الأرمن والثورة العربية الكبرى

د. بكر خازر المجالي يكتب من الثورة الى الدولة

عمون – كان فجر السادس من ايار 1916م، غير عادي… وكانت الاستعدادات تجري في كل مكان للبدء بحركة ثورية عربية ولكن التوقيت لها لم يتحدد بعد…
السادس من ايار 1916م، يوم الشهداء الاحرار، حين تدلت الاجساد العربية في ساحة المرجة في دمشق وفي ساحة الشهداء في بيروت معاً وفي وقت واحد فتكون هذه البداية وإطلاقة العمل وبدء الثورة …
كان الامير فيصل بن الحسين في دمشق يجري اتصالاته حتى كان الخبر الصاعق بأن كارثة قد حصلت بالزعامات العربية فانتفض وصاح صيحته المشهورة “طاب الموت يا عرب” ودوت، رصاصة الثورة … وانطلقت في سماء مكة تعلن أن لا حياة الا بالاستقلال والسيادة… والا بعودة العروبة الى الحكم والارادة والقيادة، ولكن حين نرسم معادلة الدولة العربية منذ فجر الثورة الى بداية عصر الدولة الاردنية، سنرى ان السنوات الخمس او الست من عام 1915م وحتى مطلع عام 1921 قد حفلت بالاحداث المريرة وامتلأت بالمؤامرات والخديعة، ورسمت فعلا ملامح المنطقة العربية والتي نحياها اليوم.قد سارت الثورة العربية الكبرى في رحلتها الى الدولة عبر هذه المعادلة الصعبة التي تبتدىء في الخامس عشر من تموز 1915م حين بدأت المراسلات بين الشريف الحسين بن علي والسر مكماهون نائب جلالة ملك بريطانيا في مصر والمعتمد البريطاني فيها، وحددت هذه المراسلات اطار التعاون العربي البريطاني لدعم العمل العسكري العربي الذي يستهدف استقلال اسيا العربية باقاليمها الثلاث : الجزيرة العربية والرافدين وبلاد الشام.
وقد انتهت المراسلات في اذار 1916م ، ولكن كان هناك احتجاج فرنسي وصهيوني على محتوى المراسلات وعلى الوعود البريطانية التي قطعتها للعرب، وبعد اقل من شهرين وفي 16 أيار 1916م تُبرم الاتفاقية السرية بين فرنسا وبريطانيا وبمشاركة روسية وهي المعروفة باسم اتفاقية سايكس بيكو، وتشكل هذه الاتفاقية اول مؤامرة على العرب ونسف لكامل العهود البريطانية بموجب المراسلات مع الشريف الحسين بن علي. ولكن يكون قرار العرب العسكري بتاريخ العاشر من حزيران1916 وانطلقت الجيوش العربية تستهدف تحرير الارض والانسان والسعي لبناء الدولة العربية وفق ميثاق دمشق واستنادا الى الوعود البريطانية.
ولكن حاولت بريطانيا جهدها ان تبقى الجيوش العربية وان يبقى نطاق الثورة العربية الكبرى داخل الجزيرة العربية، ولكن كانت الخطة العربية التقدم شمالا والوصول الى دمشق لاعلان الدولة العربية، ونجحت قوات الثورة العربية الكبرى في الدخول الى العقبة والسيطرة عليها في 6 تموز 1917م, وهذه كانت هي نقطة تحول رئيسية في علاقة بريطانيا مع الثورة العربية الكبرى، وقد ثارت ثائرة فرنسا والحركة الصهيونية على ذلك، واعتبروا احنلال العقبة هو اعتداء على اتفاقية سايكس بيكو لأن الحدود الجنوبية لاتفاقية سايكس تنتهي في العقبة، ونظر الصهاينة الى ان العرب اصبحوا يشكلوا تهديدا على فلسطين التي يتطلعون اليها كوطن قومي لهم مستقبلا .فكان من نتيجة احتلال العرب للعقبة أن زادت بريطانيا من تواجد الضباط البريطانيين ودخلت قوات الدبابات والهجانة لأول مرة الى ميدان الاردن، وكان في السابق ضابط بريطاني واحد هو ( لورنس ) يصول ويجول على هواه، ولكن اصبح الميدان بعد احتلال العقبة يعجُّ بالضباط البريطانيين بهدف السيطرة على مسار الثورة العربية الكبرى، وبالتالي وفي محاولة لتحويل مسار الثورة تحركت القوات البريطانية نحو اقصى الجنوب الى منطقة المدورة وما حولها لتنفذ عملياتها العسكرية.
اما النتيجة القاسية لاحتلال العرب للعقبة فقد تمثلت بالتحرك الصهيوني للحصول على ضمان بمنح فلسطين لهم، وتحسبا للمد العربي القادم، فكان منح وعد بلفور في 2 تشرين الثاني 1917 اي بعد اربعة اشهر من احتلال العقبة، وتدخل الامور في دائرة التعقيد في نيسان 1918 أثناء حصار معان حين تم الكشف عن اتفاقية سايكس بيكو السرية، وأحدث ذلك تباين وارباك في رأي القيادة العربية للثورة، وأفاق العرب على خديعة كانت تسير بموازاة تلك العهود التي كانت بريطانيا تمنحها لهم، فكان القرار بالزحف من معان الى دمشق فورا. ,في الثاني من تشرين الاول دخلت قوات الثورة العربية الكبرى الى دمشق واعلنت قيام الدولة العربية ، وعلى مدى سنتين والملك فيصل يضع الترتيبات للاعلان الرسمي الدستوري للدولة العربية الكاملة التي تضم كامل اقطار بلاد الشام الاربعة.
كانت فرنسا تسيطر على جبل لبنان وتقاوم اجراءات اعلان الدولة العربية فيها، واعتقلت القائد ياسين الهاشمي الذي اسس مقر الدفاع الوطني في بيروت، و حشدت فرنسا باتجاه منع وصول الدولة العربية الى لبنان بل والتخطيط للانقضاض على الدولة العربية في دمشق التي جاءت لتتعارض مع اتفاقية سايكس بيكو.
ورغم كل ذلك و في السابع من أذار من عام 1920م اعلن الملك فيصل الاول ومجلس عموم سوريا قيام الدولة العربية المستقلة ياسم المملكة العربية السورية التي تضم الاردن وفلسطين وسوريا ولبنان بلا اية استثناءات ومبايعة ” فيصل ” ملكا عليها. وهنا اعتبرت فرنسا وبريطانيا والحركة الصهيونية ان اعلان هذه المملكة العربية الفيصلية تتعارض ووعد بلفور الصهيوني وايضا ما هو ممنوح لفرنسا بموجب اتفاقية سايكس بيكو .
بل نظروا الى الدولة العربية السورية الفيصلية انها تقف ضد ثلاثة :تنفيذ وعد بلفور – تطبيق اتفاقية سايكس بيكو – فرض الانتداب الفرنسي والبريطاني على المنطقة.
من هنا ابتدأ العمل الفرنسي ضد الدولة العربية بتوجيه الجنرال غورو قائد الجيوش الفرنسية في المنطقة انذاره الشهير الى الملك فيصل في 14 تموز 1920م، وتضمن خمسة بنود شملت طلب تسريح الجيش والغاء التجنيد الاجباري والغاء العملة العربية ، وان يكون الجواب على هذا الانذار خلال 48 ساعة.
وقد ادرك الملك فيصل خطورة الوضع وانه لا قبل للعرب في مواجهة الجيش الفرنسي وسط تخاذل وصمت بريطاني وتحريض ودعم صهيوني، فقبل الملك فيصل الانذار محاولا ان يبدأ خطة ديبلوماسية ،ولكن ولاسباب مقصودة لم يصل جواب الملك فيصل الى غورو، فزحف الجيش الفرنسي وكانت معركة ميسلون في 20 تموز 1920، والتي انتهت بعد اشتباك قصير وانتهت ايضا على اثرها الدولة العربية وخرج الملك فيصل من سوريا لتبدأ مسيرة ورحلة النكبات والنكسات العربية من يومها.
هكذا يمكن رسم معادلة الثورة والنهضة والاستقلال، رحلة الاخلاص العربي والصدق والسماحة في مواجهة التآمر والاستغلال وتنفيذ الخطط المغايرة لكل الوعود .
كانت معركة ميسلون آخر المطاف، وفيها كان استشهاد الحلم العربي طالما انه كان حلم الثورة العربية الكبرى ، وقد تحقق عربيا ولكن كانت قوى الشر هي الاقوى، انتهى الحلم العربي على الارض ، وبدأنا نعيش من يومها حالة التشتت والشرذمة والانقسام واختلاف العقائد ، ولكن لا زال في الصدر ذلك الوفاء لرسالة العرب الاولى ولمصداقيتها ، وما زال ذلك التقدير والاجلال لقيادتها بدءا من الشريف الحسين بن علي الى كل القيادات الهاشمية والعربية الذين ارادوا امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة تعيش الحياة الافضل وتبني المستقبل . ولا زالت وستبقى الدولة الاردنية تحمل مشروع النهضة العربية ورسالتها الخالدة وستبقى ترفع راية الهواشم والاستقلال وتتطلع الى المستقبل وصنع الاردن النموذج كما يراه جلالة القائد الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله ورعاه.
الارمن والثورة العربية الكبرى
اورد محمد علي العجلوني الذي قاتل في صفوف الثورة العربية الكبرى في مذكراته (الصفحة 56) ويتحدث فيها عن زيارته الى الشريف الحسين بن علي في منفاه في قبرص ويتحدث عن علاقة الشريف مع الارمن فيقول :
“وأما الارمن فقد رغب جلالة الملك الحسين بنقلهم الى القاهرة على نفقته، وفي خلال الثورة جاء وفد منهم من القاهرة بزعامة قرة بيت رئيس حزب الطاشناق الارمن ليعرض الخدمة المسلحة في قوات فيصل، ثم انني رأيت فريقا منهم في قبرص يتقربون من جلالة الملك الحسين في منفاه يحاولون رد الجميل اليه، فيزوره ايام الجمع وفد يرأسه الاسقف الاعلى للارمن في قبرص، وكان في حاشيته منهم بضعة اشخاص يعتمد عليهم ويثق بهم.

www.ammonnews.net

Share This