الرئيس اللبناني: حرصنا على إيجاد حلول دبلوماسيّة سلميّة لتسوية النزاع القائم في كاراباخ كي تصبح منطقتكم فعلاً

حفل عشاء على شرف الرئيس الارميني في قصر بعبدا

أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ان علاقات صداقة وتعاون متينة تقوم بين لبنان وأرمينيا تتمثّل في الدعم المتبادل لقضايانا الوطنيّة في المحافل الدوليّة، وعلى الصعيد الإنساني بشكلٍ خاص، عندما استقر على اراضيه مئات آلاف اللاجئين، نتيجة المجازر التي استهدفت الشعب الأرمني مطلع القرن الماضي.
واعتبر الرئيس سليمان أنّ انتفاء الإرادة السياسيّة الفعليّة ما زالت تعيق عمليّة إصلاح الهيئات الأمميّة المعنيّة بإدارة ومعالجة الأزمات الدوليّة، بعيداً، على ما يفترض، عن الأحاديّة وازدواجيّة المعايير، مشيراً الى استمرار معاناة الفلسطينيين لعدم حل قضيتهم العادلة واعادة اللاجئين الى اراضيهم، اضافة الى الازمة السورية التي لا تزال مستمرة وتتشعب وسط تفجر مفجع للعنف، معرباً عن امله في أن تتمكّن مهمة السيّد الأخضر الابراهيمي بدعم إقليمي ودولي فعلي، من تحقيق تقدّم ملموس في عمليّة البحث عن الحلول السياسيّة المرجوّة، بالرغم من الصعوبات والتحديات التي تواجهها.
من جهته، شدد الرئيس الارميني على عمق الروابط التي تجمع لبنان بأرمينيا والعلاقة المتينة القائمة بين الشعبين. وقال ان زيارته الى لبنان تجري في فترة مرور 20 عاماً على اقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وكان لبنان خلالها ويستمر بالنسبة الينا الشريك الموثوق والغالي في هذه المنطقة والمجال الدولي.
واشار الى الرغبة المخلصة لارمينيا واستعدادها للوقوف الى جانب لبنان الشقيق ومساعدته في حقه للمحافظة على سيادته والعيش في سلام. وانطلاقاً من المثل المشترك لدى الشعبين اللبناني والارمني “الصديق في وقت الضيق”، اكد الرئيس سركيسيان استعداد بلاده، وفق امكاناتها،  للوقوف سنداً لاصدقائها.
وفيما يلي كلمة كلام الرئيسين سليمان وسركيسيان جاء خلال حفل العشاء الذي اقامه الرئيس اللبناني على شرف ضيفه الارميني في قصر بعبدا.

كلمة الرئيس سليمان في حفل العشاء على شرف الرئيس الارميني في قصر بعبدا

فخامة الرئيس،
يسرّني أن أرحّب بكم في لبنان، البلد الذي انطبع تاريخه كأرمينيا، بمعاني الشجاعة والنضال، فواجه شعباهما الظلم والشدائد على مرّ القرون، بروح التضحية والشهادة، وثبّتا كيانهما على قاعدة القيم الروحيّة والوطنيّة والعائليّة التي سمحت للشعبين بالمحافظة على جوهر هذا الكيان وعلى وطن يعتزّون به ويتفانون في سبيل الدفاع عنه وعن سيادته وحريّته واستقلاله.
وبالرغم من قدم الوجود الأرمني في لبنان، فقد توطدت العلاقات اللبنانية الأرمنية على الصعيد الإنساني بشكلٍ خاص، عندما استقر على اراضيه مئات آلاف اللاجئين، نتيجة المجازر التي استهدفت الشعب الأرمني مطلع القرن الماضي، في فترة أليمة من تاريخه، فتميّزوا بكدّهم وجدّهم وإبائهم واحترامهم للقوانين؛  وباتوا يشكّلون مكوّناً أساسيّاً من مكوّنات الوطن، يساهمون بشكلٍ فعليّ في حياته السياسيّة وتقدّمه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وقد برز من بينهم الوزراء والنواب والأطباء وأصحاب المهن الحرّة والحرفيون والفنانون والإعلاميون ورجال الأعمال وأهل العلم والفكر؛ في وقت يسمح فيه النظام اللبناني للطوائف المختلفة بالمحافظة على خصوصيّتها في إطار التنوّع المغني، من ضمن الوحدة.
كما أظهروا في كلّ ظرف ووقت ولاءً كاملاً وحبّاً صادقاً للبنان، دون التخلّي بطبيعة الحال عن تعلّقهم المعنوي والعاطفي بأرمينيا التي تشدّهم إليها روابط الدمّ والدين والثقافة والتاريخ.
صحيح أنّ نسبة عالية للأسف من اللبنانيين من أصل أرمني، ومئات آلاف اللبنانيين الآخرين اضطروا للهجرة بفعل النزاعات الداخليّة التي طاولت لبنان والحروب التي تعرّض لها منذ العام 1975، إلا أنّ عمق الأصالة وروح الوفاء التي تميّزهم، جعلتهم يتمسّكون بجذورهم وبالروابط الوطنيّة والاجتماعيّة التي تشدّهم إلى بعضهم البعض، في كنف النوادي والمؤسسات الدينيّة والتربويّة والثقافيّة العريقة المنتشرة في دنيا الاغتراب، والإبقاء بالتالي على جسور التواصل والتكامل والتعاضد مع أهلهم ومحبّيهم في الوطن الأمّ.
وأعلم فخامة الرئيس كم تعوّلون على المغتربين للمساهمة في تنمية بلادكم وإعلاء شأنها والدفاع عن سلامتها وخيرها، كما يعوّل لبنان على مغتربيه. وهذا جهد تضامني مشترك يهمّنا العمل على تنظيمه والإفادة منه لما فيه خير بلدينا.

فخامة الرئيس،
تقوم علاقات صداقة وتعاون متينة بين لبنان وأرمينيا تتمثّل في الدعم المتبادل لقضايانا الوطنيّة في المحافل الدوليّة، ولاسيما، في ما خصّ لبنان، العمل على تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701، والدفاع عن مصالحه وحقوقه. وفي ما يتعلّق بأرمينيا، ضرورة احترام سيادتها ووحدة أراضيها؛ وقد حرصنا دائماً على الدعوة لتغليب فرص الاستقرار والسلام والتنمية في بلادكم العزيزة، وإيجاد حلول دبلوماسيّة سلميّة للمشاكل التي ما زالت تعيق تطبيع علاقاتها مع بعض دول الجوار، وبخاصةً تسوية النزاع القائم في إقليم ناغورنو–كاراباخ، كي تصبح منطقتكم فعلاً، كما تتمنون، “جسر تواصل بين الحضارات لا خطاً فاصلاً بينها”.
كما سرّنا تأييد ترشيحكم وانضمامكم مؤخّراً لعضويّة المنظمة الدوليّة للفرانكوفونيّة، لتعزيز العمل المتعدّد الأطراف على قاعدة الإيمان بمبادئ وقيم مشتركة.
وإذ أذكر باعتزاز زيارتي إلى أرمينيا العام الماضي، وما دار فيها من مباحثات، وما أسفرت عنها من نتائج، فإنّ زيارتكم الرسميّة إلى لبنان اليوم، ستفسح في المجال لاستكمال هذه المباحثات، والنظر في الوسائل العمليّة الكفيلة بتعزيز مجالات التعاون المتعدّدة بين بلدينا.
ولا بدّ على هذا الصعيد من العمل على متابعة تطبيق الاتفاقات ومذكرات التفاهم والبرامج التنفيذيّة التي تمّ التوقيع عليها في مجالات التعاون الاقتصادي والتربوي والثقافي والبيئي والسياحي، والبحث في سبل توسيع آفاق هذا التعاون في مختلف الميادين، كي يرتقي إلى مستوى العلاقات السياسيّة والإنسانيّة الخاصة التي تجمعنا، سعياً لتحقيق تعاون متواصل وطويل الأمد يحمل منفعة مشتركة ويأخذ مصالح البلدين بعين الاعتبار.
وإنّه لفخر مشترك أن يكون للبنان وأرمينيا تاريخ طويل مع الأبجديّة ومع الكتاب، وتحتفل بلادكم هذا العام بمرور خمسمئة سنة على صناعة وطباعة الكتاب على أراضيها بأسلوبه الحديث.

فخامة الرئيس،
لقد بتنا نعيش في عالم متداخل ومترابط، تفرض فيه التحديات المشتركة واجب البحث عن حلول مشتركة، إن على الصعيد الثنائي أو على الصعيدين الإقليمي والدولي. إلا أنّ انتفاء الإرادة السياسيّة الفعليّة ما زالت تعيق عمليّة إصلاح الهيئات الأمميّة المعنيّة بإدارة ومعالجة الأزمات الدوليّة، بعيداً، على ما يفترض، عن الأحاديّة وازدواجيّة المعايير.
وما استمرار قضيّة فلسطين بدون حلّ أو بدايات حلّ عادل وشامل لجميع أوجهها السياسيّة والإنسانيّة، بما في ذلك الاعتراف بحقّ عودة اللاجئين إلى أرضهم وديارهم، بعد أكثر من ستة عقود ونصف من الظلم والمعاناة وآخر مظاهرها العدوان الغاشم على غزّة، سوى دليل على عجز المجتمع الدولي عن فرض الحلول، فاكتفى ببلورة المبادئ العامة لهذه الحلول وعناصرها الرئيسيّة،  بالرغم مما يتسبّب به تمادي الظلم والتسلّط من مخاطر على الديمقراطيّة الناشئة في العالم العربي ومن تشجيع للتطرّف، وتهديد للأمن والسلم الدوليين.
أما بالنسبة لسوريا حيث تطول الأزمة وتتشعّب وسط تصاعد مفجع للعنف، فقد عبّر لبنان منذ البدء، مع حرصه على عدم التدخّل في الشؤون السوريّة، عن تأييده لنهج الحوار والتفاوض كطريقة فضلى لإيجاد حلّ سياسي متكامل ومتوافق عليه، لجميع أوجه الأزمة القائمة، بعيداً عن منطق الغلبة والإكراه، وعن مخاطر التطرّف والتشرذم والتدخّل العسكري الخارجي.
وهذا همّ تشارك فيه أرمينيا، نظراً للتداعيات السلبيّة الممكنة للأزمة السوريّة على دول الجوار، وعلى مجموعة العلاقات والمصالح التي تربطها بهذه الدول. وهي مناسبة كي نكرر الإعراب عن الأمل في أن تتمكّن مهمة السيّد الأخضر الابراهيمي بدعم إقليمي ودولي فعلي، من تحقيق تقدّم ملموس في عمليّة البحث عن الحلول السياسيّة المرجوّة، بالرغم من الصعوبات والتحديات التي تواجهها.

فخامة الرئيس،
لا يسع الدول الصغيرة في حجمها، بقطع النظر عن عراقة حضارتها وغنى تراثها، أن تنخرط أو أن تقع ضحيّة لعبة الأمم ومصالحها ومساوماتها.
من هنا أهميّة تنمية قدراتها الوطنيّة الذاتيّة، بموازاة الاعتماد على مرجعيّة الأمم المتحدة والآليّات المتاحة لديها -على ثغراتها- للمساعدة على تلافي النزاعات، أو إيجاد الحلول السلميّة والعادلة لها، على قاعدة القانون الدولي وقرارات الشرعيّة الدوليّة.
وأرمينيا كلبنان، بشطريهما المقيم والمغترب، يزخران بطاقات بشريّة مميّزة، تسمح لهما بالريادة والتقدّم في مختلف الميادين، إذا ما توفّرت على أرضهما وفي محيطهما الجغرافي شروط الاستقرار والسلام، وبالتالي شروط التنمية المستدامة.
لذا ومن أجل صداقة نعتزّ بها بين لبنان وأرمينيا، وعملاً بقوّة التزامنا بالعمل معاً من أجل تعزيز علاقاتنا الثنائيّة في مختلف الميادين، يسرّني أن أشرب نخب صحّتكم وهناءكم الشخصيّ فخامة الرئيس، وصحّة وهناء السيّدة سركيسيان، ونخب تقدّم أرمينيا وازدهارها وعزّة شعبها الصديق.
عاش لبنان، عاشت أرمينيا.

ومن جهته، القى الرئيس سركيسيان الكلمة التالية:
“فخامة الرئيس والسيدة سليمان،
ايها الوزراء والنواب المحترمون،
ايها السيدات والسادة،
انا مسرور جدأً بزيارة لبنان، هذا البلد المضياف، الذي يعتبر عزيزاً على الارمن، وقضاء هذه الامسية بحرارة معكم. مرة اخرى اود ان اعرب عن امتناني لصديقي الحميم الرئيس سليمان للدعوة لزيارة لبنان وحرارة الاستقبال.
رغم ان هذه الزيارة تتسم بالطابع الرسمي الا انها بالنسبة اليّ لا تتسم بمزاج العمل الخاص بالزيارات المماثلة، اما اطار المسائل التي يتم مناقشتها لا تتحدد بالمواضيع العملية. بالطبع هذا ليس من قبيل الصدفة لان طرق شعبينا العريقين خلال القرون قد تمازجت ومصائرهما قد اندمجت وثقافتهما قد اختلطت.
ان الاتصالات بين شعبينا قد بدأت منذ اقدم العصور، اما الوجود الارمني في لبنان لا يتم قياسه بالقرون. اعتقد انه ليس من قبيل الصدفة انه في لبنان بالذات وقبل قرنين ونصف اقام اول جثليق للارمن الكاثوليك مقره في لبنان وحظي بالاعتراف الرسمي من قبل بابا روما. وفي اعوام الحرب العالمية الاولى كان الارمني اوهانيس باشا كويومجيان آخر قائد لسيادة لبنان الجبلية الذي كان يناضل لكي ينقذ سكان المنطقة من ضغوط تركيا الفتاة وبعد اقالته وازالة السيادة هناك بدأت الحكومة العثمانية موجة عمليات الابادة في لبنان.
انا مقتنع بصورة تامة في ان الشعبين الارمني واللبناني هما اصدقاء اكثر من الصداقة العادية. في اللحظات العصيبة في تاريخ الشعب الارمني اصبح لبنان منارة الخلاص لآلاف الارمن من الذين حرموا من وطنهم. بالطبع يمكن وصف العلاقات المتبادلة المماثلة بالاخوية فقط.
اليوم ايضاً ان وجود جالية ارمنية تضم آلاف الارمن المسالمين والمبدعين هي افضل شهادة على اقوالي. لقد نشأ في لبنان بالذات اكبر مركز روحي ارمني وعدة مراكز ثقافية وتعليمية التي لعبت دوراً هاماً في عملية المحافظة على القومية الامنية في المهجر. ان كاثوليكوسية الارمن الارثوذوكس لبيت كيليكيا وبطريركية الارمن الكاثوليك وجامعة هايكازيان الارمنية الوحيدة في البلدان الاجنبية والقيم الروحية والثقافية الارمنية الاخرى الكثيرة التي تم المحافظة عليها على هذه الارض منذ قرون تربط بيننا وتواريخ شعبينا الى الابد.

ايها الحضور الكريم،
من الجدير بالذكر ان زيارتي الى لبنان تجري في فترة مرور 20 عاماً على اقامة العلاقات الدبلوماسية بين بلدينا. خلال هذه الاعوام العشرين فإن لبنان كان ويستمر البقاء بالنسبة الينا الشريك الموثوق والغالي في هذه المنطقة والمجال الدولي. ان الانجازات هي واضحة ومنها الحوار السياسي الثنائي القائم بيننا والزيارات المتبادلة المنتظمة الرفيعة المستوى والصلات البرلمانية والثقافية والتعليمية والعلمية ووجود القاعدة القانونية الغنية لتلك العلاقات. في الاعوام الاخيرة لقد تنشطت الصلات الاقتصادية ايضاً.
ولكن ورغم كل ذلك لن نكتفي بالانجازات الموجودة وملزمون بهدف ايصال العلاقات المتعددة الجوانب بين ارمينيا ولبنان الى مستوى اعلى جديد.

ايها السيدات والسادة،
بتتبع الاحداث المؤلمة الجارية في الاشهر الاخيرة في المنطقة اود الاشارة الى الرغبة المخلصة لارمينيا واستعدادها للوقوف الى جانب لبنان الشقيق ومساعدته في حقه للمحافظة على سيادته والعيش في سلام.
يوجد لدى شعبينا مثل عام يقول “الصديق في وقت الضيق”. ان الشعب الارمني اقتنع بتجربته التاريخية في ان شعوب لبنان وسوريا ومصر هي صديقة مخلصة في الايام العصيبة ايضاً. واود في ان تكونوا واثقين في اننا حسب امكانياتنا مستعدون دائماً للوقوف سنداً لاصدقائنا. انا واثق ايضاً في ان شعب لبنان في محيط اللهيب الذي يعم المنطقة بواسطة حكمته سيتمكن من تجنب مخالب أي ازمة خطرة ويواصل بناء مستقبله الامن والسلمي والمزدهر.

ايها الاصدقاء،
باختتامي كلمتي اود ان ارفع الكأس احتراماً لكم فخامة الرئيس والسيدة سليمان واحتراماً للصداقة الارمنية اللبنانية الثابتة. اتمنى الوحدة الوطنية الثابتة والسلام والرفاه لشعبي ارمينيا ولبنان لانهما ضامنا استمرار الصداقة الارمنية اللبنانية.
عاش لبنان وعاشت الصداقة الارمنية اللبنانية”.

موقع الرئاسة اللبنانية

Share This