شارل أزنافور افتتح مهرجانات جونيه: الثمانيني المقيم دائماً في الزمن الأحلى

تغير الكثير في شارل أزنافور ولم يتغير الرجل. لا يريد ابن الـ 88 سنة ان يبتعد عن الحب وزمن الاسئلة والمعشوقة الأولى والاخيرة، التي تختزلها نظرة وكلمة ومدينة وغجرية.
في افتتاحه مهرجانات جونيه ليل امس على مسرح مجمع فؤاد شهاب الرياضي، لم يرد أزنافور ان يخفي أثر السنين التي مضت. وقد يفترض الحاضرون انه ما إن يختار الرجل الثمانيني ان يبدأ امسيته بأغنية “لم أر الوقت يمر”، لا يبقى الكثير ليحلموا به.

لكن الرجل مصر على عكس ذلك. لم يعد أزنافور مغنياً فحسب. اضاف الى سيرته قدرة الرواية واستعادة زمن مضى بكل جوارحه وشجونه، بفرحه وحزنه، بحبه وحسرته، بشيبه وشبابه. كلما غاص في سني حياته، امكنه ان يحصد منها حباً وذكريات يوزعها على الحاضرين، ليشاطرهم ان “الحياة مصنوعة من الفرص” وانه لا يمكنه “ان يحفظ بلا توقف شبابه”.
تغيّر الكثير في الثمانيني المقيم أبداً في الزمن الأحلى. لم يعد حاسماً على المسرح، ويده اليمنى ترتجف بخفر الراغب في الاعتزال، لكنه لا يريد ان يترك كل هؤلاء العاشقين يتامى. ثمة حب آخر بلا شارل أزنافور، والمشاعر لا تكون نفسها من دون صوته. تراجعت حركته على المسرح، لكن الرجل لم يتخلَّ عن همسه في آذان الحياة وناسها. يغني، يروح ويجيء، وفي ذهنه تذكارات الأيام التي لا تنتهي.

في صوته كانت “باريس في شهر آب” و”كم هي حزينة البندقية” و”لا بوهيم” و”الحب هو مثل يوم” و”لا لم أنسَ شيئاً” وغيرها من الاغاني التي تتردد من حناجر الحاضرين قبل ان يلفظها ازنافور.

في حديثه المقلّ مع جمهوره، لا يترك أزنافور حاجزاً بين القلب واللسان. يغمز من قناة زحمة السير، وكرسيه الذي لا يغني بعض الاغنيات سوى وهو فيه، وصولاً الى معنى الكلمة والأغنية المغنّاة بلا موسيقى. خلاصته ألا أولى بلا الثانية، والكلمات في غياب النغم تستحيل جملاً يمكن كل من حفظها ان يرددها.

بدا أزنافور اكثر ميلاً الى “كلاسيكية” ما في الغناء. بات غناؤه اكثر سرعة وكأنما الرجل يحاول الافادة من كل ثانية. يقفز بخفر على المسرح، يمازح، يحرّك يديه، يستذكر. يقول إنه “بالامس كنت ابن عشرين”. طال هذا “الأمس” 68 سنة، وأزنافور لا يزال كما هو: بوهيمي مسافر الى زمنه، حيث يريد الكثيرون ان يبقوا.

كريم أبو مرعي

النهار

Share This