جريدة الرأي الأردنية تتناول أهمية الكتاب في أرمينيا

يريفان عاصمة للكتاب العالمي

ربيكا ملكيان –  لم يأت اختيار اليونسكو يريفان عاصمة للكتاب العالمي انطلاقاً من عدد سكانها الذين لا يتجاوزون المليون من بين سكان أرمينيا التي تبلغ ثلاثة أضعاف هذا الرقم. ولم يكن الاختيار مقروناً بالمساحة التي لا تزيد على 26 كم مربع، بل جاء اختيار المدينة بعد بوينس آيرس عاصمة الأرجنتين للحجم الكبير الذي تسهم فيه بالإنتاج المعرفي المكتوب، ولتاريخ اهتمامها بالمورث الإنساني للكتابة والحرف على اختلاف مصادرها ولغاتها، وهو اهتمام ينطلق من حب للكتاب يصل إلى القداسة.

جاء رهان اليونسكو على أن الكتاب هو الوسيلة لحفظ الجينات التاريخية للإنسانية، وحماية التراث البشري المدون الذي يعيد إنتاج دورة الحياة.

هي عناية أبدتها المنظمة العالمية لاهتمام الإنسان العادي بالكتاب الذي يشكل غذاء روحيا وعقليا يوازي غذاء الجسد والنفس، ويتبدى فيما تبذل القطاعات الرسمية والشعبية من اهتمام بالمطبوعات وتوزيعها، نجده عند اتحاد كتاب أرمينيا الذي تأسس العام 1948 وينتسب له نحو 500 عضو، وأصدر خلال العام الجاري نحو 1200 كتاب في صنوف الأدب، بينها ترجمات إلى اللغة الأرمنية عن الأدب العربي وقت كانت بيروت عاصمة الكتاب العالمي عام 2009 ، وضم الكتاب نصوصاً لأدونيس وأنسي الحاج، عبده وازن، ومحمد علي شمس الدين، وغيرهم، وللحقيقة فهي خيارات منتقاة بدقة تمثل راهن الخطاب الشعري في لبنان.

خلال لقاء مع رئيس اتحاد الكتاب الأرمن تحدث عن نية الاتحاد للقيام بترجمات عربية لمبدعين أردنيين، وكتاب عرب لرغبة في الانفتاح على الأدب العربي، لافتاً إلى مخطوطات في المتاحف الأرمنية، بعضها يعود لآلاف السنين، ومنها مخطوطات لابن سينا والسهروردي، وكتب في الطب والعلوم والفقه واللغة مكتوبة بخطوط النسخ والرقعة والفارسي وصلت إلى أرمينيا في العهد الأموي وما بعده، وما تزال محفوظة في المتحف الوطني الذي يضم عشرات الآلاف من المخطوطات في كل اللغات، وبينها الكتب المقدسة على الجلد والورق، وهو متحف كبير يقع في قسمين يمتد على مساحة كبيرة في عدد من الطبقات، والجديد منه يتوفر على غرف تشبه «قاصات» لحفظ الكتب، بينما القديم يتصل بجبل لحماية الكتب وقت الكوارث.

هي فكرة تتصل بوجدان الإنسان الأرمني الذي يمثل الكتاب ذاكرته وجرحه، ويرتبط بهويته التي طالما عانت من محاولات المحو، وخصوصاً وقت الكارثة التاريخية التي وقعت عام 1915 بالهجرة والمذبحة.

من بين الصور التي يضمها المتحف لقطات لأطفال مهاجرين ينامون على رفوف بطبقات فوق بعضها بعضا وهم يمارسون المطالعة.

فكرة المتحف جاءت لحماية الذاكرة بالتدوين التي وصفها الروائي اللاتيني ماركيز بأنها «حياة ثانية»، وهو سلوك فطري عمد إليه كثير ممن عانوا الهجرة بكتابة المذكرات واليوميات التي حفظت في متحف المذبحة الذي يقام على تلة في العاصمة الأرمنية واسمها «قلعة السنونو»، ويستعد المتحف لإنشاء مكتبة بصرية ومقروءة تضم كل ما كتب عن الهجرة والمذبحة التي راح ضحيتها نحو مليون ونصف المليون من الأرمن.

ثمة حكايات تشبه الأساطير عن الكتاب في أرمينيا التي أهلت المدينة لتكون عاصمة للكتاب، منها: أن إحدى الأمهات وقت الهجرة وضعت طفلها على صدرها، وحملت على ظهرها بعض الكتب النفيسة، وأخرى قسمت الكتاب وحزمته على ظهر كل طفل، ونهاية الحكاية أن الطفلين تعرفا على بعضهما بعضاً بإكمال نصفي الكتاب.

من القصص التي تؤكد أهمية الكتاب، ما يحكي وقت غزو تيمورلنك لأرمينيا وتهديد ولاية جوشا بالموت إن لم يقودوه إلى مخابئ الذهب، فأشير عليه بالتهديد بحرق المكتبة، فخاف الناس على ذاكرتم وهويتهم وإرث الإنسانية، فمنحوه الذهب مقابل نجاة الكتب. ثمة مغزى في الحكاية، لكن الكتب التي حال الذهب بينها وبين النار، حكم عليها وقت ستالين بالموت حرقاً لتتحول إلى رماد، وتذروها الرياح بما فيها من أسرار ومعارف.

حسنا، لقد تم اختيار عاصمة أرمينيا التي صادف عيد استقلالها قبل أيام عاصمة للكتاب العالمي للعام 2012. السؤال، هل للمكان والجغرافيا والتاريخ، ووقوعها بين الشرق والغرب، وجمالها وانفتاحها علاقة بالذاكرة والكتاب؟

هي قراءة «جغرا معرفية» لدور المدينة في صناعة الثقافة الإنسانية. والسؤال أيضاً، هل ثمة علاقة بين ذاكرة الجرح، وذاكرة المعرفة؟  يقول: الروائي التركي يوهان باموك الحائز على نوبل: “حين نحاول كبح الذكريات، ثمة على الدوام ظل منها يعود ويطفو..، إنني ذاك الظل الذي يعود..”. الكتاب ليس مرآة الذات، بل ذاكرة الآخر.

الرأي الأردنية

Share This