ما علاقة أنستاس ميكويان بفيدل كاسترو وسر الصواريخ الكوبية!

قام الصحفي جو ماتيوس بإعداد فيلماً قصيراً عن قضية الصواريخ الكوبية السرية، حيث يركز على دور أنستاس ميكويان في إقناع فيدل كاسترو وتهدئته، وكتب المقالة التالية عن ذلك في مجلة نيو ماغازين – بي بي سي تحت عنوان “أكثر من 100 سلاح نووي كانت في أيدي الكوبيين دون علم أمريكا” ليكشف سر الصواريخ الكوبية.

“على العكس مما يعتقده الكثيرون، لم تنته أزمة الصواريخ الكوبية بالاتفاق الذي حدث بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في أكتوبر عام 1962. ولم تكن الولايات المتحدة في ذلك الوقت على علم بأن هناك أكثر من 100 سلاح نووي آخر في أيدي الكوبيين أيضا، وهو الأمر الذي دفع روسيا لشن حملة مسعورة وماهرة لاستعادة تلك الأسلحة.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2011، ومع علمنا بأن هناك أقل من عام على الذكرى الخمسين لأكثر الأسابيع خطورة في التاريخ، توصلت أنا وزميلي الروسي باشا شيلوف إلى روايات جديدة غيرت مفهومنا عن أزمة الصواريخ الكوبية وحددت مدى معرفتنا بتلك القضية.

وبما أنني نشأت في مقاطعة بيركشاير في بريطانيا، وخلال فترة الرعب النووي الذي ساد الثمانينيات من القرن الماضي، وصواريخ رونالد ريغين الباليتسية وصورايخ “بيرشينغ” التي كانت تقع على بعد 30 ميلا من منزل عائلتنا، كانت دعايات الحرب الباردة محفورة في ذهني. أما زميلي باشا فقد نشأ في موسكو، ووصف الحال من وجهة نظر السوفيتيين وكيف كان مستوى الرعب هناك مساويا لما كنا نعانيه أيضا. إلا أن ماعرفناه الآن عن أحداث أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني عام 1962 جعلنا نعقد مقارنة لتكوين رؤية أكثر دقة، وأثار لدينا دهشة ورعبا أكبر.

وفي إطار التحقيقات التي نقوم بها، توجهنا إلى سانت بيترسبيرغ وجمعية المحاربين القدامى من البحارة السوفييت مرورا بأرشيف الأمن القومي في واشنطن، حيث أخبرنا سفيتلانا سافرانسكافا، مدير الأرشيفات الروسية هناك، بقصة مذهلة.

كانت هناك أزمة صواريخ ثانية غير معلنة استمرت حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني عام 1962 مهددةً بوقوع خطر حرب نووية كارثية. وقد أدى ذلك إلى طول فترة أزمة الصواريخ المعروفة لتتجاوز السابع والعشرين والثامن والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول، وهو التوقيت الذي ينظر إليه على أنه لحظة انتهاء الخطر، وذلك مع الاتفاق الذي جرى بين كينيدي وخروتشوف لسحب الصواريخ السوفييتية مقابل وعد من الأمريكيين بعدم غزو كوبا.

وظهرت أزمة الصواريخ السرية نظرا لمزيج من النفاق السوفييتي وإخفاقات المخابرات الأمريكية والمزاج المتقلب لفيدل كاسترو. وبعد خروجه كطرف من المفاوضات الرئيسية التي كانت تجري بين القوى العظمى حول مصير الصواريخ السوفييتية بعيدة المدى والمتمركزة في كوبا، بدأ الرئيس الكوبي فيدل كاسترو وقف التعاون مع موسكو.

جائزة لكاسترو

وخشية أن يؤدي كبرياء كاسترو المجروح وحالة السخط لدى الكوبيين جراء التنازلات التي قدمها خروتشوف لكينيدي إلى انهيار الاتفاقية بين القوى العظمى، أعد الزعيم الروسي خطة يعطي من خلالها كاسترو جائزة يواسيه بها. وكانت تلك الجائزة عرضا بأكثر من 100 سلاح نووي تكتيكي جرى شحنها إلى كوبا مع الصواريخ بعيدة المدى، إلا أن رادارات الاستخبارات الأمريكية كانت قادرة على التقاطها. وقال خروتشوف: “بما أن الأمريكيين لم يدرجوا تلك الصواريخ على قائمة طلباتهم، فقد كان الإبقاء على تلك الصواريخ في كوبا يخدم مصالح السوفييت جيدا”.

وكُلف أنستاس ميكويان الرجل الثاني في الكرملين بالسفر إلى هافانا ولقاء كاسترو لتهدئته من خلال تقديم ما بدا أنه عرض لا يمكن للأخير رفضه. ورغم أن زوجته كانت تعاني من مرض شديد، إلا أن ميكويان قبل بالمهمة لإدراكه أن العلاقات المستقبلية بين كوبا والاتحاد السوفييتي كانت على المحك. وبعد وصوله إلى كوبا بوقت قليل، تلقى رسالة تحمل إليه نبأ وفاة زوجته، إلا أنه تعهد بالبقاء في كوبا واستكمال مفاوضاته مع كاسترو.

وفي الأسابيع التي تلت ذلك، أبقى ميكويان أمر نقل الأسلحة إلى موسكو سرا في نفسه، بينما كان يراقب الحالة المزاجية المتقلبة والخوف الذي كان يتملك الزعيم الكوبي من أن موسكو قد تتخلى عن فكرة دفاعها عن كوبا. وكان كاسترو قد أبدى اعتراضا بشكل خاص على طائرات المراقبة الأمريكية التي كانت تجوب الأجواء الكوبية باستمرار، لذا أصدر ميكويان أوامره لسلاح المدفعية المضادة للطائرات في كوبا بأن يتصدى لتلك الطائرات. وإدراكا منها لمدى حساسية العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا بعد أسوأ أزمة منذ الحرب العالمية الثانية، تم إبقاء القوات الأمريكية على مستوى العالم على الدرجة الثانية من وضع التأهب الدفاعي لديها.

ثم توصل ميكويان بعد ذلك إلى قرار شخصي بأنه لن يسمح تحت أية ظرف بمنح كاسترو وجيشه حق التحكم في أسلحة لها قدرة تفجيرية توازي 100 قنبلة كتلك التي ألقيت على هيروشيما. وعمل ميكويان بعد ذلك على تخليص موسكو من وضع صعب كان يحمل في طياته مخاطرة بأن تنفجر الأزمة بأكملها في وجوه كل من كينيدي وخروتشوف.

وفي الثاني والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1962، وفي لقاء شابه التوتر واستمر لأربع ساعات اضطر فيها لاستخدام أساليب الاقناع الدبلوماسية الملتوية، نجح ميكويان في إقناع كاسترو أنه بالرغم من وجود النوايا الحسنة لدى موسكو، إلا أن نقل تلك الصواريخ بشكل دائم إلى الكوبيين ومنحهم سلاحا نوويا مستقلا ورادعا يعد خرقا لقانون سوفييتي غير معلن ولم يكن له وجود في الحقيقة.

وأخيرا وبعد تلك الورقة الرابحة التي استخدمها ميكويان، اضطر كاسترو لأن يخلي سبيل تلك الأسلحة النووية التكتيكية التي لديه بأن يجري شحنها ونقلها عبر البحر إلى الاتحاد السوفييتي في ديسمبر/كانون الأول عام 1962.

تأتي تلك القصة الآن لتلقي الضوء على صفحة من التاريخ كانت قد طويت بشكل جزئي على مدى الخمسين عاما الأخيرة. لكنها تزيد من احترامنا لميكويان وقدرته على تقدير واحتواء ذلك الوضع شديد الخطورة الذي كان من شأنه أن يتحمل تبعاته الملايين من البشر”.

يذكر أن أناستاس ميكويان (1895-1978)، هو رجل دولة سوفيتي أرمني. اعتبر الرجل الثاني الأقوى في الاتحاد السوفيتي، شغل منصب رئيس مجلس السوفييت الأعلى. شقيقه أرتيم ميكويان هو من أنشأ وصمم الطائرة العسكرية السوفيتية المعروفة “ميغ”.

ملحق أزتاك العربي

Share This