تحالفات تركيا واسرائيل والوجه الآخر لتركيا التي يتغزل فيها التيار الإسلامي!

نشر الكاتب د. رفعت سيد أحمد مقالة تناول فيها تحالفات تركيا واسرائيل ووضح فيها كمائن العلاقات العسكرية بينهما مبيناً أن تركيا هي الصديق الأول لإسرائيل فى المنطقة.

وقد بدأ د. رفعت سيد أحمد مقالته قائلاً إن “أردوغان جاء إلى مصر، ففرح وهلل الإسلاميون وبخاصة الإخوان، وطبل وزمر الإعلام الجاهل، لأن ما يعرفه هذا الإعلام عن أردوغان وتجربته هو القشرة الخارجية التى تدعى التحضر والتمدين والأسلمة المستنيرة، دونما تبحر فى أعماق التجربة، ودونما بحث فى طبيعة الحكم القائم هناك، والذى سيفاجئ هؤلاء المنبهرين، أو المتعمدين -عن قصد- تجهيل الحقيقة المُرة، لتركيا هى أنها دولة تابعة، ومستبدة بامتياز، لا كما يروج فى إعلامنا، أنها دولة ديمقراطية، ولكى ندلل على ما نقول دعونا نبحث بالوثائق والمعلومات عن الوجه الآخر لتركيا الذى لا يعرفه كثير من الإسلاميين الحاكمين فى مصر والذين يتخذون من تركيا وأردوغان وحزبه مثالا يحتذى دونما تمحيص أو وتأمل”.

ويتناول في المقال عنوان “إسلام البزنس” إذ يقول موضحاً: “أولاً: الإسلام فى تركيا وتحديدًا لدى أردوغان وحزبه يأتى كأداةً ووظيفةً لا كعقيدة حاكمة، وهو يأتى فى المرتبة الثانية بعد العلمانية الأتاتوركية -نسبة إلى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة- الحاكمة التى يحترمها أردوغان ويعلن صباح مساء تمسكه بها، وبأن الإسلام الذى يؤمن به هو إسلام البزنس لا إسلام المقاومة والثورة كما قد يتخيل البعض ممن يعجبه رطانة أردوغان وخطاباته الفارغة، التى يستهدف بها من بين ما يستهدف دغدغة مشاعر المصريين والعرب، خصوصا فى ما يتصل بالشأن السورى، الذى يحكم أردوغان فيه هدف رئيسى هو تفكيك سوريا وضرب المقاومة العراقية واللبنانية والفلسطينية، وتحويل الأخيرة خصوصا حركة حماس إلى مجرد مشروع سياسى لا عسكرى، وذلك كله خدمة للغرب الذى يعتبر الولاء له سابق على الولاء للإسلام ولمصالح المسلمين والعرب.

إن التحالف الاستراتيجي -كما سنبين- بين تركيا وكل من إسرائيل وأمريكا هو الحاكم لنظرية حكام أسطنبول «المتأسلمين»، فوفقا لبحث مهم للكاتب اللبنانى المعروف محمد نور الدين (صحيفة السفير 24/5/2012) لم يتغير الدور التركى فى حلف شمال الأطلسى منذ أن انضمّت إليه فى عام 1952 وكان استكمالا لاعتمادها النهج الغربى فى سياساتها الخارجية، بعدما كانت أول دولة مسلمة تعترف بإسرائيل بعد إعلان قيامها عام 1948، تعاقبت حكومات وحدثت انقلابات عسكرية وتناوب العسكر والعلمانيون والإسلاميون على السلطة، ولم يتغير ثبات تركيا فى ولائها للمنظمة التى كانت الشيوعية عدّوها المطلق، قبل أن تنهار ليحل محلها الإسلام. تغير لون «العدو» من الأحمر إلى الأخضر، لكن لون السياسة الخارجية لتركيا لم يتغير، ومن التطورات الأخيرة فى المنطقة بدا واضحا أن انفتاح تركيا، فى السنوات الأخيرة، على دول جوارها الجغرافى كان مجرد «حلم ليلة صيف»، حيث تؤكد سياسات حزب العدالة والتنمية أن مزيدا من التورط فى اللعبة الأطلسية هو الضامن لاستمراره فى السلطة، فى مواجهة العلمانيين والأكراد واليساريين، بل حتى القوميين الأتراك.

لا يمكن لأحد أن يحلل السياسة الخارجية التركية بمعزل عن دورها فى حلف شمال الأطلسى. وهذا يضع دائما شكوكا سميكة على أى خطوة تركية إيجابية فى اتجاه الدول والقوى المعادية للمشروع الصهيونى، أو المعارضة للسياسات الغربية فى المنطقة.

يقول عبد الحميد بالجى، الكاتب الإسلامى التركى فى صحيفة زمان التركية: حالت دون أن يتحول الأطلسى إلى تحالف صليبى». تركيا بمشاركتها مثلا فى حرب أفغانستان لم تكن ترشد الأطلسيين إلى حساسيات المجتمع الإسلامى ليتفادوا إثارة النعرات.. بل على العكس كانت الغطاء الذى يمرر تجاوزات الأطلسيين هناك.

كم من مرة ارتكب جنود «الأطلسى» عمليات قتل للمدنيين واغتصاب للفتيات وتدنيس للمقدسات وانتهاك الحرمات والأخلاق؟ ألم يكن هذا كله وتركيا جزء من الوجود الأطلسى فى أفغانستان؟ وماذا فعلت حكومة حزب العدالة والتنمية لكى تحول دون هذه الانتهاكات، وأى موقف اتخذته استنكارا على الأقل؟

إن السياسة التركية انقلبت على نفسها فى السنة الأخيرة 180 درجة -يقول الخبراء العالمون بالشأن التركى- وباتت إيران وروسيا العدوين الأولين.. هكذا يكتب العلمانى مراد يتكين مثلا فى صحيفة «راديكال»، قائلا إن «انتقال إدارة الرادارات فى ملاطية من يد الولايات المتحدة إلى يد الأطلسى سيقوى وضع تركيا فى مواجهة إيران وروسيا»، ويرى أن الغرب ينتظر من تركيا أن تستعيد علاقاتها الطبيعية مع إسرائيل وقبرص اليونانية، وحتى أرمينيا.

وفى المحصلة -يقول محمد نور الدين فى مقاله- كلما ازداد دور تركيا داخل حلف شمال الأطلسى تبعية ابتعدت أكثر عن حساسيات الشارع فى العالم الإسلامى وقلّت مصداقيتها طبعا إلا لدى إسلاميينا وبعض نخبتنا التابعة، شديدة السطحية، الذين يركزون على القشرة الخارجية (لتركيا أردوغان) ولا يبحثون عن اللب والجوهر.

الاستبداد السياسى فى تركيا

ثانيًا: من القضايا التى يجهلها إسلاميو مصر وبعض مثقفيها وسياسييها عن تركيا، تنامى مظاهر الاستبداد السياسى فى تركيا رغم إدعاءات حزب العدالة والتنمية بالديمقراطية، إن الصورة الديمقراطية فى تركيا ليست بهذه النصاعة والإشراق التى يقدمها الإعلام المصرى الحاكم أو المتأسلم أو تروجه قطاعات واسعة من نخبتنا، فتحت عنوان «تريدون أردوغان… خذوه!» كتب الكاتب التركى المعروف براق بكديل قبل أيام مقالا رائعا أكد فيه أن أردوغان ليس سوى «مستبد» وقامع لشعبه، وأنه يصدّر صورة إعلامية كاذبة عن نفسه وهو ليس مع الثورات العربية لكنه مع سرقتها وتحويلها إلى ثورات لحلف الناتو وأمريكا، وضرب مثلا بموقف أردوغان من سوريا، ويختم بالقول “مهما يكن، أيها الإخوة، فإن عرضى سارٍ دائما، وأضيف إليه هدية مغرية: مع كل أردوغان تحصلون عليه، نقدم لكم بكل سرور وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو!.”.

أما الكاتب اللبنانى المتخصص فى الشأن التركى، محمد نور الدين، فكتب مقالا آخر عن تركيا تحت عنوان «أردوغان يتحدث عن بلد آخر!» غاية فى الأهمية اعتمد فيه على وثائق وأدلة من داخل تركيا جاء فيه نصا: «إنه فى مقابل هذه الصورة الوردية فى التنمية الاقتصادية فى تركيا، تلفّ صورةَ تركيا فى (التنمية السياسية) ظلالٌ كثيرة، ولا سيما من جانب الاتحاد الأوروبى، الذى امتلأ تقريره الأخير عن تركيا بانتقادات لسياسة حكومة رجب طيب أردوغان حول الحريات السياسية والفكرية.

إذ إنه وفى سياق التضييق على نشاطات حزب العمال الكردستانى أطلقت الحكومة التركية أوسع حملة اعتقالات فى صفوف المثقفين والفنانين والنقابيين والناشطين السياسيين، بتهمة التعاون مع حزب العمال الكردستانى ودعم (الإرهاب). ومن هؤلاء المعتقلين مخرجون سينمائيون وكُتّاب بارزون وأساتذة جامعات ونساء. وتقدّر جهات تركية عدد المعتقلين الذين يمكن وصفهم بالمعتقلين السياسيين بأكثر من ثلاثة آلاف شخص. وهو رقم كبير جدا فى بلد يرفع شعار الديموقراطية، وفى مفاوضات مباشرة لعضوية الاتحاد الأوروبى».

وباتت مقارنة وضع الحريات الصحافية والسياسية فى تركيا فى عهد حزب العدالة والتنمية مع وضعها فى عهود الوصاية العسكرية أمرا شائعا و«عاديا».

وجاءت رسالة أردوغان فى الذكرى 63 لوضع إعلان حقوق الإنسان العالمى مغايرة لما هو جارٍ فى تركيا، بحيث شكّك الكاتب سميح ايديز فى صحيفة «ميللييت» قبل أيام فى أن يكون أردوغان يتحدث عن تركيا بل عن بلد آخر.

يقول أردوغان فى رسالته «إن تركيا، مع كل يوم يمر، تصبح فى وضع النموذج فى المنطقة والعالم فى ارتباطها بالديموقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون».

ويعقّب ايديز على هذه الجملة بالقول إنه أمر مأساوى حقا أن يتكلم عن هذا الأمر أردوغان الذى تلقى (جائزة معمر القذافى لحقوق الإنسان)، ولم يُعِدها فى ذروة الأزمة الليبية.

ويقول ايديز إنه «لكى نفهم وضعنا فى مجال حقوق الإنسان هناك حاجة إلى قراءة كل التقارير التى صدرت من المنظمات الحقوقية الدولية وآخرها تقرير الاتحاد الأوروبى السنوى الرسمى». ويوضح أن الدولة الثانية التى تقدّم ضدّها شكاوى إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان هى تركيا، إذ بلغ عدد الشكاوى فى العام الماضى (عام 2011 عام الثورات العربية المسروقة) من أمثال أردوغان 15 ألفا ومئتى شكوى، وفى عام 2012 ارتفع إلى 16 ألفا وثمانمئة شكوى. وفد تثبتت المحكمة الأوروبية من صحة تسعين فى المئة من الدعاوى التى درستها حتى الآن. ويقول إن التثبت من أوضاع حريات الصحافة فى تركيا يجب أن لا تقوم به الحكومة بل الإعلام الحر.

هذه هى تركيا فى عهد أردوغان الذى يجرى خلفه فريق من نخبتنا وسياسيينا وإسلاميينا بمن فيهم د.محمد مرسى وإخوانه المسلمون، منبهرين، مقنعين أنفسهم بأنه يساند ثوراتنا العربية لوجه الله، وهو فى الواقع مجرد قُفاز لواشنطن والغرب، ضدّ شعوبنا العربية، ووحدة بلادنا.

أمريكا تحتلّ تركيا

ثالثًا: على النقيض من الصورة الوردية التى يقدمها أردوغان عن بلده الحر المستقل، ويصدقها بعض السذج من نخبتنا، تقول الحقائق إن تركيا بلد تابع بالكامل لواشنطن، وإنه منذ عام 1969 صارت البلد سداح مداح أمام جيش الولايات المتحدة، ففى هذا العام (1969) وقعت اتفاقية سمح بموجبها للولايات المتحدة بإقامة ست وعشرين قاعدة عسكرية بالإضافة إلى مراكز الرصد والإنذار المبكّر ومراكز الاتصالات اللاسلكية وقواعد التجسس وجمع المعلومات، وكذلك التسهيلات البحرية فى أهم الموانى التركية. ولقد عززت الولايات المتحدة القوات المسلحة التركية بحيث أصبحت تمتلك أكبر قوة برية تقليدية (غير نووية) بعد ألمانيا الغربية السابقة فى حلف الناتو. كما أن موقع تركيا القريب من منابع النفط يعطيها ميزة كقاعدة جيدة للسيطرة على منابع النفط فى الخليج العربى فى حال نشوب حرب عجزت دويلات الخليج فيها -وهو متوقع جدا- عن الدفاع عن نفسها، ويسمح للولايات المتحدة بالسيطرة على معظم الطرق الجوية والبرية المباشرة بين الأقطار العربية والدول المجاورة وإفريقيا، كما يمنحها عديدا من القواعد الجوية والبحرية اللازمة لتسهيل مهمات حلف شمال الأطلسى ويجعلها قادرة على تركيز وسائط الرصد والإنذار المبكر ومحطات التجسس لمراقبة التحركات العسكرية لدول الجوار وبخاصة سوريا بعد الأحداث الجارية اليوم فيها، ومن أهم القواعد العسكرية فى تركيا:

1- قاعدة انجرليك: وهى من أضخم القواعد الجوية للحلف الأطلسى المقامة على الأراضى التركية وتقع على أبواب مدينة أضنه، إذ إن تجهيزاتها من الطائرات والصواريخ وأجهزة الاتصال الرادارية المتطورة والبعيدة المدى إضافة إلى وجود آلاف من الجنود الأمريكان والأوروبيين، وتسمح لهذه القاعدة بالسيطرة على أجواء الجزء الشرقى من البحر المتوسط إضافة إلى مهماتها المخصصة للهجوم والدفاع فإنها تضم عشرات الطائرات من أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا الغرب من طراز «فانتوم» وغيرها. كما تتمركز فيها وحدات من القوة الجوية الأمريكية التكتيكية/16 وتتولى هذه القاعدة بدورها مهمة تدريب الطيارين الأتراك ومن دول حلف الأطلسى الموجودين فى المنطقة من جنسيات مختلفة، وهى اليوم تقوم بتدريب العصابات المسلحة من تنظيم القاعدة وغيرها التى تقاتل فى سوريا باسم «الثورة»، ولكن هدفها تفكيك سوريا وضرب المقاومة المعادية لإسرائيل وأن تبتبدل بها حليفا جديدا صديقا لإسرائيل ولمشيخيات الخليج ولحكام أسطنبول.

2- قاعدة سينوب: تقع هذه القاعدة على الشاطى الجنوبى للبحر الأسود وتوجد فيها رادارات بعيدة المدى وأجهزة اتصال متطورة، ويديرها موظفون من وكالات الأمن القومى، ومهمتها جمع المعلومات عن نشاطات الدول القريبة من منطقة البحر الأسود ورصد تجارب الصواريخ النووية وجمع المعلومات والنشاطات البرية، وهذه القاعدة مزودة بأجهزة إلكترونية متطورة تلتقط رسائل الراديو الخاصة باتصالات الطائرات.

3- قاعدة بيرنكيك: وهى مخصصة للإنذارات المبكرة، فى حالة حصول أى هجوم صاروخى مُعادٍ. وهذه القاعدة استخدمت فى أثناء خلع الشاه محمد رضا بلهوى شاه إيران عن العرش. والأحداث الإيرانية التى تلت ذلك جرت داخليا وخارجيا بالتنسيق مع الأقمار الصناعية التى تلعب هى الأخرى دورا فى مجال الاتصال والمراقبة وتقع على بعد 30 كيلومترا شمال ديار بكر، وهى تستخدم اليوم ضدّ المقاومة العراقية والجيش العربى السورى والتخديم على إسرائيل فى صراعها مع حزب الله فى الجنوب اللبنانى.

4- قاعدة كارنمابردن: تقع على الجانب الشمالى من بحر مرمرة، وهى قاعدة لخفر السواحل وفيها محطة لتوجيه الملاحة البحرية من بُعد. مهمتها مساعدة سفن الأسطول السادس على تحديد مواقعها بدقة.

5- قاعدة إزمير الجوية: تُستخدم هذه القاعدة للدعم الجوى وتعتبر مقر القيادة البرية للجزء الجنوبى من حلف شمال الأطلسى وفيها قيادة القوة الجوية التكتيكية للأسطول السادس.

6- قاعدة بليارى: تقع هذه القاعدة جنوب العاصمة أنقرة وتُعتبر مركزا رئيسيا للتنصت على التجارب النووية التى تجريها روسيا سواء فى البحر أو فى باطن الأرض.

7- قاعدة أنقرة الجوية: هذه القاعدة هدفها تأمين الجسور والإشراف على أجواء البحر الأسود. وفيها مركز عمليات تركية-أمريكية مشتركة.

8- قاعدة سيلفلى: تقع إلى الشمال من أزمير وهى قاعدة جوية تكتيكية تستخدم عند الحاجة إلى القوات الأمريكية وحلف الأطلسى.

9- قاعدتا الإسكندرونة ويومورتاليك: تقعان بالقرب من الحدود السورية وتعتبران من أهم مستودعات التموين والمحروقات وفيها 20% من مخزون الأسطول السادس من الوقود ومركز لتأمين الاتصالات الأمريكية ومحطة رادارية أرضية تابعة لنظام الرصد والإنذار المبكر لحلف شمال الأطلسى (الناتو).

من ذلك كله يمكن القول إن موقع تركيا الاستراتيجى له أهمية كبيرة لدول حلف شمال الأطلسى (الناتو). وهى أهم قاعدة لتدريب المنشقين والعصابات المسلحة التى تعيث فسادا ودمارا الآن فى سوريا باسم الثورة، والثورة بريئة مما يفعلون، وبالمناسبة هذه القاعدة يتم فيها أيضا استقبال بعض الإسلاميين من أمثال «أولاد حازم أبو إسماعيل» و«الإخوان المسلمين» و«لجان الإغاثة الطبية» لدفعهم للموت المجانى فى سوريا باسم الله والدين، والحقيقة أنهم ذاهبون لصالح واشنطن وتل أبيب!

تركيا الصديق الأول لإسرائيل فى المنطقة

رابعًا: يحدثنا التاريخ والواقع أن تركيا التى يحبها الإسلاميون فى مصر ويحبها يوسف القرضاوي وجماعته فى ذلك التنظيم القطرى-الأمريكى المسمى بـ«الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين»، ربما أكثر من حبهم لبلدهم مصر أو لوطنهم العربى، ويتمنون إعادة إنتاج نموذجها فى الحكم، ويقلدونها تقليدا أعمى حتى على مستوى تسمية أحزابهم بأسماء شبيهة بحزب العدالة والتنمية مثل «الحرية والعدالة» و«البناء والتنمية» وغيرها من الأسماء المقلدة بلا وعى، تركيا هذه هى أول بلد إسلامى فى العالم تعترف بإسرائيل (28 مارس 1949 ) تحتفظ اليوم بعلاقات دافئة جدا مع تل أبيب، والتاريخ يقول لنا إنها كانت تاريخيا فى صف الأعداء، فلقد انضمت إلى حلف بغداد المعادى لمصر عبد الناصر عام 1955 وأيدت العدوان الثلاثى على مصر عام .1956 والتدخل الأمريكى فى لبنان ونشر قوتها على الحدود العراقية للتدخل فى إسقاط ثورة 14 يوليو 1958 إضافة إلى تلويحها المستمر بقطع المياه عنه أو تخفيض حصة سوريا والعراق من المياه وإنشاء السدود والخزانات لإلحاق الضرر بالزراعة فى العراق وسوريا. وانتهاكها المستمر لحرمة الأراضى العراقية منذ عام 1991 ولحد الآن بحجة مطاردة عناصر حزب العمال الكردستانى التركى (P.K.K) مستغلة الأوضاع الشاذة فى شمالى العراق، وتتعاون بقوة مع أمريكا والكيان الصهيونى فى مجال التصنيع العسكرى للصواريخ وشبكات الليزر التكتيكية المضادة للصواريخ والتى تحمل اسم «نويتلوس» وهى شبكة تم نشرها فى أواخر عام 1997 وثمة اتفاقات عديدة بين تركيا والكيان الصهيونى على إنتاج صاروخ بوياى (جو أرض) الذى تنتجه تركيا لصالح الكيان الصهيونى، فضلا عن محاولاتها المستمرة لاحتواء حركة حماس وتحويلها إلى حركة مقاومة سياسية فقط دون الجهاد المسلح خدمة لإسرائيل التى تربطها بها علاقات وطيدة، من أبرز ملامحها:

1- فى 1958، وقّع دافيد بن جوريون وعدنان مندريس اتفاقية تعاون ضدّ التطرف ونفوذ الاتحاد السوفييتى فى الشرق الأوسط. وفى 1986 عينت الحكومة التركية سفيرا كقائم بالأعمال فى تل أبيب. وفى 1991، تبادلت الحكومتان السفراء وفى فبراير وأغسطس 1996، وقعت حكومتا تركيا وإسرائيل اتفاقيات تعاون عسكرى. وقد وقع رئيس الأركان التركى جفيق بير على تشكيل مجموعة أبحاث استراتيجية مشتركة، ومناورات مشتركة، منها «تدريب عروس البحر»، وهى تدريبات بحرية بدأت فى يناير 1998، ثم تدريبات مع القوات الجوية، كما يوجد عدة آلاف من المستشارين العسكريين الإسرائيليين فى القوات المسلحة التركية. وتشترى جمهورية تركيا من إسرائيل عديدا من الأسلحة وكذلك تقوم إسرائيل بتحديث دبابات وطائرات تركية.

منذ 1 يناير 2000، أصبحت اتفاقية التجارة الحرة الإسرائيلية التركية سارية.

على الرغم من معارضة تركيا لتقسيم فلسطين عام 1947 فإنها كانت أول دولة إسلامية تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل -كما سبق وذكرنا- وسارعت بعقد اتفاقيات تجارية بعدها وبعد عضوية تركيا فى حلف الناتو اقتربت سياستها من الأيديولوجية الأمريكية واتجهت إلى تعميق علاقاتها مع إسرائيل.

وشهد عام 1994 أول زيارة لرئيسة الوزراء التركية تانسو تشلر إلى إسرائيل لأول مرة وبعدها، ظهرت الاتفاقيات العسكرية السرية إلى النور فى 1996 بتوقيع الاتفاقية الأمنية العسكرية التى اعتبرت مخالفه للقانون، لأنها وقعت دون موافقة لجنة الشؤون الخارجية للبرلمان التركى، ومع ذلك استمرت حتى يومنا هذا 2012.

وتضمنت الاتفاقية إقامة مناورات مشتركة برية-بحرية-جوية وتبادل الخبرة فى تدريب الطيارين المقاتلين وتبادل الاستخبارات الأمنية والعسكرية بخصوص المشكلات الحساسة مثل الموقف الإيرانى والعراقى والسورى إضافة إلى تعاون وثيق فى صيانة وإحلال وتجديد سلاح الجو ومنظومة الدفاع الجوى التركى بقيمة تتجاوز مليارى دولار.

3- وحتى 2012 لا تزال عقود التسلح تمثل صلب التعاون العسكرى بين أنقرة وإسرائيل بل تضاعفت عما كانت عام 2006 وتحولت إلى شراكة استراتيجية منحت شركات الأسلحة الإسرائيلية عقودا معلنة وسرية لتطوير الدبابات M60 وتحديث المقاتلات «إف-16» و«إف-5» وبيع طائرات دون طيار.

4- ومن إجمالى الحركة التجارية بين البلدين كانت عقود الأسلحة تمثل ما بين 65٪ و72٪، وبينما وصل التعاون العسكرى فى العام الحالى (2012) بين تركيا وإسرائيل إلى 2.5 مليار دولار فان الاتفاقيات الموقعة التى لم تلغ حتى الآن ترفع الرقم إلى 4.5 مليار دولار، وهو حجم الصفقات والتعاون بين البلدين فى 2012.

ورغم اتجاه تركيا لتنويع مصادر مشترياتها من السلاح وإنشاء صناعة وطنية بديلا فإنها لم تخفض من اتفاقاتها العسكرية مع إسرائيل، بل على العكس استمرت فى منح إسرائيل المجال الجوى والبحرى للمناورات والتدريب وفتح قواعدها العسكرية فى قونيا وإنجريلك لتستعملهما المقاتلات الإسرائيلية (تُرى ضدّ من ستستعملها إسرائيل؟! السؤال للإسلاميين السذج!)، فالدم الفلسطينى واللبنانى خير مجيب إن أعجزتهم الإجابة!

5- التعاون الاستراتيجى والعلاقات الاقتصادية: تفيد معطيات وزارة التجارة والصناعة الإسرائيلية بأن تركيا تحتل المرتبة السادسة فى قائمة الصادرات الإسرائيلية لدول العالم. الناطق بلسان الوزارة براك جرانوت يشير إلى أن حجم التبادل التجارى بين تركيا وإسرائيل شهد تطورا هائلا، ونبه إلى أنه ارتفع من 300 مليون دولار فى 1997 إلى 3.1 مليارات دولار عام 2010 وفيه بلغ حجم الصادرات الإسرائيلية لأنقرة مليارا وربع مليار دولار.

6- بالعودة إلى الاتفاقية الأمنية العسكرية سنة 1996 بين تركيا وإسرائيل نجد أن من أبرز بنودها التى تنفَّذ اليوم (2012) فى ظل حكومة أردوغان صديق الإخوان المسلمين:

أ- خطة لتجديد 45 طائرة «f-4» بقيمة 600 مليون دولار، تجهيز وتحديث 56 طائرة «f-5»، صناعة 600 دبابة «m-60»، خطة لإنتاج 800 دبابة إسرائيلية «ميركاوه»، خطة مشتركة لإنتاج طائرات استطلاع دون طيار، خطة مشتركة لإنتاج صواريخ أرض جو «بوبى» بقيمة نصف مليار دولار بمدى 150 كم.

ب- تبادل الخبرة فى تدريب الطيارين المقاتلين.

ج- إقامة مناورات مشتركة برية-بحرية-جوية.

د- تبادل الاستخبارات (المعلومات) الأمنية والعسكرية بخصوص المشكلات الحساسة مثل الموقف الإيرانى والعراقى والسورى وطبعا التجسس على الفلسطينيين واللبنانيين المقاتلين.

هـ- إقامة حوار استراتيجى بين الدولتين.

و- التعاون الاقتصادى (التجارى الصناعى) والعسكرى.

7- العلاقات التركية-الإسرائيلية يتحكم فيها عناوين ثلاثة: مشروع أنابيب السلام، واتفاق التعاون الاستراتيحى، واتفاق التجارة الحرة. ويتلخّص مشروع «أنابيب السلام» فى إقامة محطة بمنطقة شلالات مناوجات التركية لتزويد إسرائيل بكمية 50 مليون طن سنويا من المياه لمدة 20 عاما. ويستند المشروع إلى ضخّ المياه فى أنابيب برية عبر الأراضى السورية، ثم دخولها إلى شمال لبنان أو شمال شرق الأردن، وبعدها إلى الأراضى الفلسطينية، أو نقلها بحرا إلى الساحل الإسرائيلى فى حال عدم توقيع اتفاقية سلام بين إسرائيل وكل من سوريا ولبنان. وتشير مصادر إلى انتهاء بناء المحطة التركية، مع بقاء تنفيذ المشروع معلقا. مشروع تبلغ تكلفته نحو مليار دولار، ووُقِّعَ فى عهد أجاويد، علما بأن أوزال بدأ يتحدث عنه منذ 1991 بقوله المشهور «مثلما يبيع العرب البترول، يجب على تركيا أن تبيع بترولها، أى المياه». وقد تمّ التوقيع على الاتفاق فى أغسطس 2002، ويتردد اليوم أن أردوغان قد أعطى إشارة العمل الفورى فيه بأوامر أمريكية وبروح براجماتية بحتة لا ترى تناقضا بين ادّعائه دعم السلام والمسلمين وعلاقاته المسائية والعسكرية مع أعدائهم، الصهاينة! أما المحوران الثانيان (التعاون الاستراتيجى والتجارة الحرة) فهما قائمان على قدم وساق ويتم التوسع فيهما رغم اللهجة العالية التى يطلقها أردوغان ضدّ إسرائيل بين حين وآخر ليرضى السذج من العرب والإسلاميين الذين للأسف يصدقونه، ويتخيلون بعقولهم السطحية أن بينه وبين إسرائيل خلافًا! بيد أن عاموس جلعاد، رئيس دائرة الشؤون السياسية-العسكرية بوزارة الدفاع الاسرائيلية صرح لراديو إسرائيل بأن «العلاقات العسكرية بين إسرائيل وتركيا لا تزال مستمرة ولا يزال الملحق العسكرى الإسرائيلى يواصل عمله»، وأن ما تدعيه تركيا وأردوغان من قطع للعلاقات العسكرية ليس سوى «كلام للاستهلاك المحلى والعربى ليس إلا».

ثم أضاف المسؤول الإسرائيلى أن التعاون العسكرى التركى والإسرائيلى لا يزال قائما ومتطورا خصوصا فى مجال تحديث طائرة «F-4» فانتوم تركيا وطائرات «F-5» بتكلفة 900 مليون دولار وتطوير 170 من دبابات «M60AI» لتركيا بتكلفة 500 مليون دولار، وصواريخ «بوب آى» (٢٥٠ ميلا)، ومجموعة «دليلة» صواريخ «كروز – بوب – II» سطح جو من طراز صواريخ مقابل 150 مليون دولار، والسهم المضاد للصواريخ الباليستية للصواريخ (متفق عليه من قِبل إسرائيل، إقرار الولايات المتحدة ينتظر) – 400 كم (250 ميلا) مجموعة «دليلة» صواريخ كروز (التفاوض).

وينص الاتفاق العسكرى مع إسرائيل بعد تجديده فى عهد أردوغان على تبادل الطيارين ثمانى مرات فى السنة فيُسمح للطيارين الإسرائيليين بممارسة طويلة المدى مع التحليق فوق الأراضى التركية الجبلية، طبعا بهدف التدريب على أراضٍ شبيهة بالأراضى الفلسطينية، يعنى باختصار للمشاركة المباشرة فى قتل الفلسطينيين، ودفن القضية الفلسطينية التى كان ينبغى أن يعتبرها إسلاميو الثورات الجديدة، بمثابة «قطب الرحى» لأن بها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين! أم يا ترى العلاقة مع تركيا-أردوغان أهم لدى إسلاميينا ونخبتنا المخدوعة، من القدس، ومن الحقيقة؟ حقيقة أن تركيا دولة بها استبداد، وتبعية، وعلاقات مع أعداء الأمة والدين، وليست بتلك الصورة الوردية التى يصدرونها لنا ويطلبون منا كُرها، أن نصدقها”.

ويخلص الكاتب الى أن زيارة أردوغان لمصر، وعلاقاته الدافئة الجديدة مع الإخوان والسلفيين، ينبغى أن لا تنسينا أننا إزاء «دولة» تبحث عن مصالحها لا عن نشر الإسلام، تبحث عن المنفعة ولو مع الشيطان الإسرائيلي، دولة فى محصلتها الأخيرة تابعة لواشنطن ولحلف الأطلسي، ومن يكن هكذا فإن من غير المتوقع أن يكون مع الثورات العربية الحقيقية (مثل الثورة المصرية فى بداياتها)، ولكنه مع ثورات حلف الناتو التى تبحث عن النفط وتفكك المقاومة. ويقول: “تركيا-أردوغان، ليست معنا بالمطلق كما يتخيل العقل المريض لنفر من مسؤولينا، ونخبتنا وإعلامنا، إنها مع مصلحتها أولا، التى غالبا ما ستتعارض مع مصالحنا فى الاستقلال والتنمية والثورة، ومقاومة المشروع الصهيونى واسترداد فلسطين!”.

Share This