الحقيقة والتضليل والجهل بالصراع حول آرتساخ-غاراباغ الجبلية (ناغورني كاراباخ)

آرا سركيس آشجيان

 

 

باتت تفاصيل الصراع حول غاراباغ الجبلية معروفة للرأي العام الدولي، وسيتم الاعتراف بحق تقرير المصير لسكانها، وهو مبدأ معترف به دولياً، وتحقق في تيمور الشرقية وكوسوفو وجنوبي السودان، وسيتحقق في فلسطين أيضاً  إن شاء الله.

وينبغي على من كان جاهلاً بالتاريخ أن يستعين بالمصادر والموسوعات للتغلب على جهله، فـ(لا مصيبة أعظم من الجهل). وأرمينيا موجودة منذ الألف الثالث قبل الميلاد، أما (أذربيجان)، فوضع اسمها كدولة على الخريطة لأول مرة في عام 1918، وأهلها كانوا يسمون، حتى عام 1936، التتر أو أتراك القوقاز. و(أذربيجان) هي التسمية العربية لمنطقة (اتروباتين) أو إقليم (ميديا) الواقع شمالي بلاد فارس، وهو إقليم فارسي تاريخياً.

كما أنه من المعروف أن ستالين منح إقليمي غاراباغ وناخيتشيفان الأرمنيين لأذربيجان عام 1921. وقد قلت نسبة الأرمن في الإقليم من 94.4 بالمائة في عام 1921 إلى 76.9 بالمائة عام 1989، نتيجة لسياسة القمع والاضطهاد القومي التي انتهجتها أذربيجان ضد الأرمن، وحرمانهم من أبسط حقوقهم الثقافية والاجتماعية ومن الروابط الثقافية مع أرمينيا، وقيامها بتدمير المنشآت والأنصاب المعمارية التاريخية الأرمنية أو عدم صيانتها بذرائع مختلفة، وهي شواهد دامغة على كون الإقليم أرمنياً، فضلاً عن إبقاء الإقليم في حالة تخلف اقتصادي دائم لإجبار الأرمن على ترك أراضي الآباء والأجداد.

وقد أطلقت أذربيجان حملة هستيرية مناهضة للأرمن خلال السنوات التي أعقبت الأحداث في خوجالو (خوجالي)، أو الأصح الأحداث في محيط منطقة اغدام إبان الحرب المفروضة من قبل أذربيجان على جمهورية آرتساخ- كاراباخ الجبلية والتي انتهت بتحرير كاراباخ الجبلية وطرد المحتل الأذربيجاني منها. وتهدف هذه الحملة الشرسة إلى حرف انتباه المجتمع الدولي وإخفاء معالم المذابح الأرمنية في سومغاييت وباكو وكيروفاباد ومدن أذربيجانية أخرى، فضلاً عن إخلاء 28 قرية أرمنية من سكانها ومأساة قرية ماراغا في جمهورية آرتساخ-ناغورني كاراباخ، وهي أفعال تستحق الملاحقة القانونية.

كما تهدف الحملة الأذربيجانية هذه، والحرب الإعلامية والدعائية التي تشنها، بالتنسيق مع تركيا وتنفق في سبيلها الملايين من الدولارات من عائدات النفط الأذربيجاني، للتضليل والتزييف للحقائق في شأن هذه الأحداث التي قضى فيها أناس مسالمون نتيجة للدسائس والصراع على السلطة في أذربيجان، تهدف إلى الرد على الحملة الدولية للاعتراف بالإبادة الأرمنية، والإضرار بسمعة أرمينيا والأرمن في المجتمع الدولي.

إلى جانب ذلك، تهدف هذه الحملة إلى التغطية على الأموال الطائلة المنهوبة من عائدات النفط الأذربيجاني، والتي تستخدم لزيادة الثروة للعائلة الحاكمة، والتغطية على الإخفاقات في المجالات السياسية والاقتصادية، والسجل السيئ لحقوق الإنسان في أذربيجان، وهي أمور أشارت إليها الصحافة العالمية، في محاولة لحرف الأنظار للشعوب الأذربيجانية عنها.

وكان المنظم الحقيقي لأحداث خوجالو (خوجالي) المأساوية، التي تسببت بمقتل المدنيين يومي 26 و27 شباط-فبراير 1992، هو الجبهة القومية الأذربيجانية التي كان يرأسها أبو الفاز التشيبي الذي أصبح رئيساً لأذربيجان في أعقاب تلك الأحداث. ومن الواضح، أن التشيبي استغل هذه الأحداث لكي يتوصل إلى إقالة الرئيس مطاليبوف.

وبذلك، تقع مسؤولية الخسارة المأساوية لحياة المدنيين في ضواحي منطقة اغدام الخاضعة كلّياً آنذاك لسيطرة القوات الأذربيجانية، على عاتق القيادة السياسية والعسكرية لأذربيجان، وكما اعترف بذلك الرئيس الأذربيجاني آنذاك مطالبوف.

ولا تجيب أجهزة الدعاية الأذربيجانية عن أسئلة بسيطة عن هذه الأحداث: لماذا تم اكتشاف جثث الضحايا في محيط منطقة اغدام التي كانت تحت سيطرة القوات الأذربيجانية وفيها قاعدة عسكرية أذربيجانية؟ وكيف أتيح للمصورين الأذربيجانيين والأتراك وغيرهم تصوير الجثث للضحايا بحرية، إذا لم تكن هذه المنطقة تحت سيطرة القوات الأذربيجانية؟ ولماذا كانت آثار الاطلاقات النارية على جثث الضحايا من الأمام، وهم يتقهقرون إلى اغدام عبر الممر الإنساني الذي فتحته قوات الدفاع الذاتي لكاراباخ الجبلية قبل الهجوم للخروج الآمن للمدنيين من المدينة، وقد اعترف الرئيس الأذربيجاني في حينه والمسؤولون الأذربيجانيون بوجود هذا الممر؟ ولماذا لم يتم سحب جميع المدنيين عبرها من المدينة، على الرغم من التحذيرات المستمرة للقوات الأرمنية لهم عبر الراديو ومكبرات الصوت بقرب وقوع عملية عسكرية وشيكة لتحرير المدينة؟ وكانت تقصف من خوجالو (خوجالي) باستمرار مدينة ستيباناكيرت عاصمة جمهورية كاراباخ الجبلية والتجمعات الأرمنية الأخرى، مسببة وقوع الخسائر الجسيمة في صفوف المدنيين، فضلا عن وجود المطار الوحيد لكاراباخ الجبلية في خوجالي، وهو يشكل الرابط الوحيد لأرمن غاراباغ المحاصرين بالعالم الخارجي.

كما يبرز السؤال الآني: لماذا أصدر الرئيس الأذربيجاني السابق حيدر علييف أوامره في 31 آذار-مارس 1994 بإغلاق الملف للتحقيق في موت السكان المدنيين في خوجالي؟ ألم يكن السبب في ذلك هو اقتراب المحققين في هذه الأحداث من معرفة الحقيقة وكشف المسؤولين عنها ؟!

وفي السنوات اللاحقة، تعرض الناشطون الاجتماعيون والصحفيون الذين حاولوا الكشف عن حقيقة هذه الأحداث إما إلى السجن بتهمة التعاون مع الأجهزة السرية الأرمنية، أو قتلوا في ظروف غامضة. ولهذا السبب لا يتجرأ أحد في أذربيجان في مطالبة السلطات بالكشف عن حقيقة هذه الأحداث.

ونشطت هذه الحملة مؤخراً في أعقاب تبني الجمعية الوطنية الفرنسية في 22 كانون الأول 2011، ومجلس الشيوخ الفرنسي في 23 كانون الثاني-يناير 2012 لمشروع القانون حول التجريم لإنكار الإبادة الأرمنية، على الرغم من أن الإبادة الأرمنية في الدولة العثمانية في عام 1915 لا علاقة لها بأذربيجان التي لم تكن آنذاك موجودة على الخريطة. وينطلق ذلك من سياسة أذربيجان العدائية الدائمة ضد أرمينيا والأرمن في جميع المجالات، بسبب خسارتها للحرب على جمهورية آرتساخ-ناغورني كاراباخ الجبلية وعوامل سياسية داخلية، ورغبتها في مساندة “الأخ الأكبر” تركيا، وخشية منها في فتح ملف إبادة الأرمن في أذربيجان على الصعيد الدولي، وذلك بعد عام 1918 وحتى تسعينيات القرن الماضي، عندما انتفض الأرمن في آرتساخ-ناغورني كاراباخ الجبلية في حرب الاستقلال، ورغبة منها في الحصول على الدعم التركي في المقابل إذا تحقق ذلك. وبذلك، يمكن تفسير ردود الفعل العنيفة لأذربيجان، التي ربما تجاوزت ردود الفعل التركية في بعض الأحيان، ضد مشاريع القرارات التي تناولت الإبادة الأرمنية في فرنسا وغيرها من الدول.

وتتجلى الأسباب الحقيقية الكامنة وراء أحداث خوجالو (خوجالي) بوضوح في شهادات الأذربيجانيين أنفسهم من المشاركين في هذه الأحداث وأولئك المطلعين على خفايا الأحداث في باكو، وأولهم الرئيس الأذربيجاني آنذاك مطاليبوف.

وتواصل أذربيجان إثارة مشاعر التعصّب ومعاداة الأرمن داخل المجتمع الأذربيجاني، وهي سياسة تعرقل المساعي المبذولة من أجل بناء جسور للتواصل بين الشعب الأرمني والشعوب الأذربيجانية، وتقضي على فرص السلام الدائم بين أذربيجان وكاراباخ الجبلية.

ان تعذيب السكان المسالمين والأسرى وقتلهم أو ذبحهم والتمثيل بجثثهم أو حرقها بعد القتل للضحية، كما حدث لجثث السكان من خوجالي في اغدام، تمثل الأساليب التي استخدمها المحتلون التتر أو أتراك القوقاز (الأذربيجانيون)  في قتل الأرمن وأبناء الشعوب الأخرى خلال تاريخهم القصير في المنطقة (شاهد الفلم الوثائقي “سومغاييت فبراير 1988 إبادة جماعية عادية”) لاغتصاب أرضهم.

(http://www.youtube.com/watch?v=4oEHoIsMZ7I) وكل هذا موثق، ولا يغطيه التضليل الإعلامي للطغمة الديكتاتورية الحاكمة في أذربيجان ومؤسسة حيدر علييف التي تنفق من أموال النفط لتضليل الرأي العام العالمي.

أما الزعم بقيام الكاتب الأرمني زوري بالايان بتأليف كتاب بعنوان: (إحياء أرواحنا) يتحدث فيه عن المجزرة، فهو من بنات الأفكار لأجهزة الدعاية الأذربيجانية المهتمة بقلب الحقائق، إذ أعلن الكاتب مراراً أنه لم يؤلف كتاباً كهذا.

ومن نيسان-أبريل إلى آب-أغسطس 1991، بدأت قوات الجيش السوفييتي (الفرقة 23 من الجيش الرابع، وفيها نسبة الأذربيجانيين المجندين من 65-70 بالمائة) ، ووزارة الداخلية السوفييتية ورجال المهمات الخاصة (الاومون) الأذربيجانيين، بدأت شن هجمات واسعة النطاق باستخدام الطائرات والمروحيات والمدفعية والدبابات والأسلحة الأخرى ضد السكان الأرمن الآمنين في الإقليم، فضلاً عن القرى الأرمنية خارج حدود الإقليم وتلك الواقعة داخل أرمينيا في المناطق الحدودية المحاذية لأذربيجان، بدعوى نزع السلاح للتنظيمات المسلحة (في المناطق الأرمنية دون الأذربيجانية !!). وقد أسفرت هذه العمليات عن مقتل العشرات من السكان، إلى جانب المئات من الجرحى والمختطفين والآلاف من المهجرين قسراً من أرض أجدادهم، إذ خلت 27 قرية أرمنية من سكانها تماماً، وتم إسكانها بأذربيجانيين.

وقد خطط لهذه العمليات وأدارها السكرتير الأول للحزب الشيوعي الأذربيجاني آياز (عياض) مطاليبوف، والسكرتير الثاني فكتور بوليانتشكو، وهو مدير سابق لأحد أقسام اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي والمستشار السابق لموسكو في أفغانستان، حيث عرف بجزار الشعب الأفغاني، وقد اعترف بأن الإقليم كان مركز اختبار للأسلحة استخدم فيه كل خبرته السابقة في أفغانستان.

ولكن بعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق بقي الجنود الأذربيجانيون لوحدهم في مواجهة المقاتلين الأرمن الأشداء وذاقوا على أيديهم مرارة الهزيمة العسكرية المنكرة، بسبب ايمان الأرمن بعدالة قضيتهم وتفانيهم في الدفاع عن مدنهم وقراهم، في حين لاذ الأذربيجانيون بالفرار من ساحة المعركة، على الرغم من تفوقهم الكبير على الأرمن في العدد والعدة والسلاح، فضلاً عن قتال المرتزقين من الروس والأوكرانيين والأفغان والشيشان والفرقة 23 من الجيش السوفييتي الرابع إلى جانب الأذربيجانيين.

وتواصل أذربيجان إطلاق التهديدات بمواصلة العمليات العسكرية ضد الإقليم لترحيل السكان الأرمن عنه بمؤازرة الحليف الاستراتيجي تركيا. وترتبط أذربيجان بعلاقات اقتصادية وسياسية واستخباراتية وتسليحية وثيقة بإسرائيل منذ 20 سنة، وتلجأ إلى إطلاق التهديدات المستمرة بحل مسألة غاراباغ بالقوة، وتوظف هذه المسألة لتحويل الأنظار عن المشكلات الداخلية، لا سيما ما يتعلق منها بالديمقراطية والحريات الأساسية للشعوب القاطنة في أذربيجان.

وفي السنوات الأخيرة زادت أذربيجان ميزانيتها العسكرية بأضعاف المرات ظناً منها أنه سيحقق لها النصر في المواجهة العسكرية. وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية السابق لأرمينيا فارتان اوسكانيان ما نصه:

“… إن الزيادة للميزانية العسكرية لأذربيجان من دولارات النفط، في الحقيقة، لا تفيد أذربيجان كثيراً. فأذربيجان لا تستطيع استمالتنا أو إخافتنا بنفطها. وتملك أرمينيا دائماً، من الناحية العسكرية، القدرة لمعادلة أية ميزانية لأذربيجان. وفي الحقيقة، لا يكمن تفوق الأرمن على أذربيجان في الإنفاق العسكري أو التسليح، بل في عدالة القضية، إذ أن الأرمن يؤمنون بعدالة قضية آرتساخ-غاراباغ، وفي حالة اندلاع الحرب، فإنهم سيقاتلون من أجل الدفاع عن أراضيهم ومساكنهم، وهو الشيء الذي لم ولن يفعله الأذربيجانيون”.

 

www.shorouknews.com

Share This