تركيا الفتاة التي حكمت الإمبراطورية العثمانية وارتكبت مذابح عرقية ضد الأرمن

“‏التاريخ يكتبه المنتصرون”‏ مقولة لرئيس الوزراء البريطاني الشهير ونستون تشرشل‏.‏ هذه المقولة تنطبق إلي حد كبير علي ما كتبته بعض المراجع التاريخية خاصة العربية عن حركة‏’‏ تركيا الفتاة‏’.‏ حيث اتهمت بعض هذه المراجع الحركة بالانحياز للغرب والضلوع في تفتيت الامبراطورية العثمانية علي عكس المراجع الغربية التي تناولت تاريخ هذه الحركة الثورية بحياد شديد ورصدت مالها وما عليها. حيث يحسب لهذه الحركة التي تكونت من مجموعات اصلاحية مختلفة أنها قادت ثورة ضد نظام حكم السلطان العثماني عبد الحميد الثاني الذي عطل العمل بدستور1876 وحل البرلمان, وبعد وصول اعضاء الحركة إلي السلطة وضعوا نظاما اصلاحيا داخليا وانهوا حكم السلاطين ووضعوا اللبنة الاولي للدولة العلمانية, بينما يحسب عليهم أسلوبهم الكارثي في إدارة سياسة الامبراطورية العثمانية الخارجية مما أدي إلي تقسيمها.

تعود جذور الحركة إلي عام 1889 عندما خطط مجموعة من طلبة الاكاديمية الطبية الامبراطورية باسطنبول لمؤامرة ضد السلطان العثماني سرعان ما انتشرت بين باقي الطلبة في أنحاء البلاد وعندما انكشفت المؤامرة فر معظم المتآمرين إلي باريس ليعيدوا من هناك تنظيم انفسهم استعدادا لإشعال الثورة. ومن أبرز أعضاء الحركة أحمد رضا الذي اصبح فيما بعد المتحدث باسم حركة الاتحاد والترقي أقوي لجان الحركة. وكانت تتبني وضع نظام اصلاحي تحت سيطرة حكومة مركزية واستبعاد النفوذ الغربي وكان يؤخذ علي السلطان عبد الحميد خضوعه الشديد للغرب. والثورة التي قامت بها الحركة كانت علي مرحلتين الأولي تزعمتها مجموعة من العسكريين بالجيش الثالث بمدينة سالونيك اليونانية. الذين كونوا حركة تحرير المجتمع العثماني عام1906 ووافقت لجنة الاتحاد والترقي علي انضمام حركة العسكريين إليها من أجل تحقيق الهدف المشترك. في البداية كانت حركة’ تركيا الفتاة’ أو التي عرفت ايضا بشباب الاتراك تجمع كل الأعراق من الاتراك والأرمن واليونانيين والبلغار وغيرهم.

في المرحلة الأولي نجح الليبراليون في القيام بانقلاب عسكري في سالونيك واتسعت الثورة حتي اعاد السلطان العمل بالدستور ودعا البرلمان للانعقاد وبدأ عهد جديد من اجل نظام دستوري حر علي الطراز الغربي وإعادة ادماج المسيحيين من مواطني الامبراطورية في المجتمع. وفي عام 1909 اعتقد السلطان بسبب الفوضي التي عمت أرجاء الامبراطورية بعد الثورة وانفصال بعض الاقاليم انه استعاد جزءا من قوته وقاد ثورة مضادة معتمدا علي الاسلاميين وأعلن حل البرلمان لكن هذه الحركة فشلت لان اعضاء حكومة تركيا الفتاة قادوا جيشا من مقدونيا علي رأسه محمود شوكت باشا الذي تمكن من دخول اسطنبول وإخضاع السلطان في ابريل عام 1909 وبعدها بقليل تم عزل السلطان عبد الحميد الثاني وتولي اخوه السلطان محمد الخامس ومنذ ذلك الوقت اصبح السلاطين يولون دون ان يحكموا.

وحتى عام 1913 كانت الحركة تحت سيطرة الليبراليين القوميين الذين كانوا يسعون الي تأسيس دولة حرة متعددة الاعراق وتعتمد علي مبدأ المواطنة. لكن المؤيدين لهيكل احادي الهوية للإمبراطورية كانوا يتبنون موقفا متشددا من مسألة الهوية القومية وبدأوا يتحولون الى مدافعين عن الهوية التركية بشدة وهزم الليبراليون هزيمة ساحقة بعد مقتل الصدر الاعظم محمود شوكت يوم 12 يونيو عام 1913 وهنا بدأت المرحلة الثانية. انتقل الحكم الى الباشوات الثلاثة, اشهر ثلاثي سياسي في التاريخ وعرفوا أيضا باسم’ الديكتاتورية الثلاثية’ وهم: وزير الداخلية العثماني طلعت باشا, وزير الحرب أنور باشا, ووزير البحرية جمال باشا وأصبحوا هم الوسطاء الفعليين للسياسة الخارجية العثمانية. كان هؤلاء أول اصلاحيين عثمانيين يحولون البلاد إلي بلد صناعي ويضعون البذرة الأولي لمبادئ العلمانية للنظم القانونية في البلاد وأصلحوا التعليم الابتدائي وفتحوا الطريق أمام النساء للتعليم. ولكن السياسة الخارجية الفاشلة للحركة التي أدت إلي تفتت الامبراطورية القت بظلالها علي هذه الاصلاحات الداخلية الكبيرة. مع توالي الهزائم وتفكك الامبراطورية بدأت الحركة تتجه الي تكوين دولة للأتراك فقط. وفي عام 1915 بدأت الحكومة العثمانية تحت قيادة اعضاء حركة “تركيا الفتاة” بارتكاب مذابح عرقية ضد الارمن اكبر الاقليات في اقليم الاناضول بعد الأكراد. وكانت نهاية الحركة بعد أن تخلت عن حيادها ودخول الحرب العالمية الأولي عام 1914 إلي جانب معسكر المحور.

وبعد هزيمة الامبراطورية العثمانية وقوات المحور عام 1918 في الحرب العالمية الاولي امام الحلفاء وطلب عزل وزير الحرب انور باشا انتهت الحركة ثم وضعت الامبراطورية العثمانية تحت حماية الحلفاء بقيادة بريطانيا وفي اغسطس عام 1920 وقعت تركيا معاهدة سيفر بفرنسا التي قسمت بمقتضاها الامبراطورية وبعدها تم اغتيال طلعت باشا وزير الداخلية بحكومة تركيا الفتاة في جنيف علي يد أحد الارمن الناجين من المذابح. وفي هذه الاثناء ظهرت حركة وطنية جديدة بالأناضول بقيادة مصطفي كمال اتاتورك وهي التي قادت البلاد الي الاستقلال عام 1923.

غادة الشرقاوي

الأهرام

Share This