جميعنا للوطـن

أشاد الباحث ليون زكي، رئيس مجلس الأعمال السوري الأرميني، بتلاحم عناصر نسيج الشعب السوري بأطيافه كافة والعلاقة الحميمية المشتركة والود المتبادل الذي يربط السوريين بعضهم ببيعض وخاصة ما يؤلف بين السوريين الأرمن وباقي فئات المجتمع ومكوناته.

وتحدث زكي، عضو مكتب اتحاد غرف التجارة السورية، في حديث لرئيس تحرير شبكة أخبار “مدينتنا” عن الحضور الفاعل للسوريين الأرمن في الحياة الاقتصادية والاجتماعية السورية فقال: “بالإضافة إلى كونهم أطباء ومحامين ومهندسين، فإن للمواطنين السوريين من أصول أرمنية حضور اقتصادي وتجاري وصناعي مهم، وهناك اليوم العديد من الفعاليات الاجتماعية والثقافية الفاعلة، ولدينا مدارس وثانويات ومستوصفات ودور للأيتام والعجزة وذوي الاحتياجات الخاصة وفرق ونوادي رياضية تتوزع في ربوع الوطن من حلب إلى الساحل ومن الجزيرة السورية إلى دمشق، وليس هناك أي مدينة في سورية إلا وتجد فيها فعالية سورية من أصل أرمني، وكل هذه المراكز مخصصة لكافة أطياف المجتمع وبدون أي تمييز، لأن البلد بلدنا … وجميعنا للوطن”.

وأكد ليـــون زكــي، عضو مجلس إدارة غرفة تجارة حلب، أن المواطن السوري من أصل أرميني يحمل البطاقة الشخصية السورية، ويتمتع بحقوق أي مواطن سوري آخر دون أي تفرقة أو تمييز ” فهو سوري أولاً من خلال حقه في المواطنة”، وقال بأن شعباً موجوداً في سورية قبل الفتوحات الإسلامية “حتماً لا يعتبر في عداد الجاليات، بل من النسيج الأساسي للشعب السوري ولا يمكن تمييزه عن غيره من المكونات”، وأضاف: “في المقابل هناك جالية سورية من أصل أرميني موجودة في أرمينيا للدراسة والعمل… “.

ولفت زكي إلى معلومة تاريخية في غاية الأهمية، فأوضح أن وصول الأرمن إلى سورية لم يبدأ سنة 1915 كما تصدر بعض المصادر بل بعد انتصارات الملك ديكران Dikran على الفرس والرومان في القرن الأول قبل الميلاد “وتذكر المصادر التاريخية بأن الشعب الأرمني كان موجوداً في سورية خلال الفتوحات الإسلامية، وخاصة في قرى اليعقوبية والقنية والغنيمية وأرامو، وفي محافظة اللاذقية حيث حدود مملكة كيليكيا الأرمينية التي كانت تصل إلى الضفاف الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، وكان الأرمن موجودين في حلب وحمص ودمشق وبيروت ، لكن سنة 1915 تضاعف عدد السكان الأرمن في سورية عندما هُجروا إليها إثر إبادتهم على يد الأتراك ليصل عددهم إلى أكثر من 300 ألف نسمة، هاجر منهم إلى أرمينيا وأوربا وأمريكا لأسباب اقتصادية فتناقص العدد اليوم ليصل إلى 100 ألف نسمة”.

وأشار رئيس مجلس الأعمال السوري الأرميني إلى أنه أكد خلال لقاء وزيرة المغتربين الأرمينية هيرانوش هاكوبيان في جمهورية أرمينيا أن السوريين من أصل أرميني “هم سوريون أولاً وأخيراً والذي يمثّلهم هو سفير سورية في يريڤان وليس سفير أرمينيا في سورية”. واستذكر ثلاث مواقف لا تفارق مخيلتـه ولا يوحّد بينها التملق والتزلف بل حبـه الخالص لبلده سـورية ولغتها العربيـة الجميلة لدى الحديث بها، وبخاصة في اللقاءات الرسمية، وقال: “خلال الاجتماع الذي ضم ممثلي الفعاليات الاقتصادية في حلب مع الرئيس الأرمينـي سيرج ساركيسيان والوفد الرسمي المرافق له خلال زيارته الأخيـرة إلى عاصمة الاقتصاد السوري، وبحضور الوزير منصور عزام وزير شؤون رئاسة الجمهورية ومحافظ حلب، تحدثت بعفوية باللغة العربية مرحباً بالضيوف قبل أن أتطرق إلى الناحية الاقتصادية في العلاقة التـي تربط بين بلدينا، ليقاطعني السفير فوق العادة ليڨون سركيسيان (شقيق الرئيس الأرمينـي) مستغرباً عدم تكلمي بالأرمنية بصفتي أرمني، لكني بقيت مصراً على استخدام العربية، وأجبته بأني على الرغم من اعتـزازي بأصلي الأرمنـي أفتخر بكوني سوري ولكوني رئيس مجلس الأعمال السوري – الأرمينـي من الجانب السوري وليس من الجانب الأرمينـي، ولأننـي أمثل سورية سوف أتكلم اللغة العربية “.

وزاد ليـون زكي: “أثناء اجتماع مجلس إدارة غرفة التجارة العربية – البلجيكية التـي أنا عضو فيـها في بروكسل، أسهب أحد الوزراء والأعضاء العرب في الحديث بالانكليزية لغة التواصل في الحوار، وعندما جاء دوري في الحديث طلبت مترجماً لأننـي سأتكلم بلغتـي العربية، مع أننـي أتقن الانكليزية، إمعاناً بالتفاخر بها ولأنها اللغة الخامسة الدولية المعتمدة لدى منظمة الأمم المتحدة، وتكرر الموقف ذاته في المنتدى الاقتصادي السوري – الأرمينـي الذي عقد في يريڨان فاقتصرت مداخلاتي، التـي رغّبت رجال الأعمال الأرمينيين على الاستثمار في سورية، على اللغة العربية مما أثار استغراب المشاركين من الطرف الأرمينـي الذين عهدوا من كل أرمني التحدث بلغتهم في مثل هذه الملتقيات “.

وانتقد زكــي المفهومين الرائجين للـ “التسامح الديني” و”التعايش”، فقال “نحن نمارسهما بامتياز، والحديث عنهما فقط موجه للعالم الخارجي ، فلماذا نعمل على توصيفهما، فعندما ندعو إلى قبول الآخر يعني أن نقبله كما هو ليس بعد تعديله وتحويله إلى نسخة طبق الأصل عن ذواتنا، نعم هناك أرضية واسعة وحيز واسع للتعامل معاً بما فيه خير مجتمعنا وبلدنا ووطننا”.

وضرب أمثلة واقعية عن علاقة الأرمن بأطياف المجتمع السوري، ومنها: “الصديق المسلم الذي تبرع بثرية ضخمة لكنيسة مع مبلغ نقدي، والشيخ الذي أهدى براداً للكنيسة، وأحد الأرمن الذي يقيم إفطاراً رمضانياً لأيتام المسلمين، وآخر بنا مسجداً في مكان عمله للموظفين المسلمين، وهذا ما قصدناه بقبول الآخر كما هو “.

وختم حديثه بالتأكيد أن الأرمن هم من أهم مكونات نسيج الشعب السوري “واليوم نرغب باستمرار تجسد اللحمة الوطنية بين مختلف المواطنين وأطياف المجتمع، وذلك من خلال مشاركتهم في الحوار وبذل الغالي والنفيس في بناء الدولة والمجتمع، ومشاركتهم يداً بيد في بناء مستقبل هذا الوطن الذي نحبه جميعاً “.

 

Share This