الأهرام المسائي: تركيا لا تريد الاعتراف بجريمة إبادة الشعب الأرمن عام ‏1915‏

طالعتنا جريدة الأهرام المسائي يوم 6/11/2012 مقالة للكاتب محمد أمين المصري بعنوان “حلم أرض أسطورة نوح” في رسالة له من يريفان عاصمة أرمينيا‏، حيث كتب انطباعه عن العاصمة يريفان حيث وصفها بأنها مدينة ساحرة، وقال: “لقد خاب ظني والحمد لله عندما اشرقت شمس يريفان لاكتشف انها مدينة ساحرة لا ينقصها عن بقية مدن اوروبا سوى ان يتضاعف الدخل القومي وتزداد حركة السياحة فيها وتهدأ مشاكلها الاقليمية مع الجيران وتحديدا أذربيجان وتركيا‏,‏ لتكون ارمينيا دولة متقدمة سياحيا واقتصاديا وتقنيا‏,‏ وإن كانت قد حققت تقدما في مجال تكنولوجيا المعلومات جعلتها من ضمن رواد تلك الصناعة في فترة وجيزة للغاية‏,‏ بفضل المشروع العملاق المعروف باسم سنوبسيس ويصل رأسماله الى نحو مليار ونصف المليار دولار‏,‏ ووضع ارمينيا في مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال خاصة اذا علمنا ان شركة سنوبسيس انشئت في فترة وجيزة وتستقطب بفضل سمعتها خبراء تكنولوجيا المعلومات من كل أنحاء العالم‏,‏ وهي تمنح جوائز علمية ومنح للمتفوقين في هذا التخصص‏.‏ لقد بدت يريفان متأنقة صباحا وظهرا وعصرا ومساء وليلا‏,‏ فهي مدينة تحب السهر‏,‏ ويتأنق ساكنوها خاصة من الشباب‏,‏ وتتباهي بناتها بارتداء احدث الموديلات‏,‏ حتي انني سألت كثيرين من المصريين الأرمن المقيمين في يريفاناعن سر تأنق المرأة هناك رغم ان متوسط الدخل الشهري هناك يقترب بالكاد من الثلاثمائة دولار شهريا‏,‏ وهو مبلغ لا يكفي للانفاق علي الملبس والمأكل والترفيه في بلد تضم عاصمته كل الماركات العالمية والمطاعم الفاخرة وبالعاصمة بعض الشوارع والميادين لم نرها إلا في روما وباريس مثل منطقة النورث افينيو ومنطقتي الأوبرا والجمهورية‏,‏ التي تجذب السياح والاجانب خاصة ممن يأتون من بلاد حارة مثلنا‏.‏ الاجابة عن تساؤلاتي تلخصت في الجاليات الأرمنية في الخارج تسهم بقدر كبير في الدخل القومي عن طريق التحويلات النقدية عن طريق ارسال مبالغ شهرية وسنوية للاسر المقيمة بالبلاد‏”.‏

تطرق المصري الى قضية الإبادة الأرمنية مشيراً الى أن الأرمن يشبهون قضية الإبادة بشخص قتل آخر ثم استولي علي ممتلكاته ليعيش علي عوائد جريمته الي ان تكتشف جريمته وتقضي المحكمة بسجنه او اعدامه حسبما يتراءي لها علي ان يجبر علي اعادة الممتلكات وحيازات المقتول التي اغتصبها بدون وجه حق‏.‏ ولكن وجه الاختلاف هنا بين الشخص المقتول والقاتل ان القصة الحقيقية هي بين شعب وارض في كفة وحاكم عثماني في كفة اخرى‏.‏ فثمة قرار من الحاكم بقتل شعب آخر والاستيلاء علي ممتلكاته وتشريد أبناء هذا الشعب بين الامم‏,‏ ليعيش القاتل والمغتصب علي أرض المقتول والضحية المطرود والذي رحل بعضه قسرا خوفا علي حياته وعرضه وماله ولكنه اضطر طبعا الي ترك أرضه‏.‏ ثم الاهم ان القاتل هنا لم يقدم للمحاكمة حتى الآن‏,‏ فهو لا يريد الاعتراف بجريمته وابادته لشعب الأرمن عام ‏1915‏ والتي راح ضحيتها نحو مليون ونصف شخص غير الذين نزحوا من اراضيهم ووطنهم الذي عاشوا فيه منذ اربعة آلاف عام‏,‏ الى ان اكتملت تماما عملية تتريك شرق الاناضول‏.‏ ولا يزال هناك ثمة فارق بين التشبيه والواقع‏,‏ لان المحكمة تقضي في الوضع الاول بسجن المغتصب والقاتل مع رد كل ممتلكات الضحية‏,‏ في حين ان الواقع لم يزل الجاني طليق كما يؤكد الأرمن‏.‏

وأشار الى أن واقعة الإبادة تستنزف كل الجهود الأرمينية ثقافيا وسياسيا ودينيا‏,‏ “فاذا تحدثنا مع وزيرة الثقافة هاسميك بوغوصيان نجدها تبث شكوى بلادها من جراء عدم اعتراف تركيا حتى الان بما ارتكبه العثمانيون آنذاك ضد الشعب الأرمن في شرق الاناضول‏.‏ واذا عرجنا علي وزارة الخارجية لنلتقي نائب وزير الخارجية شافارش كوتشاريان‏,‏ نجده يستنزف من الوقت اكثره ليشرح أهمية الإبادة في ملفات السياسة الخارجيةالأرمينية‏,‏ فاذا كانت القضية الفلسطينية قد سيطرت علي كل جهود جامعة الدولة العربية والسياسات الخارجية للدول العربية مجتمعة‏,‏ فهذا هو الحال تقريبا لقضية الإبادة في العقل الجمعي الارميني‏.‏ ولا يفوت الدبلوماسي الارميني فرصة إلا وتحدث عن قضيتين هما الإبادة وناكورونو كاراباخ‏”.

وقال: “ربما لا نبالغ اذا قلنا ان قضيتي ابادة الأرمن و كاراباخ تسيطران تماما علي العقل الأرميني‏.‏ ومن الخطوط الرئيسية للسياسة الخارجية الأرمينية التعريف بواقعة الإبادة من اجل الحصول علي اعتراف تركيا بالإبادة الجماعية للارمن‏,‏ واذا كان الشتات قاموا بهذا الأنشطة قبل استقلال ارمينيا‏,‏ فهذا الموضوع اساسي في أجندة ارمينيا الخارجية‏.‏ لقد دفعنا هذا القول من قبل نائب وزير خارجية ارمينيا الي سؤاله‏:‏ هل هناك ضمانات ارمينية لتركيا بعد المطالبة بتعويضات مالية في حالة الاعتراف؟‏..‏ والاجابة تأتي بالنفي يجب الا نستبق الوقت وننتظر‏..‏ لا نستطيع تقديم ضمانات لأن الهدف الأساسي هو الاعتراف والمصالحة مع التاريخ‏,‏ ارمينيا المستقلة لم تضع طلبات خاصة بالأراضي وليس لديها النية المطالبة بأراضي‏,‏ وإذا كانت تركيا تتخوف من المطالبات باراضي‏,‏ فإن التوقيع علي البروتوكلين كانا ينصان علي اقامة علاقات دبلوماسية حسب الحدود التي كانت موجودة ايام الاتحاد السوفيتي‏.‏ وقد بدا ان الدبلوماسي الأرميني قد فهم أن السؤال يتعلق بالاراضي وليس الممتلكات والأموال‏,‏ ولذا وجب التشديد علي المطالبات المالية‏,‏ وهنا ايضا لم يحدد شافارش كوتشاريان إجابة واضحة وإن كانت عائمة لا نسبق الوقت وننتظر ولدينا مثال ألمانيا الواضح لتركيا‏..‏ وكان يقصد بذلك التعويضات الألمانية لإسرائيل”‏.‏

ومن جهة أخرى كتب المصرية حول قضية كاراباخ على أنها تبقي ازمة موضوع خلاف حادا بين أرمينيا واذربيجان‏,‏ فالنزاع قائم في منطقة ذات تأثير جيوستراتيجي‏,‏ وتقع في حدود المناطق الساخنة في رابطة الدول المستقلة التي هي تركة الاتحاد السوفيتي وثمرة السياسة الدولية التي عمدت الي تقسيم الدول عشوائيا من دون اعتبار لهوية الأمم وروحها القومية وحدودها وذاكرتها التاريخية‏.‏ ونشب النزاع علي كارباخ البالغ مساحتها ‏404‏ آلاف كيلومتر مربع ويشكل الأرمن فيها الأكثرية بجانب الاذربيجانيين والروس‏,‏ في عام ‏1988‏ واصبح الاقليم تحت سيطرة القوات الأرمينية ولايزال الصراع محتدما بين الدولتين وتنعكس اثاره علي كل منطقة القوقاز‏.‏ وتتخوف ارمينيا تتخوف من مسلك اذربيجان التي تحاول حسب قول نائب وزير الخارجية ان تحول القضية من سياسية الي دينية مستغلة في ذكل منظمة التعاون الاسلامي‏,‏ ولتسخر العالم الاسلامي عبر تلك المنظمة من اجل الحصول علي بيان وقرارات معادية للارمن‏.‏

Share This