“BADGUER” للمحافظة على التراث الأرمني بيت الحرف والإبداع

كلما إشتدّ الزمن قساوة على الوجود الأرمني، كلما أصبح أمر الحفاظ على التراث هو العنصر الأهم لكل فرد من أفراده. ففي زمن يتخبّط الحاضر والمستقبل بالماضي ويعملان على إزالته، وفي وقتٍ قلّت فيه القيم وكثُر اللجوء إلى تقليد الغرب والتباهي بالمظاهر الكاذبة، يبقى الأصل هو الحقيقة المتجذرة في قلب الإنسان وفي عالمه.

لعلّ “بيت الحرف والإبداع” الذي قررت أربي منكاساريان إنشاءه في قلب أسواق برج حمود، يشكل نموذجاً للحفاظ على التراث الأرمني في ذاكرة الشعب، فهذا البيت هدفه دعم الحرف وترويج ثقافة إحترام التراث المحلي الأرمني والتوعية لبيئة مستدامة ونقل ثقافة الحرف للشباب والجيل الصاعد، بحسب ما شرحت لـ”النشرة”، لافتةً إلى ان “خبرتها لمدة 20 سنة في بلدية برج حمود، ساعدتها على الإحتكاك بكافة الشرائح المحلية، وهذا ما يدعم عملها”.

“BADGUERتجسيد للتراث الأرمني

“التراث مش شقفة حجرة”، هكذا بدأت أربي تعرّف التراث، قائلةً “انه عبارة عن شيء قديم، له معنى، ومرتبط إرتباطاً وثيقاً بذات الشخص، أي ان ذلك الشيء، إذا لم يكن يشكّل إستمرارية للقصة مع الأسلاف إلى وقتنا اليوم ولا يُشعرنا بحنين إلى قصة معينة عندما نتأمل به، فلا يسمّى تراثاً”.

فإنطلاقاً من القيمة التي أعطتها أربي للتراث الأرمني، أنشأت ما سمّته بـ”BADGUER”، لما لهذه الكلمة من معانٍ بالنسبة لها. وأشارت إلى ان كلمة “BADGUER” تأتي من اللغة الأرمنية وتعني “صورة”، وأوضحت إختيارها لهذا الإسم بالذات، قائلةً “أريد إظهار صورة المنطقة الحقيقية وتراثها من خلال بيت الحرف والإبداع، بالإضافة إلى صورة الشعب الذي يتغنّى بالثقافة، فهذا البيت هو صورة برج حمود”.

وأضافت: “ان هذا البيت يؤمن المكان الآمن كي يلتقي المصمم والمنفذ لإنتاج عمل فني ما، حيث يجتمع المصمم بالمنتج للتخطيط سوياً ولجمع الخبرات والمناقشة والإتفاق على كافة تفاصيل العمل الفني الذي سيقومان بإنتاجه سوياً، والذي سيتّسم بنوع من الإنسجام والتآلف اللذان يشكلان أساس كل عمل فني”، مشيرةً إلى ان “بيت الحرف والإبداع يتعرف فيه الفنان الذي يزوره على ذوي الأذواق والكفاءات الذين سيتعامل معهم لإنتاج عمل ما”.

كما شددت على “وجوب ان تتحلّى الحرف بنوع من الحداثة، إذ ان التراث يتميز بالحرف القديمة المضاف عليها إبداع وحداثة، وذلك للإضافة على هذا “الشيء القديم” نوعاً من القيمة والإبداع، ليكون صلة وصل بين الماضي والحاضر من دون ان يفقد شيئاً من خصوصيته المعنوية”، لافتةً إلى ان “الحرف الموجودة لدينا تضم من مكوناتها الجلد والقماش، والذهب، وتتألف من أعمال يدوية وسجاد وأشغال النول”.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا البيت مقسّم إلى مطبخ يقدّم أطباقاً أرمنية، ومطعم، وبيانو لعزف أجمل الألحان، إذ ان الموسيقى تشكّل عنصراً هاماً من عناصر الفن والإبداع، إضافةً إلى صالة مجهزة للمحاضرات، وصالات أخرى لتلبية كافة الإحتياجات، وغرفة مخصصة ليقطن فيها الأستاذ الذي يريد تعليم حرفة معينة، إلى ان ينهي دروسه. والجدير ذكره، ان المطبخ وكافة محتوياته يتمتعون بألوان ترابية.

لـ”بيت الحرف والإبداع” رسالة فرح!

في ظل المأساة التي يعيشها الشعب، والأزمات الإقليمية المؤثرة علينا، وإرتفاع وتيرة الضيقة المعيشية التي تقضي على إبتسامتنا يوماً بعد يوم، شجّعت أربي على الفن والإبداع، مشيرةً إلى المبدعين الذين يعملون ليلاً نهاراً بفرح على عملهم من دون تفاوض مع الوقت ولا مع المادة ولا مع الإنسان، وكل ذلك بهدف العطاء. وأضافت ان “هؤلاء الأشخاص يستحقون ان نعرّف الناس عليهم وعلى أعمالهم، وان نسهّل الطريق إليهم”، لافتةً إلى ان “الإيمان والإتقان بالعمل والتعاون، عناصر مهمة وأساسية للإبداع”.

وأضافت ان الفرح الحقيقي يكون عندما “نخلق من ما شي، شي، مثلاً من أزرار نخلق عقداً”، مشددةً على ان “الفرح هو من أعظم أهداف “بيت الحرف والإبداع”.

من هنا، إن الحرف تمثّل أوجه الثقافة والتراث الأرمني، فإنتاج هذا الشعب يأتي نتيجة إبداع مختلط بالفن إذ ان للمسرح والموسيقى تأثير على فنه الذي يأتي من “إبداع” وليس “صناعة”، بحسب ما أشارت أربي، مشددةً على “وجوب المحافظة على الإنتاج المحلي في ظل العولمة التي تأكلنا”، قائلةً اننا “بحاجة إلى “الأصلي” الذي يحفظ خصوصية العمل المنتج، وهذه الخصوصية هي التي تضمن إستمرارية العمل، وهي التي نعمل جاهدين لإبرازها”.

هذا الإبداع الذي يبعث الحياة بذاكرة دفنها المنهمكون بعجلة الحياة وإلتزاماتها وإعتبروها ماضياً مات، من شأنه ان يعيد هذا الماضي إلى الحياة برونقٍ جديد، وان يجعل الإنسان يوقف، للحظات، سباقه المرهق مع الزمن ليرميه في أحضان الفن والإبداع و”التراث الحقيقي”.

تصوير حسين بيضون

كريستال نوار

النشرة

Share This