يجب على الصين أن تنتقم من تركيا
باعترافها بالإبادة الأرمنية

يبدو أن رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان يمارس عادة سيئة وهي أنه من حين لآخر يتهم بلداناً عديدة أنهم ارتكبوا إبادة جماعية. وبهذا يكون رجل الدولة التركي قد خلق فرصاً جديدة لتأجيج مسألة الإبادة الأرمنية من قبل الصحافة العالمية دون أن يدري.

SEP09_China_Mapفي شهر كانون الثاني من هذا العام، اتهم رئيس الوزراء التركي اسرائيل بأنها ارتكبت جريمة إبادة جماعية خلال هجومها على غزة. وقام العديد من القادة الاسرائيليين وممثلي وسائل الاعلام بالرد على تلك الاتهامات وذكروا أن القادة الأتراك هم آخر من يتحدث عن الإبادة الجماعية، نظراً لأن بلادهم ملامة في الإبادة الأرمنية. مما أغضب بعض أعضاء الحكومة الاسرائيلية لدرجة أنهم هددوا بالانتقام بالاعتراف بالإبادة الأرمنية.

وفي بداية شهر تموز عاد أردوغان الى موضوعه المفضل، وهذه المرة باتهام الصين بارتكاب إبادة جماعية. كان غاضباً بأن يقتل بضع عشرات من الأوغور المسلمين الناطقين بالتركية في مقاطعة شينغيانغ خلال اضطرابات مع الصينيين الهان الذين دفعوا الثمن بأعداد أكبر من الضحايا.

وبحسب تقرير لوكالة رويترز صرح أردوغان في 10 تموز أن ” الأحداث التي شهدتها الصين لا تعدو كونها أعمال إبادة جماعية، ولا يمكن وصفها بغير ذلك ” . كلمات أردوغان غير الحكيمة أثارت على الفور ردوداً في الصحافة العالمية حيث أشارت الى حماقته في توجيه اتهامات لغيره، آخذين بعين الاعتبار وضع بلاده السيء في مجال حقوق الأقليات وكذلك مسؤوليتها في الابادة الأرمنية.

كتبت مجلة “الإيكونوميست” أنه ” في الأيام القليلة الأخيرة صعدت المواقع الالكترونية الصينية من تأييدها للأكراد الانفصاليين “. وهذا الموضوع لم يسمع به في الصين قبل اتهام أردوغان لها بالإبادة. ذكرت المجلة أيضاً أن تركيا “تجد نفسها حالياً في حزام ناري”.

وبالإشارة الى موقف أردوغان من وصف المواجهات الحاصلة في الصين على أنها إبادة فإن “الأسوشييتد بريس” خصصت مقطعاً كاملاً عن الإبادة الأرمنية: ” تركيا بالذات سريعة التأثر حيال استخدام تعبير “إبادة” . وأرمينيا تصر على أن مليوناً ونصف المليون أرمني قتلوا على يد الأتراك العثمانيين خلال فترة الحرب العالمية الأولى، بحيث يعترف الأرمن والعديد من الدول على أنها أول عملية إبادة في القرن العشرين..”.

وكذلك أشارت “رويترز” الى اتهامات أردوغان للصين بالإبادة وذكرت أن ” لقب الابادة تحديداً أمر حساس جداً في تركيا، وهذا ما ينفي قطعياً الإصرار الأرمني أن قتل الأرمن على يد الأتراك العثمانيين في الحرب العالمية الأولى هو إبادة جماعية”.

سخرت الصحفية سيلفيا هيو في “إيجيا سينتينل” في هونغ كونغ من استخدام أردوغان لتعبير إبادة جماعية على نحو غير حكيم. وكتبت: ” إن ما يثير في ذلك الاتهام ليس الإعلان عنه ببساطة وسذاجة فحسب (خاصة وأن تركيا سريعة التأثر بوصف كلمة الإبادة، علماً أن الأرمن يتهمون الأتراك العثمانيين أنهم ارتكبوا بحقهم أول إبادة في القرن العشرين)، بل لأنه متناقض حيال أمور أخرى ذكرها أردوغان في المناسبة نفسها … على أية حال، يترك القائد التركي ذلك الانطباع أنه مخادع ويرغب بشدة بإرضاء أوغور تركيا، بحيث لم يخصص الوقت الكافي للتفكير قبل أن يقوم بذلك التصريح القاسي”.

كما انضمت الصحيفة التركية اليومية “راديكال” للجدال واقتبست جزءاً من افتتاحية “أرمينيان ريفيو” الصادرة في بوسطن حول إدانة أردوغان الساخرة للصين. ” من يعيش في بيوت زجاجية يجب ألا يرمي الحجارة على غيره “، بهذا تلوم الافتتاحية أردوغان “بأنه تجرأ واعتبر قتل بضع عشرات من الأوغور إبادة جماعية، بينما تستمر دولته بإنفاق ملايين الدولارات لإنكار قتل مليون ونصف المليون أرمني” . وتختم “راديكال” مقتبسة من خاتمة الصحيفة الأرمنية: ” وأخيراً، حتى وفق التقارير التركية الرسمية، قتل أكثر من مئة وخمسين شخصاً عام 1915 ” .

كانت الصحافة الصينية الرسمية أكثر نقداً حيال أردوغان، وهذا ليس بغريب. كتبت صحيفة “بيبلز ديلي” في 14 تموز ما يلي: “شعر العديد من المواطنين الصينيين بالإهانة بسبب التصرفات التركية ويقترحون أن تغير الصين من موقفها إزاء حزب العمال الكردستاني وتدعم مساعيها للاستقلال ، لتكون بذلك قد أرغمت تركيا بدفع ضريبة سياسية كبيرة. في السابق كانت تركيا متهمة من قبل الغرب بارتكابها إبادة جماعية في أرمينيا وكذلك ملاحقاتها ضد حزب العمال الكردستاني خلقت الكثير من العداوات”.

كما نشرت صحيفة “بيبلز ديلي” رسائل عديدة تنتقد فيها تركيا، يذكر في واحدة منها: ” كانت المذابح الكردية في تركيا نوعاً من الإبادة الجماعية والنازية. إن ربط الصين بالإبادة الجماعية يشبه اللص الذي ينادي: توقف أيها اللص”.

“تشاينا ديلي” صحيفة صينية يومية أخرى طالبت أردوغان في افتتاحيتها تحت عنوان “لا تغيروا الحقائق”  “بسحب تصريحاته التي تعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية للصين”.
ورداً على اتهامات أردوغان الهيستيرية يمكن للصين أن تتخذ الوسيلة الأكثر فاعلية وهي أن يتبنى برلمان الصين مشروعاً للاعتراف بالإبادة الأرمنية.

هاروت صاصونيان
رئيس تحرير “كاليفورنيا كورييه”
23 تموز 2009

Share This