفير الموارد اللازمة من ميزانيتها لحماية تلك الآثار. وهكذا، وفي الأعوام الأخيرة فقط تم  تجديد خمسة مساجد هناك. وحتى إن كان هناك بعض المعالم الأثرية التي ليس في حالة جيدة، فأسبابها ترجع إلى العهد السوفيتي، حيث كانت باكو هي المسؤولة عن رعايتها. و اليوم، يتم توفير معظم خدمات الرعاية لها، ويتم كل شيء للحفاظ عليها كما هي حتى تتوافر الإمكانيات لإصلاحها. و ندعو جميع هؤلاء  الذين يرغبون في التأكد بأنفسهم من ذلك أن يزوروا ناغورنو كاراباخ وأرمينيا. ومن الجدير بالذكر أن عددًا من الشخصيات السياسية والثقافية الأذريين شهدوا بأنفسهم بأن الآثار الإسلامية في  شوشي بحالة جيدة، و ذلك عقب زياراتهم العديدة إلى ناغورنو كاراباخ.

من ناحية أخرى, من المعروف أن الأذريين هم الذين قد اكتسبوا سمعة سيئة بتدمير الآثار الأرمينية. كمثال حي، هو تدمير أكثر من 5000 صليب من شواهد القبور الأرمنية من القرون 9-15  في جولفا (ناخيتشيفان)  في غضون بضعة أيام فقط باستخدام الجرافات والحفارات. في ذلك الوقت، تجاهلت السلطات الأذربيجانية نداءات مجلس الاتحاد الأوروبي واليونسكو، و ECOMOS لوقف تلك العمليات التخريبية. وأكد واقع ذلك الاعمال البربرية  ECOMOS نفسها وليس أحد المصورين المجهولين.

أما بالنسبة لما يسمى “مأساة خوجالي” التي تحدث عنها في البيان المذكور, وقد أثارت أذربيجان تلك الهستيريا ضد الأرمن بغرض إنكار حق تقرير المصير لشعب ناجورنو كاراباخ ولتفادي المسئولية عن السياسة العمدية للقتل والتطهير العرقي للشعب الأرمني.

والجدير بالذكر بأن قبل 24 عاما قامت السلطات الأذربيجانية بتدبير مذبحة للسكان الأرمن في مدينة “سومغايت” الأذربيجانية. وكانت تلك المذبحة رداً على الطلب العادل لسكان ناجورنو كاراباخ حول تقرير مصيره على أساس قوانين الاتحاد السوفيتي ومعايير الحق الدولي.

وفي عام 1992 كانت عاصمة ناغورنو كاراباخ ستيباناكيرت، معرضة لقصف يومي من مواقع الضرب الأذربيجانية. وكانت قرية خوجالي إحدى تلك المواقع، والتي تقع بالقرب من المطار الوحيد في تلك المنطقة، والذي يربط كاراباخ بالعالم الخارجي. كان الاستيلاء على خوجالي هو الطريقة الوحيدة لكسر الحصار والهرب من نيران المدفعية، ومن البرد والجوع اللذين فرضتهما سلطات باكو وهدفها الوحيد هو القضاء على شعب ناجورنو كاراباخ. وقد تم إعلام السلطات الأذرية وكذلك سكان القرية مقدما بالهجوم الوشيك. كما تم إعلامهم أيضا بالممر الإنساني الذي أقيم لتأمين خروج السكان بدون معوقات في اتجاه مدينة أغدام، والتي كانت تحت سلطة القوات المسلحة الأذرية. وبسبب رد الفعل السلطات الأذربيجانية، لم يستطع بعض المقيمين استخدام المخرج قبل العملية، ولكن هؤلاء الذين غادروا بعد بداية عملية خوجالي استطاعوا الوصول من خلال المخرج الإنساني إلى المنطقة التي تسيطر عليها أذربيجان. وهناك، بعيدا عن خوجالي، وعلى أطراف أغدام تعرض المدنيون لإطلاق النار والقتل. وهكذا أصبح سكان خوجالي ضحايا مؤامرات باكو وهم يُستخدمون حاليا لأغراض الدعاية.

وحقيقة أحداث خوجالي موضحة بشكل كامل فى مقال نائب وزير خارجية أرمنيا شافارش كوتشاريان التى سخر منها سفير أذربيجان. وإذا كانت استفزازات باكو التى راح ضحيتها مواطنيها تعتبر بالنسبة لسفير أذربيجان أمر يستحق السخرية فهذه مشكلته هو وفى رأينا أن تلك المسائل الجدية تحتاج إلى تحكيم المجتمع الدولى.

من المثير للاهتمام أن الأذريين الذين قالوا الحقيقة بشأن خوجالي تعرضوا جميعا للعقاب وهكذا تم أغتيال المصور شينكيز مصطفايف الذى قام بتصوير الضحايا الذين وقعوا بالقرب من مدينة أغدام ، ثم الصحفى أينولا فاطولايف الذى قال مستنداً على شهادات مواطنو خوجالي بأن الأرمن قد فتحوا طريق آمن للحالات الأنسانية ولم يطلقوا النار على أى منهم. وبسبب قوله ذالك ألقى به فى السجن. ورئيس أذربيجان السابق أياز موتاليبوف الذى كان لديه شكوك فى الروايات الأذربيجانية فهو لا يزال حتى اليوم فى المنفى.

ومن المثير للدهشة محاولة الأذريون فى فبراير 1992 ألقاء اللوم فيما يتعلق بمذابح الأرمن فى سومغايت على عاتق المدعو كريكوريان. كيف يمكن أن نتصور أن مثل هذة المذابح الرهيبة التى اشترك فيها مئات من القتلة والسفاحين الذين ظلوا لمدة ثلاث ايام يتجولون فى مختلف أنحاء المدينة يقتلون وينهبون منازل الأرمن يكون رئيسهم أرمنى الهوية وأنه لم يكن فى مقدور الشرطة المحلية القبض عليه. والحقيقة أن مذابح سومغايت كانت الأولى من نوعها كتطهير عرقى قامت بتدبيرها السلطات أذربيجانية. إن وضع أسم أحد الأرمن كمتهم على قائمة المشتبة فيهم بقتل المواطنين فى سومغايت تعتبر فرصة رائعة لسلطات باكو من أجل ألقاء اللوم كله على الضحايا. ولا يمكن ألا أن أشير إلى أن سفير أذربيجان يعتبر أن حق تقرير المصير للشعوب أمر غير مقبول بالنسبة لتسوية قضية ناغورنو كاراباغ وكأنه يقول أن “تطبيق مبدأ تقرير المصير يتناقض مع القانون الدولي”. وإننا نرى بأنه إذا كان من غير مقبول بالنسبة أذربيجان تطبيق هذا المبدأ فلماذا لا يبلغون رؤساء مجموعة مينسك من أعضاء مجلس الأمن، روسيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية الذين ورد فى مختلف تصريحاتهم أن مبادئ حق تقرير المصير وعدم استخدام القوة ووحدة الأراضى هي أساس للمفاوضات الخاصة بتسوية قضية ناجورونو كاراباغ. ألم يحن بعد الوقت من أجل أن تتخلى باكو عن ممارستها التى تعتمد على التصريح بشئ لشعبها والتصريح بعكسه فى المفاوضات وقول أشياء أخرى للمجتمع الدولى. إن محاولات أذربيجان الإعتماد على القرارات التى اتخذها مجلس الأمن حول ناغورونو كاراباغ في عام 1993عندما كانت أذربيجان تعتدي على الشعب الأرمني لناغورنو كاراباخ, هى محاولات لا أساس لها من الصحة. وقد فشل تنفيذ تلك القرارات آن ذاك بسبب أذربيجان التى رفضت تنفيذ المطلب الرئيسي وهو وقف الحرب ويتحدث بشأن ذلك المندوب الروسى السابق فى مجموعة مينسك فلادمير كازيميروف قائلاً:” أن حجر الزاوية لهذا القرار (822) كان وقف أطلاق النار وليس خروج القوات المسلحة لأنه يستحيل الكلام عن خروج القوات ولازال هناك عمليات عسكرية مستمرة. ولقد سألنا أطراف النزاع إذا كانوا مستعدين لتنفيذ بنود القرار (822) وقد أعلنت يريفان واستباناجيرت (عاصمة ناجورنو كاراباخ) مباشرة موافقتها على تنفيذ القرار أما باكو ظلت تماطل فى موقفها لأنه لم يكن مقبول لديهم مبدأ وقف العمليات العسكرية والعدائية ورفع الحصار. كان هذا المبدأ أساس لكل من القرارات الأربعة لمجلس الأمن. بل أن القرارين الأخيرين (874 و884) لم ترد فيها بصفة عامة كلام عن خروج القوات المسلحة”. http://www.panorama.am/ru/politics/2012/04/18/kazimirov

إن أرمينيا ملتزمة بحل صراع ناجورنو كاراباخ بالوسائل السلمية السياسية فقط عبر المفاوضات تحت رعاية مجموعة مينسك المبنية على أساس مبادئ القانون الدولي مثل عدم استخدام القوة أو التهديد بها، و مساواة حق الشعوب، و حق تقرير المصير ووحدة الأراضي. وأن التسوية السلمية ليس لديها أيّ بديل. وللأسف، أذربيجان لا تزال ترفض بكل شدة قبول حق شعب ناغورنو كارباغ في تقرير مصيره وتستمر بممارسة الاستفزازات من تهديدات بحرب جديدة، و انتهاك لوقف إطلاق النار بدلاً من خلق جو من الثقة المتبادلة فإنها تزرع بذور البغض و الكراهية عند شعبها تجاه الأرمن و أرمينيا. و دليل على ذلك أعلن رئيس أذربيجان إلهام علييف مؤخرًا أن الأرمن في العالم كله العدو رقم واحد للشعب الأذري. وتقوم أذربيجان بتوجيه إيرادات هائلة من بيع موارد الطاقة الى تسليح جيشها، وهكذا فإنها تعرض الأمن و الإستقرار في منطقتنا لخطر  جديد. و على سبيل المثال توصلت أخيرًا الى صفقة  لشراء أسلحة حديثة من حليفها الاستراتيجي إسرائيل بمبلغ  1,6 مليار دولار أمريكي. وتأمل بذلك في أن تحصل على إمتياز عسكري و إقتصادي ضد أرمينيا و ناجورنو كاراباخ عن طريق توظيف الأموال الذي حصلت عليها بأسهل الطرق وذلك بغرض حل الصراع عن طريق استخدام القوة الغاشمة. و لكن يجب أن تدرك أذربيجان أنه من المستحيل أن تتحاور مع جيرانها بلغة القوة. وعلى الرغم من الصعوبات المختلفة، التي من أحد أسبابها الحصار من قبل أذربيجان منذ أكثر من عقدين، تمكنت أرمينيا وناجورنو كاراباخ من تحقيق التنمية الإقتصادية العالية والمستقرة  وإنشاء مؤسسات الديموقراطية والمجتمع المدني وكذلك تحسين القدرة الدفاعية لدرجة تمكنها من إيقاف مؤامرات أي عدو محتمل.

أرمين ميلكونيان

سفير جمهورية أرمينيا بالقاهرة

الشروق

Share This