التركمان في العراق وموقفهم السياسي في إطار الحفاظ على الوحدة العراقية (القسم 2)

TurkmenMapحول المسألة التركمانية

برزت المسألة التركمانية مع حرب الخليج الأولى عام 1991 والاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وخاصة حول مستقبل وضع مدينة كركوك محط أطماع حية والمطالبة من قبل الأثنيات العربية والكردية. بدعم من الجارة تركيا، أنشأ المجاهدون التركمان بنية سياسية في المناطق المستقصاة جوياً تحت رقابة كردية مؤسسين في إربيل في 24 نيسان عام 1995 ما سمي فيما بعد الجبهة التركمانية العراقية. منذ البداية أوصت الجبهة منظمة جمعية على نمط منظمة التحرير الفلسطينية التي تجمع قرابة ست تجمعات سياسية من اتجاهات قومية-علمانية أو قومية-اسلامية.

تأملت هذه المنظمات بقدراتها المتواضعة بالوحدة بضم قواتها بهدف تشكيل مخطط مشترك للمطالبة والتحرك بشأن الدفاع عن الحقوق الشعب التركماني.

في منتصف التسعينات أثارت الحرب الأهلية بين الأكراد الغيظ. بينما الأخوة أعداء حزب كردستان الديموقراطي لمسعود البرزاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني لجلال الطالباني قد تمزقت بين بعضها البعض، المجاهدون التركمان (وكذلك العراقيين المعارضين الآخرين اللاجئين في إربيل) ضحوا من قبل حزب كردستان الديموقراطي مقابل مساعدة عسكرية من صدام لمواجهة قوات UPK التي تهدد بجدية بالاستيلاء على إربيل[1].

تشكل مدينة كركوك، الغنية بالنفط، مركزاً للمسألة التركمانية وتغدو مادة لخصومة وتفصل بين الجماعات العربية والكردية والتركمانية منذ أكثر من نصف قرن.

إن الإمساك بالسيطرة على هذه المدينة الاستراتيجية في عام 2003 من قبل ميلشيات البيشمركا التابعة لحزب كردستان الديموقراطي (إن حزب كردستان الديموقراطي قوي بدعم الائتلاف الحليف) وكذلك سياستهم في تحويل المؤسسات المحلية للمدينة الى كردية قد قلب التوازن الديموغرافي، ما كان يلائم سابقاً التركمان الذين يعتبرون كشعب أصلي[2].

في عام 2005 حصل الأكراد على 26 مقعداً من أصل 41 مخصصة لمجلس إقليم كركوك. في حين رغم أن الأحزاب التركمانية السياسية تزعم أن مواطنيهم يمثلون تقريباً 15% من سكان العراق، نستخلص بأن منذ الانتخابات التشريعية عام 2005 تعاني هذه الجماعة من عجز فاضح للتمثيل السياسي، حيث يوجد تسع نواب تركمان فقط في البرلمان العراقي.

ومن جهتها فإن الجبهة التركمانية العراقية لا تتصرف إلا بمقعد واحد يشغله رئيسها الدكتور صلاح الدين إركيش. أما النواب الثمانية الباقون التابعة للأثنية التركمانية منضمين لقوائم الأحزاب الشيعية العراقية المؤيدة للسيستاني من حزب الدعوة (قوائم الشيعية لتحالف الوحدة العراقية).

حال مواقع القوى التركمانية السياسية

الجبهة التركمانية العراقية مجهزة بمكاتب في المدن الرئيسة في العراق وتحوي جماعات تركمانية قوية.

من جهته يحتل مكتب أنقرا مكاناً متقدماً في الخطة بسبب دوره في التعبئة لدى السلطات والرأي العام التركي[3]، وكذلك لوسائله اللوجستية في الاتصالات والبث.

وللدلالة فإن أماكن الجبهة التركمانية العراقية في أنقرا تأوي ستوديوهات قناة التلفزيون الوحيدة Turkmeneli TV (مقره الرئيسي موجود في كركوك).

إضافة للموقع الالكتروني الرسمي للجبهة التركمانية العراقية، والمتوفرة بست لغات، ويعاد تفعيله باستمرار من قبل المحاربين في الجبهة في تركيا[4].

كما تعد الجبهة التركمانية العراقية صحافة مكتوبة من مكاتب عديدية من دمشق وبرلين وباريس ولندن ونيويورك. وضمن هذه الرؤية يلعب مكتب أنقرا دور المنسق بين العديد من الممثلين المنتشرين في العالم. وتوضح القائمة التالية الأحزاب والتجمعات المختلفة التي دخلت في بنيان الجبهة التركمانية العراقية:

– الحزب الوطني التركماني (أنشئ في العراق)

– حركة التركمان المستقلة (أنشئت في العراق)

– الحركة العراقية-التركمانية الاسلامية (أنشئت في العراق)

– مؤسسة توركمانلي للتعاون والثقافة (أنشئت في تركيا)

– تجمع من أجل الأخوة التركمانية (أنشئ في العراق)

– الاتحاد القومي التوركمانلي (أنشئ في العراق)

– تجمع توركمانلي للمفكرين (أنشئ في تركيا)

إن الأحزاب السياسية التركمانية غير المنضمة للجبهة التركمانية العراقية ليست مهيئة بلوجستيات متطورة. فجميعهم تقريباً لديهم مقاعدهم في العراق (في كركوك) ويمكنهم أن يصنفوا حسب انشقاق قومي-ديني. إنها حالة حزب التوركمانلي والحزب القومي التركماني العراقي والحركة المستقلة التركمانية وحركة القوميين التركمان.

أما الأحزاب الدينية، نذكر تواجد حزب العدالة (حزب العدالة الذي اقتضى مقعد في الانتخابات التشريعية عام 2005) وحزب الوفاء (حزب ذو الطاعة السنية) والحزب التركماني الاسلامي (السني) والاتحاد التركماني الاسلامي (ذو الطاعة الشيعية).

ونجد في دستور تلك الأحزاب خطاباً متجانساً، وهو رفض الاحتلال الامريكي الذي يتماشى مع ارتباط ملفوظ إزاء الاندماج ووحدة العراق التي يمكن أن تترجم على شكل شعار: “التركمان يشكلون وثاق وحدة العراق”.

TurkmanGirlغياب القيادة وأزمة الشرعية داخل الأحزاب السياسية التركمانية

إن المحادثات التي جرت بين قيادات الجبهة التركمانية العراقية وحزب العدالة بموضوع أزمة التمثيل التي تعاني منها تلك الهيئات البدائية تأتي بجواب لمشكلة الهوة بين كوادر تمثيلهم وحقيقة تمثيلهم الضعيف في رقعة السياسة العراقية. هؤلاء المسؤولون يتهمون الاحتلال الأمريكي كمصدر رئيس لكل السيئات في البلاد، وهو موقف اشتد بقوة منذ أن حاصرت القوات الكردية مدن كركوك والموصل حيث ساد نظامهم الجديد لتتضرر مصالح العرب والتركمان.

ويقوم هؤلاء بفضح ميليشيات البيشمركا بحدة والتي تتهم باستمرار بأنها في كل اقتراع انتخابي تخرق النتائج لصالح الأحزاب الكردية وكذلك بصرف المواطنين التركمان من الوصول الى صناديق الاقتراع، ما يفسر حسب المسؤولين التركمان الأعداد الساخرة للممثلين لدى مجالات مختلفة في السلطة[5].

وبشكل متواز، حسب المراقبين الدوليين تم الكشف عن وجود غش كبير أثناء الانتخابات التشريعية عام 2005 (حشو صناديق الاقتراع، سرقة صناديق اقتراع، تحريض للتصويت لعدة مرات في دوائر مختلفة…)[6]

وأخيراً، فإن غياب الحافز من قبل المواطنين التركمان العراقيين المصدومين لعدة قرون من التمثيل، والضغط والحصار وغياب المصداقية التي تعاني منها الأحزاب التركمانية السياسية بسبب نقص الخبرة حيال الكرد حيث أثارت نتائج أكثر من ضعيفة[7].

فيما عدا ذلك، أظهر المفكرون التركمان في المجتمع المدني عنصر “الهاوي” وغياب التجربة في هيكلية التركمان التي برأيهم ستكون ضمن العجز في امكانيات انشاء لوبي حقيقي خارج العراق وكذلك تشكيل قوى سياسية ذات مصداقية تحمل اقتراحات لصالح السكان التركمان في العراق[8].

وتحمل هذه الانتقادات تأجيل جدي فيما يخص قيادة التركمان حيث هوامش المناورات محددة وعدم القدرة على مواجهة اللوبي الكردي أضحت مسألة حساسة للمسؤولين التركمان في الاغتراب.

تتعرض الجبهة التركمانية العراقية لانتقادات لاذعة وتصوب اليها الأصابع لادارتها لملف التركمان وروابط الحماية التي تحتفظ بها في العراق.

الاستراتيجيات السياسية التركمانية في إطار الدولة العراقية المركزية

الدستور العراقي المصاغ في عام 1958 غداة ثورة قاسم أهمل ذكر التركمان كجزء مدموج في الأمة العراقية. أما الدستور الانتقالي المصاغ في عام 2003 غداة الغزو ذكر هوية التركمان الى جانب الأكراد دون ضمان أدنى حق لهذه الأقلية. إلا أن القانونيين التركمان يعتبرون الدستور الأخير المحضر في عام 2005 غير مقبول. لأنه يشكك في مسألة وجود الشعب التركماني في العراق.

وعند قراءة المادة 4، البند 4 من النص الدستوري، نجد قضية الاعتراف باستعمال اللغة التركمانية فقط في المناطق المتمركزة بالسكان المتحدثين باللغة التركية وبشرط أن يكون هذا الاختيار مصادق باستفتاء. وبعبارة أخرى، في حال كان الأكراد أكثرية من الناحية الديموغرافية ستفشل كل الجهود للحفاظ على الحقوق الثقافية للتركمان.

ومن جهة أخرى، يضع التركمان مسألة سريان الدستور العراقي لعام 2005 لأن هذا الأخير قد كتب في عجالة ضمن ظروف الاحتلال وتحت ضغط اللوبي الكردي.

ما يثير التركمان أيضاً هي المادة 140 التي تبدو كتهديد مباشر للاندماج بأرض العراق بحيث ينص على أن مصير أراضي كركوك ستكون منصوصة وفق استفتاء قبل نهاية عام 2007. وبتعبير آخر، آخذين بعين الاعتبار الظروف الديموغرافية المناسبة للأكراد، فإن إلحاق كركوك بمنطقة ذات حكم ذاتي من كردستان سيكون سيناريو معقول[9].

ومن أجل ذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار بأنه عند انهيار نظام صدام سيكون الأكراد قد وظفوا المنطقة بنقل سكان تحت حمايتهم على نطاق واسع[10].

وفي هذه الظروف الصعبة، يزعم التركمان بأن الدستور لا يمنح أي ضمانات لجهة الحقوق الثقافية للتركمان الذين يجدون أنفسهم في صفوف الأقلية الخالية من الحماية القانونية. أي أن التركمان سيتقاسمون النصيب مع المسيحيين.

ونجد أنه في الخطاب التركماني أن المسألة لا تكمن في التمثيل كأقلية في إطار دولة الأمة العراقية، بل هي مسألة التموضع كمقوم كامل للأمة العراقية في إطار الدولة المركزية والديمقراطية.

وبنفس الطريقة، سيكون من المثير أن نستخلص بأن مفهم العراقية التي كانت سابقاً متصلة بالعروبة بوضوح غدت معدلة تدريجياً ضمن الاطار الحالي في العراق بعد صدام.

هكذا يفهم التركمان بـ”الدولة العراقية”، أنها دولة موحدة ومتعددة الثقافات أي دولة تعترف باللغة التركية كواحدة من اللغات الرسمية الى جانب اللغة العربية والكردية[11].

ومن هذا المنطلق الذي يقبل بعدم الثبات السياسي للتركمان يمكن فهم سبب تركيز استراتيجيتهم منذ عام 2003 على الدفاع عن الوحدة العراقية والتعلق بالحكومة المركزية وبسط الهيمنة على كامل الأراضي.

وبشكل متواز، فإن هذه الاستراتيجية تأتي ضمن منطق السلطة المركزية الجديدة، منذ وصول رئيس الوزراء العراقي من الطائفة الشيعية نوري المالكي في عام 2006، والذي أكد بواقعية أن الوحدة الوطنية ستكون حصانه في المعركة.

مهما كانت التحليلات المنشورة في الصحافة المكتوبة التركمانية (بالعربية والتركية)، ففي برامج الأحزاب السياسية على المسرح خلال الاقتراع أو حتى في المخيلة الوطنية، يعتقد الجميع أن مصير الأمة التركمانية متوقف على وحدة الوطنية للعراق.

في الحقيقة لو أن سيناريو تقسيمات البلد تحقق، سيجد التركمان أنفسهم مهددون في اندماجهم الجسدي والمعنوي والثقافي، لأن مناطق التجمع السكاني للتركمان (باللون الأزرق عى الخارطة) تقع بين منطقة ذات حكم ذاتي لكردستان وباقي للعراق.

(يتبع)
ديكران يكافيان


[1] لقاء مع حسان أيدنلي، ممثل الجبهة التركمانية العراقية لدى المجموعة الأوروبية، استنبول، 11 نيسان 2009 .

[2] كوخان جنتيشايا، العراق الجديد، الشرق الأوسط وتركيا، رؤية تركية، مؤسسة الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، نيسان 2006، أنقرا.

[3] وبالاتفاق هي حالة think tank ORSAM أورسام المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط التي تدير جامعات تركمانية عراقية والمتوضعة في نفس بناء مؤسسة توركمانلي بقرب الجبهة التركمانية العراقية في مركز مدينة أنقرا.

[4] http://www.kerkuk.net

[5] كركوك تركمين أوغلو، صراع تركمان العراق من أجل الحياة، تضحية ونجاة، صحافة الجبهة التركمانية العراقية، أنقرا، 2006، ص 120-121.

[6] تقرير مجموعة الأزمات الدولية، العراق والكرد، المعركة الممتلئة على كركوك، 18 تموز 2006.

[7] الجبهة التركمانية العراقية التي اتهمت الاقتراع بعدم الانتظام لم يكن لها سوى مقعد في الانتخابات التشريعية في كانون الأول 2005 وحصدت 87993 صوتاً فقط أي 0.72 % من الأصوات.

[8] تقرير مؤسسة البحث عن حقوق التركمان العراقيين (أنشئت في هولندا): نشوء سياسة التركمان في تركيا، الدور غير البناء للجبهة التركمانية العراقية في سياسة التركمان، كتبت المقالة الجدلية في 22 شباط 2008 وظهرت على الموقع في 27 شباط 2009.

[9] حبيب هرموزلو، الموقف القانوني لتركمان العراق في الدستور والتنظيم العراقي (من وجهة نظر تركمانية) مجلة كلوبل ستراتيجي، أنقرا، 2008، عدد 13.

[10] يدعي التركمان بأن عدداً كبيراً من الأكراد المنتقلين الى كركوك سيصبحون رعايا ايرانيين وسوريين.

[11] في السنوات الأخيرة صدرت العديد من الدوريات الجامعية التركمانية في تركيا مخصصة للمشاكل والحلول بما يمكن أن تطرحه تعددية الثقافات في المستقبل.

Share This