كنوز حلب وكنائسها الأثرية ما زالت مخبأة في رحم التاريخ (كنيسة الأربعين شهيداً للأرمن الأرثوذكس)

تعتبر حلب الشهباء تلك المدينة التي تخبئء في زواياها وأزقتها نفحات من عبق التاريخ وعظمته بما فيها من مناطق أثرية حاضرة أزلية تزداد جمالا وسحرا كلما أوغلت بالقدم فيما لا يزال الكثير من كنوزها الأثرية والدينية خاصة كالكنائس تحتاج ان ينفض عنه التراب المتراكم منذ آلاف السنين ليبصر النور رغم توالي الاكتشافات في القرن العشرين.

وتختلف الحضارات والثقافات التي توالت على حلب نظرا لموقعها الجغرافي الذي يعتبر صلة وصل بين كافة المناطق الهامة وبين البحر المتوسط ونهر الفرات إضافة إلى ما تتمتع به من حضور ثقافي وتاريخي فجمعت بها كافة المجتمعات بأطيافها ودياناتها وبنى الأرمن الذين استوطنوا في حلب الكثير من الكنائس القديمة كما يقول الباحث الدكتور وليد الخطيب مضيفا ان مدينة حلب ازدهرت على ضفاف نهر قويق منذ الألف الثالث قبل الميلاد وذلك على تلال متفرقة كالعقبة قلعة الشريف وقلعة حلب وهي تعتبر من عوامل الازدهار في الألف الثاني قبل الميلاد. ويضيف الخطيب انه في الألف الأول قبل الميلاد كان الصراع الفارسي اليوناني يسود المنطقة وجاءت جيوش اسكندر المقدوني الذي خلفه في أسيا قائده نيكا تور- فنشر الثقافة- الهلينستية- فبنى المدن الحديثة ومعمرتة اليونانية بجانب حلب وبنى الكنائس حينها. ويضيف الخطيب انه لا يزال الكشف عن المعابد والكنائس وخاصة في فترة الإمبراطورية الحيثية قيد الانتظار إلى يومنا هذا.

ومن كنائس حلب العريقة والمعروفة على نطاق واسع في المنطقة والعالم كنيسة مار الياس وهي تعتبر من المعالم الحضارية الهامة للمدينة كونها أقدم كنيسة على وجه الأرض وتحتوي معالم أثرية وحضارية ورموزا دينية مقدسة وموثقة بالدلالات. ويوضح الخطيب انه من تلك الدلالات التي تظهرها بحالتين جماليتين الأولى من حيث الشكل البديع داخل الكنيسة وخارجها والثانية أن الكنيسة لديها قصص أزلية مليئة بقضايا الإنسان وهمومه وطرائق انتماءاته وحياته منذ أن بدأ يفهم أن له وجودا مرتبطا بعقيدة عليا أكسبته إياها الديانة السماوية. وتقسم الكنيسة إلى ثلاثة أقسام الصحن ويسمى صحن الكنيسة والخوريس الذي تقام فيه الصلوات وقراءة الكتاب المقدس والأدعية وهناك المذبح الذي يقام فيه القسم الثاني من الصلاة. وللكنيسة طابقان علوي وأرضي فالعلوي لإقامة صلاة النساء لأن النساء قديما كن ينفصلن عن الرجال في الصلاة أما الطابق الأرضي للرجال.

اما في في قرية ففارتين وهي كلمة سريانية تعني قرية ثمر التين يقول الخطيب يوجد أقدم كنيسة مؤرخة في سورية هي كنيسة حنيت وهي تعود للعام 372 م.

وفي السياق ذاته يوجد داخل حلب كنيستان قديمتان تقعان في الصليبة الجديدة الأولى صغيرة وهي على اسم مريم العذراء والأخرى كبيرة وهي على اسم الأربعين شهيدا وكلتا الكنيستان أصلهما يعود إلى القرن الخامس عشر ميلادي.

واوضح الخطيب أنه في حلب أيضا كنيسة الأربعين شهيدا للأرمن الأرثوذكس وتقع في بوابة الياسمين وتم تجديدها عام 1869م. وتدل المخطوطات القديمة الموجودة في مكتبة المطرانية في حلب أنه يوجد فيها نسخة من الإنجيل المقدس وكتاب “الجاشوتس” واقتنى هذا الكتاب الراهبان كريكور وسيمون وبعدهما المقدسي سركيس وابنه. ويضيف الخطيب ان تلك المخطوطات توضح أن اللغة العربية انتشرت بين الأرمن في حلب وتوطدت فيما بينهم.

وتمتاز الكنائس الحلبية باحتوائها على العديد من الأيقونات والصور التاريخية وأهمها صورة السيدة مريم العذراء من عصر النهضة وأيقونة كبيرة تمثل الدينونة الأخيرة بمشاهدها المختلفة و أيقونة القديس جاورجيوس وأيقونة عماد السيد المسيح وأيقونة العذراء مع الطفل يسوع وإلى جانبها القديس يوسف ويوحنا المعمدان ولوحات أخرى للأربعين شهيدا ومار الياس.

بدورها قالت الباحثة غزوة عيسى ان مدينة حلب شكلت على مر العصور بالنسبة للأرمن مركزا مهما على طريق القدس الشريف يتجمع فيها الحجاج الراغبون في زيارة الأماكن المقدسة في فلسطين فيجدون فيها الأمان وكانوا يأتون من أرمينيا إلى حلب حيث بني في حلب دار أو خان لاستضافة الحجاج الأرمن. وختمت أن هذه الكنائس بدأت تشكل إضافة إلى المعابد الدينية الأخرى إرثا ثقافيا وحضاريا كان له دوره الريادي في المساهمة بذلك التطور والازدهار الذي جعل من حلب حاضرة وملتقى للسائحين والزائرين نظرا لأهمية هذا الإرث المتوارث من جهة وكونه يشكل من جهة أخرى جزءا من البنية الاجتماعية للمدينة بكافة أطيافها.

 

البعث ميديا

Share This