أردوغان ما بين الوطنية والخيانة العظمى..

لقد فتح اردوغان امامه ابواب الصراع الداخلي، التركيالتركي، بجميع مصارعه… بعد قمعه للمظاهرات التي خرجت للاحتفال بمناسبة عيد استقلال تركيا، والتي اعطت المعارضة التركية حافزاً وسبباً جديداً تحارب بها الحكومة بشكل عام، ورئيسها رجب طيب اردوغان بشكل خاص، ومن طرف آخر تسبب هذا في فتح فجوة ما بين اردوغان والرئيس التركي عبدالله غول، مما أدى إلى تراجم الكلام، وانتقاد غول لرئيس حكومة بلاده، على خلفية تعامله مع الشارع التركي الغاضب، الذي لم يكف عن انتقاد تصرفات رئيس وزرائه في الآونة الاخيرة، وتناول الإعلام التركي الذي يلعب دوراًهاماً ومشهوداً به في رسم السياسة التركية الداخلية والخارجية..تناول ما حصل بشكل سلبي، وعن ما سيؤدي إلى خلق عدم توازن في الحكومة والدولة التركية، وما إن كان اردوغان سيستمر بعد ما فعله أم لا…

هل سيتم اخراج اردوغان من اللعبة السياسية في تركيا، بعد ما كان يعتبر بطلاً وقائداً سيمجد له؟… وهل ستكون نهايته قريبة، بعد استلامهلعرش الحكومة منذ ما يقارب العقد من الزمن؟..وسيحكم عليه بالسجن مرة أخرى، ولكن هذه المرة بسبب الخيانة العظمى؟..

أم سيحميه مرة أخرى فتح الله غولان، الذي يعتبر الأب الروحي لتركيا، المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي أوصل اردوغان لسدة الحكم، وبالتالي ستحميه امريكا لحماية مصالحها في تركيا والمنطقة ككل؟..

وصلت الأمور في تركيا إلى نقطة مفصلية ومحورية هامة وخاصة بعد وقوع اردوغان في فخ عدم احترام رغبة شعبه بإعادة ذكرى الاستقلال.. فعندما يتعلق الأمر بسيادة تركيا، وعدم احترام الدولة العليا فيها، والأسس التي وضعت في هذه الدولة، من قبل البرابرة العثمانيين الأتراك، قبل وبعد أتاتورك، الذي استمر في نهج اجداده العثمانيين مع وضع قناع جديد، باسم الجمهورية والدولة المدنية ” تركيا الحديثة “، ليطفي عليها قليلاً من اللون الغربي..يسقط الرجل من العرش، وإن لم يسقط يتم تصفيته…

لقد اعلنت المعارضة التركية الحرب على اردوغان وحكومته منذ بداية الاحداث في سوريا، ومنذ اعلان رئيس الوزراء التركي انضمامه للمعارضة السورية ودعمه لهم، فكانت ردة الفعل لدى المعارضة التركية واضحة وقاسية، بالتنديد وبشدة سياسة اردوغان والمطالبة بعدم التدخل في السياسة الداخلية للدول واحترام سيادتها، وخاصة سوريا التي تملك حدوداً طويلة مع تركيا، الذي يبلغ 850 كم تقريباً، والتي كانت علاقتها ممتازة مع جارتها، مما قد يؤدي لانعكاس الامور، وسيكون مردودها سلبياً على تركيا، لاشتراك الطرفين في الكثير من الاشياء، ومنها المكون الشعبي والطائفي والتعدد العرقي والإثني…

ولم تتوقف يوماً المعارضة التركية في اتهام اردوغان بالتحريض في سوريا ودعم طرف على حساب الآخر، وزادت الاتهامات اثناء الاشتباكات على الحدود السورية التركية، واسقاط الطائرتين التركيتين في الأجواء السورية، وازدياد الاشتباكات ما بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي، إلى انتشار التفجيرات في الاراضي التركية، وصولاً للقصف بالصواريخ من الداخل السوري على الداخل التركي.. فقد أدى هذا كله، لنقص عدد المؤيدين، وزيادة نسبة المعارضين من الشارع التركي لسياسة اردوغان وحكومتهوجاء ت المظاهرات في تركيا، لتزيد في الطين بلة،  ولتضع آخر مسمار في نعش اردوغان…

لقد ادى قمع المظاهرات والسياسة التي اتبعها اردوغان في المنطقة، إلى انقسام في الرأي العام التركي إلى عدة اقسام، ما بين الإسلاميين، والإسلام المعتدل، والليبراليين والعلمانيين، ونخبة المثقفين، حتىالسياسيين، ليصل إلى رئيس الجمهورية التركي، الذي ابدى غضبه من تصرفات رفيقه في الحزبورئيس حكومته، وتخوفه من ازدياد الانقسام الداخلي، وتبعاته على مستقبل حزب العدالة والتنمية السياسي، ومستقبل تركيا كدولة فيها ما يقارب الـ 25 مليون كوردي، و20 مليون علوي، واقليات أخرىالأرمن، السريان، البلقان، الأرناؤوط، والروم اليونانيون، وغيرهم من الإثنيات المتواجدة قبل الوجود العثماني التركي…

إن السياسة التي اتبعها اردوغان وحكومته، وسياسة الدولة التركية بشكل عام، سوف تطيح بوجود كيان الدولة التركية الحالية، وسوف تلعب وتكون هذه السياسة التي يلعبونها اليوم بالمنطقة، العامل الاساسي على انتقال الصراع إلى الداخل التركي وبالتالي إلى تقسيم تركيا، التي سميت ” بتركيا الحديثة “، وينقلب السحر على الساحر.. وتركيا ما هي إلا ورقة يلعب بها الغرب لتحقيق مصالحها في المنطقة، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن تركيا صاحبة تطلعات وأحلام كبيرة، تسعى جاهداً لاسترجاع امجادها في عهد العثمانيين، وتحاول بطرق مختلفة الالتفاف حول القرارات الأوروامريكية، وتظن أنها قادرة على صنع القرار لوحدها، على الاقل في منطقة الشرق الأوسط، وتحاول فرض قوانين تحاول سنها انطلاقاً من موقعها الاستراتيجي في المنطقة، واللعب بالورقة الإيرانية والعربية، من منطلق الجوار وعامل الدين، والاستفادة من الصراع الأوروامريكي الإيراني، ولكنها تجهل انها ورقة مؤقتة ستحرق عند الانتهاء من استعمالها، أو أنها على دراية جيدة، وتحاول بطريقة ما البقاء في اللعبة لتثبيت قدميها، وهي واثقة من انها قادرة على المراوغة والخروج في الوقت التي هي تقررها.. إذاً، دعونا نرىإلى أين سوف تذهب بنا هذه اللعبة، ومن سيبقى.. ومن سيرحل.. وما هو موقع تركيا من الإعراب في الخارطة الجديدة للشرق الأوسط التي وضعت مسبقاً.. واليوم هي في قيد التنفيذ….

بيتروس بيتروسيان

بروكسل…

[email protected]

Share This