من بينهم الأرمن … مواطنون سوريون من جذور آسيوية… سورية وطن الإنسان من كل مكان..

قدم إلى الأرض السورية أقوام عدة من مختلف الأمكنة خلال أزمنة متعددة ،وسبق أن تحدثنا عن عائلات عربية من شرق الوطن العربي وغربه اختاروا الإقامة في سورية،منذ أواخر العصر العباسي وحتى قبيل منتصف القرن العشرين .

ونتجه في حديثنا هذا نحو الشرق لنذكر قدوم أقوام من أواسط آسيا وشمالها، اختاروا أن تكون سورية وطنا لهم ولأولادهم وأحفادهم من بعدهم، وكانت بدايات قدومهم إلى سورية في العصر العباسي ،وأصبح منهم مشاهير في العلم والأدب والفلسفة والقيادة الحربية، بل وصل بعضهم إلى سدة الحكم وهم الذين اشتهروا باسم المماليك.‏

يأتي في مقدمة السوريين الذين تعود جذورهم إلى أواسط آسيا الذين قدم أجدادهم من تلك البلاد، ومنهم الأرمن والتركمان والأوزبك ،ومن منطقة القوقاز جاء الشركس والشيشان والداغستان، وهي مناطق تقع اليوم ضمن جمهورية روسيا، وحصلت على حكم ذاتي في عدد من الجمهوريات.‏

قدم إلى سورية عائلات من داغستان، وكان استقرار بعضها بعد أداء الحج، ولكن هناك هجرة داغستانية شهيرة إلى سورية حدثت في عام 1870م، وحصل المهاجرون على مرسوم من السلطان العثماني للسكن في عدد من المناطق السورية واشتهر بعضهم بنسبة الداغستاني، وفي زمن الوحدة 1958 هاجروا من القرى المخصصة لهم وانتشروا في المدن وتعود سكناهم في دمشق إلى عام 1910.‏

وهناك عائلات سورية تعود جذورها إلى منطقة مجاورة تدعي أبخازيا،ومنها عائلات اشتهرت باسم البلد الذي قدم منه الأجداد مع بعض التعريب حيث تدعى الآن عائلة أباظة.‏

وتأتي العائلات السورية الذين تعود جذورهم إلى تركمانستان بالدرجة الثانية بعد القادمين من القوقاز، وهناك عدة قرى في ريف دمشق والقنيطرة تضم أعدادا منهم، واشتهر بعضهم بنسبته إلى بلاد أجداده، حيث توجد عائلات تحمل نسبة التركماني.‏

وكان التركمان من أوائل القادمين إلى سورية في ظل الدولة العربية ،وورد ذكرهم في كثير من كتب التاريخ ،فقد جاء في كتاب معجم البلدان للبلاذري فنزلت القوافل بدمشق وهي لقوم من التركمان يقال لهم بنو المراق، كانوا يسكنون دمشق سنة 105 للهجرة، الموافق سنة 723 للميلاد).‏

كما ورد في كتاب البرق الشامي للقاضي الأصفهاني، إشارة إلى أوضاع التركمان ورباطهم في ثغور بلاد الشام ومنها حلب وحماة واللاذقية ودمشق، وتحدث عن أحوال قبائلهم وأمرائهم أمثال الأمير ياروق بنى محلة الياروقية حيث نزل فيها مع عسكره ورجاله وعمر فيها دورا ومساكن ومات ياروق في سنة 1168 ميلادية.‏

وكان لأقوام من التركمان سلطات واسعة في أواخر الدولة العباسية وعرفوا باسم مميز هو السلاجقة.‏

وممن أتى من أواسط آسيا عائلات قدمت من بلد تدعى الآن أوزبكستان ،وقد قدم الأوزبك الأوائل إلى دمشق للعلم والتعليم، وتشير المراجع التاريخية إلى تواجد الأوزبك في دمشق منذ القرن السابع عشر الميلادي.‏

وقام الأوزبك ببناء مساجد ومدارس شهيرة بعضها يعود إلى القرن السابع عشر كجامع المرادية القديم،والمدرسة المرادية بباب البريد، بناهما مراد بن علي البخاري المتوفى سنة 1719 للميلاد.‏

وتعد عائلة البخاري من أشهر العائلات الأوزبكية وتنسب إلى مدينة بخارى ،وقد استشهد عدد منهم دفاعا عن سورية في العصرين العثماني والفرنسي ،كما نبغ منهم قادة وصحفيون وكتاب وفلاسفة وفنانون.‏

وقدم بعضهم من بلاد يطلق عليها اليوم كازاخستان، ومن أشهر شخصياتها الفيلسوف الفارابي الذي توفي في دمشق ودفن في تربة الباب الصغير.‏

كما نذكر قوماً قدموا من الهند وسكنوا خارج السور في مكان عرف بزاوية الهنود، وهو الآن في محلة السويقة وتشتهر في دمشق عائلة باسم عائلة الهندي.‏

ومن آسيا أيضا نذكر عائلات قدمت من مدن تحسب الآن على تركيا مثل عنتاب وماردين حيث تنسب إليها عائلات تعرف الآن باسم عنتابي وعنتابلي والمارديني.‏

ونعود إلى وسط آسيا لنذكر قوماً قدموا من أرمينيا، وقد جاء بعضهم إلى سورية واستقروا بها قبل دخول الإسلام إلى المنطقة، حيث كان الأرمن ياتون لزيارة الأماكن المقدسة، ويذكر المؤرخون أنه بعد عام 301 ميلادي، أصبحت حلب مركزا مهما للحجاج الأرمن في طريقهم إلى القدس.‏

ولكن أشهر هجرة للأرمن حدثت في عام 1915 عندما تعرضوا لمذابح شهيرة في عهد الوالي التركي جمال باشا السفاح.‏ وقد أسهم المواطنون السوريون من أصل أرمني في مختلف مجالات الإبداع الفني والأدبي والصناعي والتجاري ومنهم مشاهير في الأدب والفن سبق أن تحدثنا عنهم في مناسبات سابقة.‏

لقد أسهم السوريون الذين قدم أجدادهم من مختلف مناطق آسيا في مختلف جوانب العمل والبناء والإنتاج، ودافعوا عن سورية ضد المحتلين الفرنجة والعثمانيين والفرنسيين والمحتلين الصهاينة عبر حقب التاريخ القديم والحديث، وامتزجت دماؤهم بتراب سورية.‏

محمد قاسم الخليل

الثورة

Share This