السوريين من أصل أرميني .. الذي يمثّلهم هو سفير سورية في يريڤان، وليس سفير أرمينيا في سورية ..!

يكثر الحديث هذه الأيام، عن مفهوم المواطنة، وعن العلاقة بين كافة أطياف المجتمع السوري، وأود أن أذكّر هنا بشيء من تلاحم عناصر هذا النسيج بأطيافه كافة، والعلاقة الحميمية المشتركة، والود المتبادل الذي يربط السوريين بعضهم ببعض، وخاصة ما يؤلف بين السوريين الأرمن وباقي فئات المجتمع ومكوناته.

مما لاشك فيه، أن للسوريين الأرمن حضوراً فاعلاً في الحياة الاقتصادية والاجتماعية السورية، فبالإضافة إلى كونهم أطباء ومحامين ومهندسين، فإن للمواطنين السوريين من أصول أرمنية حضوراً اقتصادياً وتجارياً وصناعياً مهماً، وهناك اليوم العديد من الفعاليات الاجتماعية والثقافية الفاعلة، ولدينا مدارس وثانويات ومستوصفات، ودور للأيتام والعجزة وذوي الاحتياجات الخاصة، وفرق ونوادي رياضية تتوزع في ربوع الوطن، من حلب إلى الساحل، ومن الجزيرة السورية إلى دمشق، وليس هناك أي مدينة في سورية إلا وتجد فيها فعالية سورية من أصل أرمني، وكل هذه المراكز مخصصة لكافة أطياف المجتمع وبدون أي تمييز، لأن البلد بلدنا… وجميعنا للوطن.

يتمتع المواطن السوري من أصل أرميني، بحقوق أي مواطن سوري آخر، دون أي تفرقة أو تمييز، فهو سوري أولاً من خلال حقه في المواطنة، وهو يحمل البطاقة الشخصية السورية، وهو  شعب وجد في سورية قبل الفتوحات الإسلامية، ومن المؤكد أنه لا يعتبر في عداد الجاليات، بل هو جزء من النسيج الأساسي للشعب السوري، ولا يمكن تمييزه عن غيره من المكونات، ولكن من الصحيح القول: أن هناك جالية سورية من أصل أرميني موجودة في أرمينيا للدراسة والعمل…

وأود هنا أن أذكر أيضاً بمعلومة تاريخية في غاية الأهمية، وهي أن وصول الأرمن إلى سورية لم يبدأ سنة 1915 كما تذكر بعض المصادر، بل إلى عهد انتصارات الملك (ديكران Dikran ) على الفرس والرومان في القرن الأول قبل الميلاد، وتذكر المصادر التاريخية أن الشعب الأرمني كان موجوداً في سورية خلال الفتوحات الإسلامية، وخاصة في قرى اليعقوبية، والقنية، والغنيمية، وأرامو، وفي محافظة اللاذقية حيث حدود مملكة كيليكيا الأرمينية، التي كانت تصل إلى الضفاف الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، وكان الأرمن موجودين في حلب، وحمص، ودمشق، وبيروت، إلا أن سنة 1915 شهدت تضاعف عدد السكان الأرمن في سورية، وذلك عندما هُجّروا إليها إثر إبادتهم على يد الأتراك، ليصل عددهم إلى أكثر من 300 ألف نسمة، هاجر منهم إلى أرمينيا.

وفي هذا السياق، أذكر أنني قلت خلال لقاء وزيرة المغتربين الأرمينية “هيرانوش هاكوبيان” في جمهورية أرمينيا، أن “السوريين من أصل أرميني هم سوريون أولاً وأخيراً، والذي يمثّلهم هو سفير سورية في يريڤان، وليس سفير أرمينيا في سورية”.

كما استذكر ثلاث مواقف لا تفارق مخيلتـي، ويوحّد بينها ما أعتبره حبا خالصاً لبلدي سـورية، ولغتها العربيـة الجميلة، حيث ترتبط تلك الموقف بتلك اللغة:

فخلال الاجتماع الذي ضم ممثلي الفعاليات الاقتصادية في حلب مع الرئيس الأرمينـي “سيرج ساركيسيان” والوفد الرسمي المرافق له، خلال زيارته الأخيـرة إلى عاصمة الاقتصاد السوري، وبحضور الوزير منصور عزام وزير شؤون رئاسة الجمهورية ومحافظ حلب، تحدثت بعفوية باللغة العربية مرحباً بالضيوف قبل أن أتطرق إلى الناحية الاقتصادية في العلاقة التـي تربط بين بلدينا، ليقاطعني السفير فوق العادة “ليڨون سركيسيان” – وهو شقيق الرئيس الأرمينـي – مستغرباً عدم تكلمي بالأرمنية بصفتي أرمني، لكني بقيت مصراً على استخدام العربية، وأجبته بأني على الرغم من اعتـزازي بأصلي الأرمنـي أفتخر بكوني سوري، ولكوني رئيس مجلس الأعمال السوري – الأرمينـي من الجانب السوري وليس من الجانب الأرمينـي، ولأننـي أمثل سورية سوف أتكلم اللغة العربية.

وفي حادثة أخرى، وأثناء اجتماع مجلس إدارة غرفة التجارة العربية – البلجيكية التـي أنا عضو فيـها في بروكسل، أسهب أحد الوزراء والأعضاء العرب في الحديث بالانكليزية لغة التواصل في الحوار، وعندما جاء دوري في الحديث طلبت مترجماً لأننـي سأتكلم بلغتـي العربية، مع أننـي أتقن الانكليزية، إمعاناً بالتفاخر بها ولأنها اللغة الخامسة الدولية المعتمدة لدى منظمة الأمم المتحدة.

وتكرر الموقف ذاته في المنتدى الاقتصادي السوري – الأرمينـي الذي عقد في يريڨان فاقتصرت مداخلاتي، التـي رغّبت رجال الأعمال الأرمينيين على الاستثمار في سورية، على اللغة العربية مما أثار استغراب المشاركين من الطرف الأرمينـي الذين عهدوا من كل أرمني التحدث بلغتهم في مثل هذه الملتقيات.

وبالعودة إلى نسيج المجتمع السوري، فلا أعتقد أنه من الحكمة الترويج لمفهومي  “التسامح الديني” و”التعايش”، وذلك لأننا نمارسهما بامتياز، والحديث عنهما فقط موجه للعالم الخارجي ، فلماذا نعمل على توصيفهما؟! فعندما ندعو إلى قبول الآخر يعني أن نقبله كما هو، وليس أن نعدله ونحوله إلى نسخة طبق الأصل عن ذواتنا، نعم هناك أرضية واسعة وحيز واسع للتعامل معاً بما فيه خير مجتمعنا وبلدنا ووطننا، ولا أود الحديث هنا عن أمثلة واقعية عن علاقة الأرمن ببقية أطياف المجتمع السوري، فهي عديدة وأكثر من أن تحصى.

وأخيراً نؤكد اليوم على رغبتنا باستمرار تجسد اللحمة الوطنية بين مختلف المواطنين وأطياف المجتمع، وذلك من خلال مشاركتهم في الحوار وبذل الغالي والنفيس في بناء الدولة والمجتمع، ومشاركتهم يداً بيد في بناء مستقبل هذا الوطن الذي نحبه جميعاً.

 

ليـــون زكـــي

رجــل أعـمــال سـوري مــن أصــل أرمـنــــي

رئيس مجلـس الأعمال السوري – الأرمينــي

عضــو مكتـب اتحاد غرف التجارة السـوريـة

عضــو مجلــس إدارة غــرفـة تجــارة حـلــب

رئيس مجلس إدارة مؤسسة ليزاكو التجارية

Share This