ناجي العلي وأنا

Kouyoumjianقررت أن أحرر كلمتين متواضعتين لأكون واحداً من القائمين على تكريم ناجي العلي، هذا الانسان الفذ والذي مهما قيل عنه من ثناء أو رثاء لا أظن بأن إي منا سيكون اوفاه حقه الوطني ونضاله وكفاحه في سبيل وطنه فلسطين وأمته الأمة العربية.

من لا يتأثر يحزن أو يضحك من رسومات ناجي العلي الفنان الذي كان مالئ الدينا وشاغل الناس في زمانه. من لايعرف حنظلته ذلك الطفل الحافي ذات الثياب المرقعة الذي يظهر في جميع رسوماته الكاريكاتيرية دائراً ظهره للعالم وشاهداً حياً في صميم الاحداث وفي مواضيع الصورة نفسها كأنه الضمير الوحيد الحي.

سأكتب مشاعري عنه وعن كاريكاتيره مثلما أخذني قلمي، فمثلاً أنظر الى الكاريكاتير حيث يمسك الفلسطيني بشاربه في الصورة وفي الاطار يقول (بشرفي لاحلق شواربي اذا ها الانظمة حررت شبر من القدس) وفي المشهد الثاني نفس الرجل في جلسة مشابهه حزينة وشاربه طال وأصبح وكأنه لحية طويلة…. وطبعاً لم يحرر شبر من القدس بل يتقلص ويقضم يوم بعد يوم. ياله من مشهد المضحك المبكي. وأنظر الكاريكاتير الذي يظهر فيه أحد العرب في وضع متشنج وجها لوجه مع الآخر يجزم بان 2+2 = 3 و الاخر بنفس العصبية يصر بدوره بأن 2+2 = 5 وعنوان الصورة هو (الخلافات العربية) انظر حولك سترى كم يتوافق مع الحال العربي (خاصة في بعض البلدان الآن) والحقيقة البسيطة الضائعة.

أما في صورة أخرى فهي تنبوء الذي ثبت صحته حيث الحنظلة يقول لشخص جالس على الارض ويكتب على الطبلية في صفحة ورق . يقول له حنظلة (مقالك اليوم عن الديموقراطية عجبني كثير شو عبتكتب لبكرة ؟) والرد يكون (عبيكتب وصيتي) ياله من مشهد لاتستطيع فيه إلا ان تهز برأسك وتقول بأسى الله يرحمك يا ناجي العلي كنت تعلم ماسوف يحصل لك ، أما الصورة الذي يظهرفيها رجل يعلق على الحائط صورة لشاب فلسطيني بالكوفية متوفي مع الربانة السوداء على يسار الصورة من فوق وهي صورة الابن الرابع بقرب من صور أشقائة الثلاثة معلقين على نفس الحائط سابقاً والسيدة زوجته أم الشباب الواقفة قربه وهي مفجوعة تقول للرجل… كله منك… احبلي يافاطمة… وخلفي يا فاطمة… فلسطين بدها رجال يا فاطمة… وبالاخر يستشهدوا واحد ورا الثاني دفاعاً عن التنظيم والانظمة!! يامصيبتك يا فاطمة!!…. مشهد ورسم كاريكاتيري لوصدر بجريدة اليوم لوصف واقع الحال بفلسطين بمنتهى االواقعية والدقة.

كاريكاتير ناجي العلي ليس فقط صورة تعكس مشهد من حدث أو هاجس أو سخرية اراد الفنان التعبير عنه بالخطوط، بل احياناً هو قصيدة حزينة تدمي القلوب، وأحياناً رواية كامله تستطيع ان تقرأ منها قصة شعب وأمة بأكملهما، وأحياناً هي قطعة موسيقية تتأثر منها عند سماعها. ولكن في أغلب الاحيان هو دبوس يخرز فيك بألام خاصة إذا كنت أميناً مع نفسك ومخلص لبلدك وأمتك. خذ مثلاً صورة العربيان المتشنجان التي تكلمنا عنها وجاوب عن نفسك السنا احدى النماذج في الصورة المذكورة؟ على الارجح بل حتماً نعم.

رسومات ناجي العلي وحنظلته المشهورة هو ملحمة بذاتها نستطيع استخلاص عبر ونماذج ودروس عظيمة سارية الصلاحية لغاية اليوم، انه الناقد اللاذع، إنه الشاعرباني الابيات الموزونة، وهو حكواتي التراجيديا العظيمة لضياع وطن اسمه فلسطين يقشعر لها الابدان. أنظر لصورة الحاج العربي بين بقية الحجاج في مكة يرجمون إبليس على كل ما حصل لهم بدءاً بانه أي الابليس وهوالذي اقنع السادات بأن يزور القدس وبسببه فرط التضامن العربي ولغاية تفريق إبليس بينه وبين زوجته، وهويكيل الاتهامات للابليس يتلقى حجر على رأسه ويصيح آآآخ يارأسي.. مين إبن الأبالسة اللى رجمني!!! بمعنى إنهم أي العرب يحملون ويلومون الشيطان على كل ما يحصل لهم دون غيره وبنفس الوقت يرمون بعضهم البعض بالحجارة في زحمة عدم التركيز على الهدف قصداً أو بدون قصد. مئات المشاهد الاليمة والمضحكة والمبكية ومئات الأسئلة ومئات الأجوبة المريرة تتفاعل معها في هذا الحيز الصغير في الكتيب يحتاج مجلدات لوصفها وتفسيرها.

لدى بعض الإصدارات الأخرى له التي حصلت عليها سابقاً. منها واحدة أهداها لي المرحوم شخصياً واحتفظ بها كقطعة نفيسة حتى الآن عندما عرض إنتاجه حينذاك في صالة العدواني في ضاحية عبد الله السالم في الكويت قبل أكثر من 22 عاماً تقريباً وحرر الاهداء على الكتيب بيده في حينه، وتكلم هو وزوجته التي كانت موجودة بجانبه أيضاً بحماس عن أعماله وأعطاني بعض التفسيرات عن بعض كاريكاتيراته الملغومة التي لم أكن استوعبتها. كما تحدث لي وزوجتي عن جيرانه ورفاقه الأرمن في القدس وذكرياته معهم وكان رجلاً مفعماً بالحيوية مرحاً منفتحاً عظيماً.

رحم الله ناجي العلي المناضل الأصيل لقضيته والمكافح الصلب لإسترجاع حق شعبه من المعتدين كا ن يحمل كفنه بيده إينما حل وأرتحل. أراد الشهادة وجنة الخلد وحصل عليها بكل جدارة واستحقاق. إذ ماذا يسمى مثله غير شهيد الخط والقلم.

بقلم كيراكوس قيومجيان

Share This