الصليب المقدس والكنيسة الأرمنية

تزامنت زيارة قداسة الحبر الأعظم البابا بندكتس السادس عشر التاريخيّة الى لبنان مع عيد الصليب المُحيي، ويُدرك قداسته القلق الذي يُعاني منه المسيحيّون في لبنان وسائر بلدان الشرق الأوسط،

ويشّجعنا على حمل صليبنا ناظرين الى يسوع المصلوب كي نستلهم منه الايمان الذي يهدينا الى الخلاص والنعيم السماويّ.

أتقدران أن تشربا الكأس التي سأشربها ؟ (متّى 20 : 22)

سؤال طرحه السيّد المسيح على ابني زبدى يعقوب ويوحنّا، وما زال يسأله كُلاًّ منّا. لقد أحبّنا يسوع المسيح حتّى الموت موت الصليب.. لتكون لنا حياة أبديّة. وكي نقتدي به، له المجد، بتحمّلنا صعوبات الحياة وبتقبّلنا لواقع الألم بفرح وشجاعة.

كما أنّ الصليب ليس حلية نلبسها بل رمزاً نفتنخر به يُذكّرنا بصليب السيّد المسيح، وحافزاً لمشاركتنا آلام المصلوب، عبر مشاركتنا في آلام الآخرين ورفع معنويّاتهم… حينئذ نكون قد عبّرنا عن محبّتنا للقريب بطريقة سامية.

أعياد الصليب في الكنيسة الأرمنيّة

تنفرد الكنيسة الأرمنيّة بالاحتفال بعيد الصليب أربع مرّات في السنة. ويُحتفل بعيد “ارتفاع الصليب” (Khachve’ratse) يوم الأحد الأقرب من تاريخ 14 أيلول ويُعَدّ من الأعياد الكبيرة الخمسة. واللفظة باللغة الأرمنيّة تعني رفع الصليب عالياً بكلّ فخر ، وإفساح المجال لجميع المؤمنين برؤية الصليب لتمجيد السيّد المسيح المصلوب. وتشمل صلوات العيد فعل تكريس الحقول ويُزيّن الصليب بباقات الريحان الذي يرمز الى ملوكيّة السيّد المسيح ” الملك السماويّ ” . كما ويُبارك الكاهن زوايا الكنيسة الأربع لأنّها ترمز إلى جهات العالم الأربع . ويوم العيد يقدّم المؤمنون التهنئة لكلّ من يحمل اسم خاتشيك وخاتشادور وخاتشو المنسوبة الى الصليب الكريم المُحيي. ويُخصَّص يوم الاثنين الذي يلي العيد لتذكار الموتى.

وهناك ثلاثة أعياد أخرى للصليب وهي: “ظهور الصليب المقدّس”. وصليب “فاراك” Varak : إحياءً لذكرى عبور الصليب عبر الأراضي الأرمنيّة بعد استعادته من الفرس. وأيضاً عيد “اكتشاف الصليب” على يد الملكة القدّيسة هيلانة.

الحدث التاريخي

في بداية القرن السابع عام 610 م احتلّ الفرس مدينة القدس، وحرقوا كنيسة القيامة كما نهبوا الصليب المقدّس. في عام 628 للميلاد قاد الإمبراطور البيزنطي هرقل قوى متعدّدة الأجناس بما فيهم جنود أرمن لمهاجمة الجيوش الفارسيّة، وتمكّن من دحرهم والتغلّب عليهم كما استعاد الصليب المُحيي.

وفي طريق العودة إلى القدس، حمل الجيوش الصليب المقدّس الى أرمينيا ورفعوه عالياً كي يتمكّن الجميع من مشاهدته والتبرّك به. وعبروا (إيرزروم ) ثم توجّهوا إلى القسطنطينيّة. وإحياءً لهذه الذكرى يحتفل الأرمن ب “عيد ارتفاع الصليب” (خاتشفيراتس) سنويّاً. لقد شارك الأرمن في الجهاد من أجل استعادة الصليب المقدّس وكان مروره في أراضي أرمينيا حدثاً مباركاً فريداً من نوعه.

بعض المعاني والرموز

غالباً تحمل الكنائس الأرمنيّة في تركيبتها وهندستها المعماريّة شكل الصليب. وجميع الصلبان التي تستعملها الكنائس يُصلّى عليها وتُمسح بالزيت في المركز والأطراف الأربعة. لا يظهر المصلوب على الصلبان الأرمنيّة للتأكيد على قيامة المسيح المجيدة. أمّا تزيين الصليب بورق الكرمة فيرمز إلى الحياة التي تنبعث من الصليب المُحيي. وعناقيد العنب على جانبي الصليب ترمز الى دم المسيح الكريم. ودرجت العادة أن يهدي الأشابين الأطفال “صليبا” لدى قبولهم سرّ العماد المقدّس. ويتميّز الأرمن منذ القرن التاسع للميلاد بفنّ الKhachkar أي حفر الصليب على الحجارة مزداناً ومُحاطاً بزهور ورسومات أخرى منمّقة. وأحياناً يحوي إطاراً مع رسومات لقدّيسين أو شخصيّات من الكتاب المقدّس.

شجرة الحياة

يرى الأرمن في الصليب المقدّس أداة استخدمها المسيح كي يبذل نفسه حتى الموت من أجل خلاص البشريّة جمعاء التي أحبّها وما زال يحبّها حبّاً جمّا. كان الصليب قبل صلب السيّد المسيح أداة تعذيب ووسيلة عقاب وشجرة الموت، وبالمصلوب صار مقدّساً يرمز الى شجرة الحياة. وهو الدليل الحيّ بأن السيّد المسيح افتدانا وخلّصّنا ويمدّ لنا يد العون دوماً في الملمّات، كي نصبح جديرين بمحبّته، رغم نقائصنا الطبيعيّة البشريّة التي تميل الى مقاومة النعمة ورفضها بالخطيئة.

مسك الختام

إكرامنا للصليب المقدّس ليس ضرباً من الوثنيّة. ومن البديهيّ أنّ هذا التبجيل لا يعني شيئاً لغير المؤمنين الذين لا يُدركون الدافع القويّ الذي يجعلنا نتخّذ من الصليب نواة حيّة لتقوانا (1 كورنثوس 1 : 17 وتابع).

ولادتنا من جديد كلّفت المسيح ثمناً باهظاً جداً ألا وهو موته على الصليب. لذلك تبقى اشارة الصليب رمزنا الذي نتباهى به لدى ممارستنا أسرار الكنيسة وفي حياتنا اليوميّة. لقد نزل ابن الانسان من السماء ورُفِع على الصليب لكي لا يهلك أحد بل لينال الجميع الخلاص الأبديّ.

وكلّ عام وأنتم بخير!

أشخين ديمرجيان / عن أبونا

Share This