طوروس آغا

الكاتب هاكوب بارونيان
الكاتب هاكوب بارونيان

يخرج طوروس آغا من البيت مثقلاً بالتعليمات التي تلقّنها الزوجة للزوج، كما جرت العادة، والتي تُنفَّذ فقط عن طريق المال.

لا يملك طوروس آغا المال ولكنه يرغب بتنفيذ طلبات زوجته. ليس من الصعب التكهن بحالة طوروس آغا.

قبل التوجه إلى السوق، يذهب كعادته إلى المقهى لشرب قهوته الصباحية. كان في المقهى آخرون يتحدثون عن مواضيع مختلفة. يشعل سيكاره ويطلب قهوته.

يصرخ رجل جالس في إحدى زوايا المقهى:

– أه.. طوروس آغا، تعال بقربي، تعال لنر.

تأمل طوروس آغا قليلاً، فقد كان بحاجة ليجلس على الأقل ساعة من الزمن وحده، لذلك تلكأ قليلاً لقبول دعوة رفيقه.

فيصرخ ستيبانوس آغا (وهو الجالس في الزاوية):

– أحضروا قهوة طوروس آغا إلى هنا.

يذهب طوروس آغا مرغماً نحو رفيقه وهو مشغول البال.

– كيف حالك طوروس آغا. كيف تمضي وقتك؟

– هكذا.

– أتدري ماذا تشبه الحياة التي نعيشها، انتظر لأروي لك مثلاً صغيراً.

ويبدأ ستيبانوس آغا القصة الطويلة التي كان يقطعها مـن حين لآخر كي يشد انتباه طوروس آغا، بينما كان طوروس آغا غارقاً في أفكاره، ويفكر إلى من سيتوجه ليقترض بعض المال ويشتري لأولاده أحذية وقبعات وكتاب اللغة ويدفع قسط المدرسة.

يقف طوروس آغا عشر مرات متأهباً للذهاب خلال سرد القصة، لكن ستـيبانوس آغا يمسـكه من قبه ولا يسمح له قائلاً إن القصة مثيرة ونهايتها مذهلة.

وأخيراً، وبعد الحديث لمدة ساعتين يصل ستيبانوس آغا إلى النهاية، كما يصل بعض النواب إلى الدولـة الطوباويـة في خطابهـم، ويختـم قصتـه قــائلاً “ها هي حياتنا تشبه هذا الحيوان” وعندما ينتهي من القصة يقول:

– أيها الصبي، أحضر الدومينو.

– اسمح لي أن أذهب.

– لا، لا، أرجوك، لنلعب دق دومينو، لنأخذ الأحجار مناصفة أم نسحبها، السحب أفضل.

– عندي شغل، علي أن أذهب.

– اجلس، يا رجل، اسحب العطوسة.

– لا وقت لدي للجلوس، أصلاً أنا متأخر.

– ولك، قلت أحضر هذا الدومينو، ألا تفهم؟ هل أنت أصم؟

– عن إذنكم.

– لا أسمح لك، أنا لن أذهب إلى عملي اليوم، أنت أيضاً لا تذهب، نمضي الوقت معاً هنا.

– لا يا روحي، اليوم يوم عمل، لا أستطيع البقاء.

– هل تكسر كلامي؟

فيقول بعض الموجودين هناك:

– يا طوروس آغا، وأنت أيضاً طوّلتها، لا داعي للغنج هـكذا. عندما يقال لك اجلس تجلس.

– عندي شغل يا أفندي، شغل.

– أحياناً يأخذون بالاعتبار خاطر الرفاق يا أفندي.

يستنفذ طوروس آغا وسائله ويضطر للانسياق للرأي العام.

يأتون بالدومينو، فيلعب طوروس آغا بأقصى سرعته، وستيبانوس آغا يخلق قصة عند كل حركة حجرة، مرة عن البطريرك السابق وأحياناً عن الدستور ودائماً عن الصحافة الوطنية. وبذلك ينتظر طوروس آغا ساعات ليأتي دوره في اللعب.

تستطيعون التصور بماذا يشعر طوروس آغا، حتى أنا عند كتابة هذه الأسطر أقفز من على كرسيّ ألف مرة.

يأكل طوروس آغا نفسه من غيظه [1]. ويستغرب ستيبانوس آغا من استعجال طوروس آغا. يستغرق الدومينو ساعة ونصف ويخسر ستيبان آغا اللعبة.

– آه يا طوروس آغا، نزل الوحي، فلنلعب دقاً آخر.

– دعني أقبّل قدميك، ستيبانوس آغا، أتوسل إليك، لا تغضب علي، أنا صاحب أولاد وعيال.

– الله رحيم يا زلمة، الدوشيش عندي، ها قد وضعتها.

– لا أستطيع أن أفهّمك، أقول لك يا أفندي إنه ما عندي وقت.

– ضع الشيش بيش لأرى.

– الله أكبر، اغفر لي يا رب.

– تقول إنه لا وقت لديك وأنت تضيع الوقت. كنا أنهينا اللعبـة حتى الآن، ضع الشيش بيش.

– أنا ذاهب… سلام.

– اذهب يا رجل، اذهب، منذ الصباح سأذهب سأذهب، اذهب يا أخي اذهب.

– أعتقد أنه لا داعي للغضب.

– أنت تقول أشياء تخرج المرء عن صوابه لتفقعه يا أفندي، نحن لا نكبّـلك بالزنجير هنا، هذه اللعبة تُلعب مرتين، هذه هي العادة، لو لم ترغب باللعب كان الأجدر ألا تلعب من البداية، كل شيء له قوانينه وأصوله، هذا الذي فعلته غير لائق.

– طيب يا روحي، سوف أترك من ينوب عني.

– هذا ليس بمنصب في البطريركية…

ويكرر الجالسون إلى جانبهم:

– دق آخر طوروس آغا.

يندم طوروس آغا ألف مرة لدخوله المقهى.

هذه المرة يخسر طوروس آغا، ويقدم قدح عرق للرابح كجائزة ويتأهب للذهاب.

– ألا تريد أن تسحب عطسة طوروس آغا؟

– بكل سرور.

– سوف تنزل في (إستنبول) أليس كذلك؟

– نعم.

– هل ستذهب إلى حارة (يدي كولي)؟

– لا، سأذهب إلى السوق.

– كنت سأطلب منك أن تشتري لي نصف وقية عطسة مستوردة من أوروبا، وسأدفع لك قيمتها لاحقاً.

– حسناً… ولكن…

– لكن هل تعرف من أين ستشتريها، في منطقة (غلاطا) هناك دكان لبيع الشموع، اذهب إلى هناك وقل له إنها من أجل ستيبانوس آغا، ليعطيك العطوسة الخاصة بي، انتبه كي لا تُغش.

لا يملك طوروس آغا ولا قرشاً، ويرغب بتوضيح أن ذلك الأمر لا يمكن تنفيذه، ولذلك يقول:

– اعذرني، اليوم لا أستطيع أن أمر من تلك المنطقة.

– يا رجل، خلال الأربعين سنة طلبنا منك طلباً وأنت لا تلبيه، لقد غيرت طبعك، وقد صرت شيئاً مختلفاً.

– أتأسف بأنني.

– على الأقل انزل في (كوم كابو) وقل لصاحبي أن يشتريها ويعطـيك إيـاها لتحضـرها لي، لكن ادفــع أنت الـثـمن، فصــاحبي لا يتــوفر لديه المال.

يقول أحدهم:

– أصبحت الساعة الثامنة طوروس آغا، الذي اشترى اشترى والذي باع باع، ماذا ستفعل إذا ذهبت بعد هذا الوقت؟ تعال لنلعب دق طاولة معك.

وينضم ستيبانوس آغا:

– هكذا تكون الأمور أفضل.

يقول طوروس آغا:

– لا، لا، يجب أن أذهـب، ويدفع بنفسه من المقهى للخروج.

إلى السوق… لا، إلى مكان ينزوي فيه ويشتم قليلاً، ويا ليت مقر الجريدة كان قريباً.

من كتاب: ضريبة اللباقة، من روائع الأدب الأرمنـي الســاخر
للكاتب هاكوب بارونيان
ترجمة د. نورا أريسيان

[1] يأكل تفسه: تعبير يدل على الغيظ / المترجمة.

Share This