عبد الرحمن غنيم الشاهد على مذبحة ضد “الأرمل / الأرمن”

نشر الكاتب عبد الرحمن غنيم مقالاً بعنوان “السلطان أردوغان والوعد المكذوب” حيث يتناول مسألة الكشف عن أن “الزعيم التركي أردوغان موعود حقاً بأن يصير السلطان للشرق الأوسط الجديد بعد أن تقتطع إسرائيل منه ما تريد. وأنه في هذه اللعبة الجهنمية هناك أعراب يؤدّون دور الخصيان في خدمة مشروع السلطان” .

ويذكر بأن وصول أسلحة أردوغان إلى عدن، وتجرؤه على اليمن، أعاد إلى ذاكرته بالتداعي قصة جدّه وإخوته الذين كانوا رعايا في سلطنة العثمانيين .

كانوا أربعة طالهم النفير للحرب العالمية الأولى من بين خمسة إخوة:

– أصغرهم هجرس أخذه العثمانيون إلى جبهة سيناء بمواجهة اللنبي ومن معه من حلفاء، وعلمنا بأمر استشهاده وهو يذود عن حياض السلطنة.

– أخوه عبد الله أخذه العثمانيون إلى جبهة اليمن، وانقطعت أخباره، فلا نعلم شيئاً عن مصيره .
– جدّه عبد الرحمن أخذوه إلى الشمال، وشارك بالحرب حتى انتهت بالهزيمة وعاد إلى بيته .وعاش ليحدث أحفاده بما رأى. ولم يخطر بباله مطلقاً أنّ حديثه يمثل شهادةً تاريخية ذات أهميّة تستوجب التسجيل والتوثيق. ويقول: “فقد كان يحدثنا عن معركة حاصروا فيها مدينة يقطنها قوم كان يطلق عليهم تسمية “الأرمل”، وكيف أن “الأرمل” هزموا فنكل بهم العثمانيون شرّ تنكيل، حيث كانوا يقتلون الرجال جميعاً دون استثناء ويستحيون النساء، ولكن بعد تفتيش حتى الأعضاء التناسلية للنساء بحثاً عن الذهب خشية أن يقمن بالهروب ومعهن شيء من تحويشة العمر، مما يعني أن سلطنة آل عثمان في آخر أيامها لم تكتف بقتل الأرمن بل ونهبت ما بقي معهم من مال”. ويستطرد قائلاً: “وقدّر لي منذ سنوات أن أزور لواء اسكندرون. وتكرّم مستضيفونا باصطحابنا في رحلة اطلاعية إلى جبل موسى حيث توجد كنيسة أرمنية، وبقايا مدينة. وحين وقفت أتفرّس في جغرافيا المكان بدا لي أنه الموقع الذي كان جدّي قد أجبر على أن يحارب فيه “الأرمل” بعد أن بتّ أعرف أنهم الأرمن. لكن تخميني قد لا يكون دقيقاً بالضرورة . ففي زيارة سابقة لي إلى رأس العين في محافظة الحسكة جلسنا عند نبع الخابور، وعلمت أن الأرمن في تلك البقعة لا يأكلون السمك الذي يتواجد في النبع وفي النهر بكثرة، لأنهم يعتقدون بأنه ما زال يحتفظ ببقايا لحم أجدادهم الذين قتلهم العثمانيون وألقوا بجثامينهم في النبع لتكون طعاماً للأسماك .

والغريب أن السلطان أردوغان المتنور يرفض الاعتراف بالمجازر التي ارتكبت ضدّ الأرمن ربما حتى لا يطالبه أحد بالتعويض عن القتلى وبإعادة ما نهب من الأموال والذهب. والأغرب أن المسلحين الذين يقف من ورائهم أردوغان ارتكبوا مجزرة مشابهة في حماة، وألقوا بجثث ضحاياهم في نهر العاصي لتكون طعاماً للأسماك. وما هو أغرب وأغرب أن يتعرّض أهالي رأس العين خلال الأيام الماضية لهجمة أردوغانية تكرر ما فعله أجداده منذ حوالي قرن من الزمن. والله وحده يعلم كم من أهلها بما فيهم بعض الأرمن تعرضوا للقتل وألقيت جثامينهم في نهر الخابور ليكونوا طعاماً للأسماك، مما يجعل جميع السوريين يشاركون الأرمن في الامتناع عن أكل أسماك النهر التي أكلت لحم أهلهم” .

أما الأخ الرابع فكان محمد أبو غنيم {الكبير}. وقد اختار أن يتمرّد، فرفض الالتحاق بالجيش العثماني . وسجّل حالة فرار متخذاً من جبل أبو غنيم جنوبي القدس حصناً له ممارساً دور قاطع الطريق .

فقصة هؤلاء الإخوة تلخّص الحرب العالمية الأولى ومأساة العرب فيها. فمن يدري إذا كان هجرس قد استشهد برصاص الانجليز أو برصاص عرب الشريف حسين الذين جندوا في خدمة الانجليز على وعد نيل استقلالهم والسلطان فيما أسموها بالثورة العربية الكبرى وخدعوا، وإذا بوعد استقلالهم يتحوّل إلى وعد بلفور؟. ومن يدري إذا كان عبد الله قد استشهد برصاص خصوم العثمانيين أم أنه اختار التمرد على السلطان العثماني وشق لنفسه طريقاً في الحياة في اليمن بعيداً عن الوطن؟ . وأما مأساة عبد الرحمن فتتمثل في أنه زجّ ليكون شاهداً في مذبحة ضدّ “الأرمل / الأرمن” لا ناقة له فيها ولا جمل.

ويبقى خيار محمد أبو غنيم { بطل جبل أبو غنيم } هو الخيار الوحيد الخارج عن العبثية الاستعمارية , لكنه أيضاً يعكس الانقسام الذي كان قد حصل حتى داخل العائلة الواحدة مثل الانقسامات التي تحدث الآن بسبب المؤامرة التي يشارك في إدارتها أردوغان … ويضيف بأن الوعد لأردوغان – إن صحّ أنه موجود – هو وعدٌ مكذوب، ليس لأنه شخصياً غير مرضيّ عنه أمريكياً وإسرائيلياً ، ولكن لأن وحدة المنطقة – وعلى أيّ مستوى كان – تعتبر خطراً على المشروع الصهيوني. ومن هنا فإن أردوغان إذ يتصوّر إمكانية تحوّله إلى سلطان وامتداد سلطانه من تركيا إلى موريتانيا – باستثناء ما تسيطر عليه إسرائيل سيطرة مباشرة – إنما يعيش وهماً خدّاعاً . فالقوى المعادية لا يمكن أن تمكن أحداً أياً كان من تحقيق هدف الوحدة في المنطقة على أي مستوى كان . والدليل الحي على صحّة ذلك ما نحن فيه الآن .

ونستنتج الكاتب “أما أن يفكر أردوغان بنيل منصب السلطان من خلال طعن سوريا ومحور المقاومة، والتعاون مع الكيان الصهيوني، والتبعية لأميركا، فهذا يعني أنه يحلم بالمستحيل. إنه قد يمكن الصهاينة من إقامة ”إسرائيل الكبرى” لكنه لن يحصل بالمقابل على “السلطنة الإسلامية أو العثمانية الكبرى”. بل إن كيان تركيا نفسها قد يكون عرضة للتفكيك حتى تكف عن التفكير بمثل هذا الحلم الذي يمكن أن يزعج إسرائيل الكبرى في وقت ما” .

Share This