كنيسة الأربعين شهيد للأرمن الأرثوذكس في حلب

تعتبر مأثرة الكتاب المقدس المكتوبة في حلب عام 1355 الوثيقة الأولى التي تؤكد تواجد الطائفة الأرمنية في حلب. وقد كتبها أحد الكتبة رجال الدين ويدعى هوفانيس ويبدو أنه كان الأب الروحي للطائفة.

تم ذكر كنيسة الأربعين شهيد لأول مرة عام 1476 بالتوافق مع كنيسة السيدة العذراء في مأثرة الكتاب المقدس المزينة بالصور الذي كتبه الأب ميليكسيت في حلب.

سميت الكنيسة لذكرى الذين استشهدوا من أجل دينهم المسيحي في القرن الرابع في (سيباسديا) وقد شيّد ضريح لهم على طريق (أرزروم) حيث كان قد هدم لاحقاً حتى عام 1920. أما البيت الروحي التابع للقدس فقد بني عام 1624 بقرب كنيسة الأربعين شهيد كبيت أو نزل للحجاج الأرمن وهو الدليل القاطع على تواجد الأرمن في حلب بأعداد كبيرة.

ويروى أن موقع كنيسة الأربعين شهيد وكنيسة العذراء كان في سابق الأزمان مقبرة للمسيحيين الى جانب دير صغير. وكانت مقبرة الأرمن تلك قد وجدت منذ القرن الرابع عشر وحتى عام 1579 في محيط كنيسة الأربعين شهيد. وثم خصص قسم منها كمقبرة قديمة في باحة الكنيسة ولاحقاً أصبحت مكاناً لأضرحة رجال الدين والأعيان.

حتى تاريخ 1500 كانت تعتبر الكنيسة ديراً ومصلى، تستقبل 100 مؤمن فقط. وكانت المائدة المقدسة تظهر بشكل متواضع تحت قوس ترابي حيث يتوضع جرن العمادة الى يمينه.

في الأعوام، 1499-1501 تم توسيع الكنيسة الى الجهة الشرقية-الغربية بتبرع من الريس السيد يسايي. وهناك مخطوط يؤكد على ذلك اكتشفه مطران الأبرشية سورين كاتارويان في نيسان عام 2000. وهو معروض اليوم في الخزينة (زاريهيان) في باحة الكنيسة.

وتعتبر كنيسة الأربعين شهيد الكائنة في حي الصليبة في حلب منذ القرن الرابع عشر وحتى اليوم مقراً للمطارنة وكانت سابقاً مقراً للكاثوليكوس حيث كان يتم فيها مراسم رسم الكاثوليكوس والمطران. ففي عام 1664 تم رسم المطران يغكازار عنتابي على يد كاثوليكوس (سيس) خاتشادور كاغاداتسي الثالث (1657-1677)، وكذلك تم طقس كنائسي لمباركة الزيت المقدس (الميرون) عام 1849 على يد كاثوليكوس (سيس) ميكايل أتشاباهيان الثاني (1832-1855) وعلى يد كاثوليكوس (سيس) ساهاك خابايان الثاني في 23 أيار 1923. إضافة الى أن الدير القديم للكنيسة أضحى مكاناً لأضرحة الكثالكسة والمطارنة وأعيان الكنيسة. وهناك يرقد عدد من الكثالكسة أمثال أزاريا تشوغايتسي (1601) من كرسي (سيس) المقدس وبدروس كاركاريتسي (1608) ومكرديج كيفيزيان (1894) وبابكين الأول أتوراكيتس (1936) . وتم نقل رفاة الأخير بتاريخ 29 ايلول 1966 الى ضريح (زاريهيان) في أنطيلياس بطلب من الكاثوليكوس خورين الأول.

وفي عام 1499-1500 وبتبرع من أعيان الطائفة الريس السيد يسايي، تم بناء ( البوابة الملكية) أي المطرانية في باحة الكنيسة التي وصفها لأول مرة الرحالة سيميون ليهاتسي عام 1616. كما وأضحت المطرانية التي تم توسيعها فيما بعد مقراً مؤقتاً لكثالكسة (سيس) وازدهرت فيها مدرسة للفن والعلوم المشهورة في حلب وتدعى (تاسادون) (في القرنين السادس عشر والسابع عشر).

تم إعادة بناء كنيسة الأربعين شهيد عام 1616 وتوسيعها الى الجهة الجنوبية الغربية بتبرع من الأمير بيديك خوجا تشيليبي وهو من شريحة أمراء أرمن حلب، بإشراف شقيقه خوجا صانوص تشيليبي بحضور كاثوليكوس كيليكيا هوفانيس عنتابي ورئاسة المطران خاتشادور كاركاريتسي. وقد أشير الى توسيع الكنيسة الثاني في نسخة الكتاب المقدس المكتوبة في حلب من قبل ليهاتسي فارتان والمزينة من قبل أمتيستي إسرايل.

وتوجد هذه النسخة التي أهداها خوجا صانوص تشيليبي الى الكنيسة عام 1624 في مجموعة المخطوطات الأرمنية في المكتبة البريطانية في لندن.

من الجدير ذكره أنه خلال توسيع الكنيسة في المرة الثانية تم الاحتفاظ على الدير والقسم الذي بناه الريس السيد يسايي. وعلى الرغم من أن سيميون ليهاتسي قد ذكر في مذكراته أن الكنيسة المحدثة لها قبة، إلا أن الكنيسة لا تملك قبة حالياً. وبذلك، كانت الكنيسة تتعرض للترميم والتحديث على الدوام. وفي عام 1733 تم وضع كرسي المطران في القسم اليميني.

تم تحديث الأيقونات في عهد المطران كابرييل سيباسداتسي (1762-1768) ، حتى أيقونة المائدة المقدسة التي لا تقدر بثمن (1720) تم ترميمها عام 1768 وأعيد تدشينها. وفي عهد المطران سيميون (1796-1818) جرى ترميم عام للكنيسة وبتبرع المؤمنين تم تزيين الكنيسة أيضاً. وفي عام 1834 قام المطران مرقس (1829-1837) بترميم شامل للكنيسة أما في 1845 فقد تم تحديث الباحة والجدار الخارجي في عهد المطران بيكوغوس كوليسينيان (1844-1855).

وفي عام 1874 تم إضافة الشعرية (العليّة) الى الكنيسة حسب ما كتب على المدخل اليميني من الكنيسة.

وفي عام 1888 تم بناء جرن العمادة في الجدار الشمالي من الكنيسة.

لقد تم ترميم وتحديث الكنيسة مرات عدة خلال القرن العشرين وخاصة في النصف الثاني منه.

لم تشمل الكنيسة على جرسية حتى عام 1911. وقد تم بناؤها عام 1912، كما تم إضافة الجرسية الرئيسية عند الكاثوليك عام 1929، بتبرع من رزق الله جورج طحان المقيم في البرازيل. حيث ذكر كل ذلك في نسخ من كتب حيث أشير الى أسماء المتبرعين.

تم إعادة بناء الهيكل الرئيسي الموجود في وسط الكنيسة بطابع أرمني عام 1965 في عهد المطران غيفونت تشيليبيان، صممه ونفذه المهندس كيفورك إيمنيان من بيروت. وتم إعادة بناء الموائد اليمينية واليسارية بطابع أرمني عام 1985 بتبرع من مانويل ماهسيريجيان من حلب، صممها ونفذها المهندس سركيس بالمانوكيان. وفي عام 1993 تم بناء المذبح في كنيسة القديس سركيس بتبرع من د. كارو ناربيكيان من حلب.

وفي 28 أيار 1989، تم وضع نصب تذكاري لشهداء المجازر في الجهة الشمالية من باحة الكنيسة، بتبرع من الأخوة كارو وديران كلجيان من حلب. صممه المهندس سركيس بالمانوكيان ونفذه المهندس كيفورك يراميان من حلب.

وفي عام 1992 تم تحجير الجدار بتبرع من السيدة أراكسي فتال من حلب. وفي عام 1955، تم ترميم الدير القديم بطابع أرمني بتبرع من هراتش هاكوبيان وابنه، صممه المهندس سركيس بالمانوكيان ونفذه المهندس كيفورك سركيس. تم تدشين المائدة المقدسة رسمياً في 23 ايلول 195 على يد مطران الأبرشية سورين كاتارويان.

وفي 6 تشرين الأول 1996، تم وضع نصب تذكاري لذكرى شهداء (دارون) في الجهة الشرقية من الباحة بتبرع من جمعية دارون دوروبيان، صممه المهندس فيكين بيرتيزيان ونفذه الأخوة الفنانان مكرديجيان من أرمينيا.

وتشمل الكنيسة أيضاً على المطرانية القديمة ومركز مدارس الأحد لكنيسة الأرمن وقاعة (نيكول أغباليان) للجمعية الثقافية (هامازكايين) وقاعة (أفيديس أهارونيان) ومدرسة هايكازيان للبنات.

من الجدير ذكره، أنه في الفترة ما بين من يوم الأحد الواقع في 6 تشرين الثاني 1932 ويوم الأحد في 13 منه تم الاحتفال بذكرى مرور 300 عاماً على إعادة ترميم الكنيسة (1616) في عهد المطران أردافاست سورمييان. وضمن احتفالات ذكرى مرور 1700 عاماً على اعتناق المسيحية رسمياً في أرمينيا، تم الاحتفال بالذكرى 500 لتوسيع الكنيسة (1500) برعاية الكاثوليكوس لبيت كيليكيا أرام الأول ورئاسة مطران الأبرشية سورين كاتارويان في 26 نيسان 2000.

وخلال الـ 500 سنة الماضية، أضحت كنيسة الأربعين شهيد بتاريخها ورسالتها شاهداً حياً على إيمان الأرمن في حلب وآلامهم وازدهارهم ونهضتهم وإبداعاتهم. وفي كل عام، يتم الاحتفال باسم الكنيسة بشكل رسمي.

 

ملحق أزتاك العربي

Share This