بإتفاق بين الكنائس المختلفة المسلمون هم الذين يحملون مفتاح كنيسة القيامة

القدس المحتلة: يرتل منشد من خارج أبواب كنيسة القيامة “الصلاة تقرع حتى يفتح الباب”. وداخل الكنيسة، يعرج الراهب اليوناني، أبونا نيكولاس نحو الباب، ويعبر أمام الحجر الممسوح بالزيت حيث تقول التقاليد أنه موقع تحضير يسوع قبل الدفن، ثم يقوم بفتح الكوة للتأكد من هوية من يقرع الباب.

فيعلن المنشد عن نفسه: “إسماعيل سومريي”. فيدفع الراهب سلما من خلال الكوة. ويضع إسماعيل السلم على الجدار الحجري ويتسلقه. لكنه لا يزال يحتاج إلى المفاتيح، فيسلمه أديب جواد جوده المفاتيح.

جواد جودة هو من عائلة فلسطينية مسلمة معروفة، وهو حامل مفاتيح كنيسة القيامة. فإذا كانت الأبواب رمزاً للملكية، فإن المفاتيح هي رمز الوصاية. ويقول جودة، “نحن نحمل مفاتيح كنيسة القيامة منذ عام 1187 وحتى اليوم”… “أسرتي كلها تقف معي عند هذا الباب. فهذا هو بيتي الثاني”.

لكن الوصاية تتعلق بأكثر من ذلك. فمن يحمل مفتاح هو عادة من يفتح الباب. وسومريي، وهو مسلم أيضا، يحتفظ بالمفاتيح نيابة عن الوصي. ويقول جودة ضاحكاً، “هو الحارس الشخصي للمفاتيح”.

وهنا تزداد التعقيدات خطوة أخرى. فيقوم سومريي بدور حارس المفاتيح ليلاً، إلا أنه يعمل في كثير من الأحيان كحاري للباب. وفي وضح النهار يقوم وجيه نسيبة، حارس الباب، بفتح وإغلاق الباب رسمياً.

فيقول وجيه نسبية الذي يبلغ منتصف العمر، وهو سليل عائلة فلسطينية أخرى بارزة، “لقد ورثنا هذه المفاتيح من الآباء إلى الأبناء، ومن جيل إلى جيل”.

هذا وتقول الحكمة الشائعة أن “المفتاح الذي يفتح هو المفتاح الذي يغلق” الباب. لكن ذلك ليس صحيحا هنا. فالقفلين الموجودين على الباب يقعان تحت صلاحيات البواب. ويقول نسيبة، “لا يسمح أحد غيري بفتح الكنيسة”.

وهكذا تمكنت العائلتان المسلمتان من الاحتفاظ بالمفاتيح والباب بسبب الخلافات داخل الكنيسة. ويعترف الأب القس صموئيل أغويان، رئيس الأرمن في كنيسة القيامة، “مثل أي إخوة، نحن نتشاجر فيما بيننا في بعض الأحيان” .

ويضيف “الكنائس لن تتفق مع بعضها البعض، لذلك تم أخذ المفاتيح بعيداً عن الكنيسة المهيمنة، وعهد بها إلى أتباع إيمان توحيدي محايد يؤمن بالمسيح كنبي–الإسلام”.

هذا هو الموقع المسيحي الأكثر تقديساً، حيث يعتقد أن يسوع قد بعث من موته، وبالنسبة لكثير من الحجاج، فهو وجهتهم الأكثر أهمية. والإعتقاد السائد هو أن الكنيسة شيدت فوق موقع صلب المسيح وفوق المغارة التي دفن فيها.

ويتشارك في الكنيسة نفسها ثلاثة من القيميين المسيحيين الرئيسيين. وبلا منازع، تحظي الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية بحصة الأسد. ويقال أن الرهبان الفرنسيسكان هم الأغنى. أما الكنيسة الأرمنية الرسولية فهي الأقل حظاً.

ويقول الأب أغويان، “نحن نتعامل مع بعضنا البعض بأكثر طريقة أخوية ممكنة”. ويضيف، “يمكن في بعض الأحيان أن يكون هناك بعض سوء الفهم حول الحدود أو التقاليد، فهي ليست مكتوبة بالتفصيل.

هذا ويتم قياس التأثير وفقا للجزء من الكنيسة الذي تديره كل كنيسة من الكنائس. ويقوم اليونانيون، والفرنسيسكان والأرمن بتوجيه الحجاج، كل بحسب دوره، من خلال مدخل القبر المقدس.

وإلى الجزء الخلفي من سرداب الدفن في الجانب الآخر من القاعة المستديرة، يقوم عادل المصري بفتح باب من الحديد. ويقول، “هذا هو الرئيس المقدس للقبر!”. وسوف يحتفل الأقباط قريباً، وهم مجموعة مسيحية نشأت في مصر، بقداسهم على هذا المذبح.

ويوضح الأب أغويان، “يحكم كل شيء وفقا للوضع الراهن”.وقد جاء الوضع الراهن في عام 1853، عندما تقرر أن تتم السيطرة على منطقة الكنيسة المشتركة بتوافق الآراء بين الإخوان المسيحيين. لكن نادراً ما يتم التوصل الى توافق في الآراء. وحالت الخلافات المستمرة بين أعمال التجديد الهامة، مثل قاعة روتوندا المستديرة.

واستمرت الحوادث بلا هوادة. فقط قبل أربع سنوات خلال عيد الصليب المقدس، اندلع اشتباك بين الرهبان اليونانيين والأرمن.

وهكذا تتورط الشرطة الاسرائيلية في كثير من الأحيان في شجارات وهي تحاول الفصل بين الأطراف المعنية.

ورمز أخر واضح لحالة الإهمال هو السلم غير المنقول المتروك -كعلامة على الوضع- على حافة النافذة التي يتعذر الوصول إليها فوق مدخل الكنيسة.

فقد يكون نرك السلم أكثر خطورة من التسلق عليه. وحتى اليوم، من المتفق عليه أن تغيير الموقف سيكون غير مرغوب فيه لأنه قد يعكر صفو الوضع القائم.

والمقصود بالوضع الراهن هو الترتيبات المعقدة بين الجماعات المسيحية والأسر المسلمة، وأيضا داخل جماعات مسيحية كثيرة، وضمن العائلتين الفلسطينيتين: جودة التي تحمل مفاتيح، ونسيبة التي لديها الحق في إغلاق وفتح الأبواب خلال اليوم.

ويقول نسيبة، “لا يجوز للحارس لمس مفتاح الباب، وعليه أن ينتظرني خارج الكنيسة، لأنه لا يسمح لأحد بفتحه.. فقط عائلتنا، عائلة نسيبة”.
ويعترف جودة بذلك قائلاً: ” أقوم فعلاً بإعطائه المفاتيح… وهو يقوم بفتح وإغلاق الباب. ولكنه بعد ذلك يقوم بإعادة المفاتيح لي”.

وتحت هذه القشرة الخارجية من الكياسة، لا يؤدي كل جانب من جوانب الترابط بين حامل المفاتيح وخادم الباب، العلاقات مهذبة. فلكل منهما ما يؤرقه. فيؤكد نسيبة، “في البداية، كنا مجرد عائلة واحدة تحتفظ بمفاتيح الكنيسة”.

ويحتج جودة قائلاً: “هذا ما تم النص عليه في الوضع الراهن، وتأكيده في 165 من المراسيم الملكية أو ‘الفرمانات” المختومة من 27 سلطاناً حكموا القدس، والمعترف بها من قبل الكنائس، وأيضاً، في اعتقادي، من قبل دولة إسرائيل، أن عائلة نسيبة هي حارس مفاتيح الكنيسة”.

ويقول نسيبة على مضض، “وأخيراً، في عام 1612، خلال الحقبة العثمانية، تلقت أسرة أخرى “فرماناً” وبدأت العمل معنا”.ويضيف، “عائلتي تلقت مفاتيح الكنيسة من السلطان صلاح الدين الأيوبي العظيم في عام 1187 بعد أن حرر القدس من الصليبيين”.
لا يستطيع المرء إلا أن يشعر بأن لغز الأقفال في الكنيسة، ومفاتيح الباب، هي صورة طبق الأصل عن توازن القوى داخل الكنيسة نفسها.

فالخلافات داخل كنيسة القيامة، لا تزال تعاني منها العلاقات المسكونية بين الكنائس ويبدو أن خطراً يطغى على العلاقات الأخوية على العائلات المقدسية الفلسطينية المعروفة لولا استمرار الوضع الراهن.

بقلم بيير كلوشيندلير/ وكالة إنتر بريس سيرفس

Share This