وزير سوري أرمني

بقلم : ليـون زكــي

شارك السوريون من أصل أرمني في الحياة السياسية السورية من خلال ممثليهم في المجالس النيابية منذ 1928 سنة تشكيل المجلس التأسيسي إلى 2011 نهاية الدور التشريعي التاسع بلا انقطاع قبل أن يخسروا مقعدهم في مجلس الشعب في دوره التشريعي الأول للعام الجاري في ظل الدستور الجديد لسورية، الأمر الذي كرس واقعاً جديداً بتداعيات سلبية ودلالات متعددة أوهنت عزيمة بعض المؤمنين بالمساواة والعدالة الاجتماعية وثقتهم بأنفسهم في مجتمع يشكل الأرمن دعامة أساسية من طيفه الفسيفسائي الفريد من نوعه في المنطقة.

وعلى الرغم من مساهمة السوريين الأرمن وانخراطهم منذ استقرار أسلافهم في سورية بشكل فاعل في شتى المجالات السياسية والنيابية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية إلا أن الحقائب الوزارية التي حظوا بها منذ عهد الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي لا تعد على أصابع اليد الواحدة، ومرد ذلك إلى قصور في الرؤية واتباع منهجية منافية للتطور الحضاري تعتمد على النسبية المعمول بها في تمثيل مكونات المجتمع السوري بخلاف ما هو قائم في الديمقراطيات الدولية العريقة والتي تتكل على الكفاءات في اختيار الوزراء والقادة السياسيين.

فمنذ تولي هنري هندية السوري من أصل أرمني وزارة المالية عام 1936 لم يخلفه أي وزير آخر في كل التشكيلات الوزارية سوى ثابت عريس الذي شغل وزيراً للدولة سنة 1943. كما شغل السوريون من أصل أرمني، واللذين اندمجوا في المجتمع السوري بصفتهم سوريين أولاً، مناصب عسكرية مهمة مثل هرانتمالويان رئيس هيئة الأركان في الجيش العربي السوري واللواء آرام قره مانوكيان القائد العام للمدفعية السوري وعضو هيئة الأركان (1949- 1950) وهو الذي شارك في حرب فلسطين 1948 ورصد الجيش الإسرائيلي حينها مبلغ مليون ليرة لمن يقتله أو يأسره حياً.

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم بإلحاح: ما الذي يمنع من تولي شخصية سورية من أصل أرمني مهمة وزارية ولو حقيبة دولة كأضعف الإيمان لوجود كفاءات وخبرات في النواحي الاقتصاديةوفي ظل الحديث عن تشكيل حكومة موسعة تضم الأطياف المختلفة وتمثل شرائح المجتمع السوري كافة، وفي ذلك تقديراً لجهود أولئك في خدمة مجتمعهم وبذل الغالي والنفيس من أجل رفعته وسؤدده وولائهم لوطنهم ورفضهم أي تدخل في شؤونه الداخلية وإخلاصهم لنهج الإصلاح والحوار سبيلاً لحل الأزمة التي تعيشها البلاد.

وعطفاً عما رافق الانتخابات التشريعية الأخيرة من عورات وعن اللغط الذي أسفرت عنه نتائج دائرة مدينة حلب بإقصاء المرشح الأرمني الوحيد سونبولسونبوليان  خلافاً للتقليد المتبع في “الكوتا” المتعارف عليه، فإن عدم تمثيل السوريين من أصل أرمني بأي مقعد في مجلس الشعب يعد سابقة من نوعها في تاريخ البرلمانات السورية ويجافي التنوع الاثني وحقائق التركيبة الديموغرافية للبلاد، حيث يشكل الأرمن المسجلين بدوائر النفوس السورية 300 ألف نسمة يقيم منهم في الداخل وبشكل دائم اكثر من 100 ألف مواطن أكثر من نصفهم في مدينة حلب، وعلى اعتبار سورية دائرة انتخابية واحدة فإن كل عضو في مجلس الشعب يمثل 88 ألف سورياً من أصل 22 مليون نسمة عدد سكان البلاد، وبالتالي، يحق للسوريين الأرمن تمثيلهم بمقعد واحد وهم اللذين لا يدخرون جهداً في تقوية أواصر التعاون بين وطنهم سورية وجمهورية أرمينيا التي كان فيها أول رئيس جمهورية سورياً ووزير خارجيتها من حلب.

وبعيداً من الطرح الطائفي والمذهبي، نأمل أن يحظى السوريون من أصل أرمني بحقيبة وزارية تعوض لهم خسارتهم مقعدهم في مجلس الشعب وتحفزهم على دوام المشاركة في بناء الدولة والمجتمعوتحضهم على بذل المزيد من التضحيات للخروج بسورية أكثر منعة وصلابة في وجه التحديات التي تعترض مستقبلها ودورها في المنطقة والعالم.

ليون زكي

رئيـس مجلس الأعمـال السوري الأرميني

عضو مكتب اتحاد غرف التجارة السورية

Share This