نوتات “مُزعجة” ترافق مسابقة الأغنية الأوروبية في بـاكُـو

تعتبر مسابقة الأغنية الأوروبية بالنسبة لآذربيجان فرصة تـُظهر فيها للعالم روائعها وتقدمها الاقتصادي المُبهر. ولكن تنظيم حفل الـ “يوروفيجن” الضخم في هذه الجمهورية السوفياتية السابقة قد لفت الانتباه بالخصوص إلى تجاوزات نظام حكم استبدادي.

على شواطئ بحر قزوين، تستضيف آذربيجان منذ يوم الثلاثاء 22 مايو 2012 مسابقة “يوروفيجن”. سلطات هذه الجمهورية السوفياتية السابقة الواقعة جنوب القوقاز جعلت من هذه التظاهرة الفنية التي تــُبث وقائعها في مختلف أنحاء أوروبا، نافذة تعرض من خلالــها الإنجازات التي حققتها منذ استقلالها عن موسكو عام 1991.

وللترويج لمزايـا هذا البلد ذي الأغلبية المسلمة والغـني بالنفط والغاز، لـم يبخل الرئيس إلهام علييف وعشيـرته لا بالغالي ولا بالنفيس. فوفقا للصحيفة السويسرية الرصينة “نويه تسورخر تسايتونغ” (التي تصدر بالألمانية في زيورخ)، واستنادا إلى تقديرات مركز الأبحاث الاقتصادية في باكو، عاصمة آذربيجان، لا يقل الغلاف المالي المخصص لهذا الحدث عن 600 مليون فرنك سويسري.

فالأُسرة الحاكمـة التي وصفتها السفارة الأمريكية في باكو بـ “المافيا”، تُسيطر على مختلف مُجريات التظاهرة. عقيلة الرئيس، مهربان علييفا، تترأس لجنة التنظيم للحفل الإستثنائي الذي تتخلله عروض من الفولكلور التقليدي الآذري. في حين أن زوج البنت الكبرى للزوج الرئاسي، مُغني البوب أمين أغالاروف، سيشارك في الحفل كضيف خاص. ولا تتردد تيريز أوبريخت، رئيسة الفرع السويسري لمنظمة “مراسلون بلا حدود” في القول: “إن آذربيجان توجد بين أيدي عاهل فاسـد يمارس السلطة على أساس نموذج يتأرجح بين الشيوعية والإستبداد الشرقي”.

تقارير تكشف النقاب عن وجه آخر

في الأسابيع الأخيرة، اتسمت الانتقادات الموجة إلى البلد المنظم لمسابقة “يوروفيجن” بالشدة والضراوة، لاسيما في وسائل الإعلام البريطانية. وبثت القناة الرابعة و”بي بي سي” تقارير تـُظهر ممارسات التخويف إزاء المعارضين، والرشوة، وأعمال العنف المرتبطة بالاستعدادات لـلحدث الغنائي. وعلى موقعها الإلكتروني، لخصت “بي بي سي” الصورة التي كونتها عن هذه البلاد وقادتها قائلة: “يتشبث النظام بالسطلة من خلال الجمع بين التلاعب بالانتخابات، وسجن المعارضين، والسيطرة على الموارد النفطية الضخمة”.

وسائل الاعلام السويسرية لــم تتجاهل الحدث بدورها، بحيث بثت المحطة التلفزيونية العامة الناطقة بالفرنسية (RTS) تقريرا يُبيــّن عمليات مصادرة قسرية للممتلكات، بدون تعويض وبأساليب فاسدة، ومشاهد تدميـر أحياء بأكملها في باكو. وكانت عمليات “التنظيف” تلك تسعى إلى أن تظهر للـعالم نجاح الجمهورية النفطية الصغيرة. كما نشرت اليوميتان الرئيسيتان في زيورخ، بالتعاقب، تقريرا مُطولا يدين الوضع في عين المكان. وكتبت “نويه تسورخر تسايتونغ”: “إن أذربيجان تُــظهر نفسَها كبلد منفتح وعصري، ولكن الواجهة مُضلّلة، فالوضع حرج في مجال حقوق الإنسان”.

من جانبها، تحدثت “تاغس أنتسايغر”، اليومية الثانية التي تصدر بالألمانية أيضا في زيورخ، عن شهادة أحد مُغنيي الرّاب الذي تم حبسه وسوء معاملته بعد أن سبّ رئيس البلاد. وتشدد تيريز أوبريخت على أنه “لا وجود لحرية الصحافة في أذربيجان”، مشيرة إلى أن سبعة صحفيين يقبعون وراء القضبان حاليا. وفي بيان نشر على بوابة المعلومات azerbaijan.az التي أنشأتها مؤسسة الرئيس السابق حيدر علييف، يردّ مكتب رئاسة الجمهورية بشكل مقتضب على كافة هذه الاتهامات، مُدينا حملة وصفها بـ “المــُناهضة لأذربيجان تقودها وسائل إعلام ومنظمات غير حكومية غربية”، ومؤكدا أن “الحكومة اتخذت جميع التدابير اللازمة لضــمان الأمن الاجتماعي والسياسي أثناء الـ “يوروفيجن”.

“تحت دائرة الضوء”

في ظل هذه الظروف، هل كان من الضروري اجراء الدورة 57 من مسابقة الأغنية الأوروبية  في آذربيجان؟ إينغريد ديلتينر، المديرة العامة لاتحاد الإذاعات والتلفزيونات الأوروبية، توجــه انتقادات لاذعة في هذا الصدد. وقد دافعت عن نفسها على ميكروفون التلفزيون العمومي السويسري الناطق بالألمانية (SRF) الذي كانت تعمل لحسابه سابقا، فقالت: “لم تــعلن أية منظمة سياسية، سواء الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو مجلس أوروبا، فرض عقوبات ضد آذربيجان. وظلت القواعد نفسها صالحة منذ 46 عاما: البلد الذي يفوز بالمسابقة يُنــظم دورة العام الموالي”. وهي تعتبر بأن احتضان التظاهرة هو أيضا بمثابة فرصة لإظهار إيجابيات بلد ما، ولكن أيضا لكشف الجانب المظلم فيه، قائلة: “إنه بمثابة عملية تسليط ضوء مفيدة”.

وتشاطر هذا الرأي منظمتا “مراسلون بلا حدود” و”العفو الدولية”. وصرحت المتحدثة باسم الفرع السويسري للمنظمة الثانية، ناديا بوهلين: “لقد سمحت حملتنا بالمساعدة على دفع قضية حقوق الإنسان في هذا البلد غير المعروف. وبفضل الضغوط التي مارسناها، تم الإفراج عن بعض السجناء السياسيين، من بينهم ناشط السلام جبار سافالان”. وفي الوقت الحالي، لا زال يسجن في آذربيجان 13 معارضا بشكل تعسفي. ونددت ناديا بوهلين بتعرضهم لسوء المعاملة أثناء اعتقالهم أو استجوابهم من قبل الشرطة.

وبدعوة من منظمة العفو الدولية، تعهد عدد من الفنانين القدامى الذين سبق أن شاركوا في مسابقة “يوروفيجن” بأن يدعم كل واحد منهم سجينا آذريا. وقد استجاب لنداء المنظمة غير الحكومية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان الدويتو السويسري “Sinplus” المكون من الشقيقين غابرييل وإيفان برودجيني، اللذين أقصيا مساء الثلاثاء 22 مايو 2012 في الدور قبل النهائي للمسابقة.

وفي تصريحات لصحيفة “لوماتان” الواسعة الإنتشار، التي تصدر بالفرنسية في لوزان، أوضح الشقيقان أنه “بصفتنا موسيقيين، مثلنا مثل أي شخص، لا يسعنا إلا أن نعرب عن تضامننا مع كافة الأشخاص المحرومين من حرياتهم الأساسية في العالم”.

لا للمقاطعة

في سياق متصل، تضيف ناديا بوهلين: “يجب ألا نكون مُخطئين، فهذا الحدث يخدم في المقام الأول صورة النظام القائم والترويج الإعلامي له. ولكنه سمح أيضا للمعارضين بإسماع صوتهم، كما أجبر أذربيجان على فتح أبوابها”. وهذه النقطة أبرزتها أيضا صحيفة “تاغس أنتسايغر” التي كتبت: “إن البلاد استثمرت الكثير من المال للترويج لنفسها، خاصة من خلال الإعلانات التجارية المكلفة، ولكنها لم تنجح في منع سيطرة النقاش السياسي على الحدث”. وبالنسبة لمنظمة العفو الدولية، لا مجال بالتالي للدعوة إلى مقاطعة مثل هذا الحدث. بل بالعكس، يجب انتهاز الفرصة لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان الجارية هناك. نفس الشيء ينطبق على أوكرانيا حيث ستنطلق في غضون أسبوعين مباريات كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم. وأكدت ناديا بوهلين: “نحن سنضغط على الحكومة لكي تضع حدا لعنف الشرطة”.

وفي السنوات الأخيرة لوحظ ميل متزايد إلى تنظيم التظاهرات الرياضية أو الثقافية الدولية في بـلدان ذات أنظمة متسلطة: الألعاب الأولمبية في الصين أو في روسيا، سباق الجائزة الكبرى للفورمولا واحد في البحرين، كأس العالم لكرة القدم في قطر، إلخ. وأوضحت تيريز أوبريخت قائلة: “إنها بلدان تتوفر على الأموال الضرورية لتنظيم تظاهرات بهذا الحجم ولا تتردد في ممارسة الفساد على نطاق واسع. ولكن التقدم المنشود في مجال الإنفتاح السياسي غالبا ما يخيب الآمال، مثلما استنتجنا ذلك في الصين بعد الألعاب (الأولمبية عام 2008)”.

سامويل جابير

swissinfo.ch

 

Share This