رسالة إلى السيد أردوغان من رجل دين أرمني

إلى السيد إردوغان،

سيدي،

ازاء الاحداث الاجرامية الدامية المتفاقمة في سوريا، ازاء القتل والذبح والخطف والتهجير والتدمير. ازاء عشرات الآلاف من الضحايا البريئة التي ما زالت تسحق طيلة هذه الاشهر من الحرب العبثية على الارض السورية الحبيبة. ازاء ما عصفت به وهدمته الراجمات والصواريخ والطائرات من معالم تاريخية وشواهد اثرية تراثية، كانت لأشهر خلت محط انظار العالم المتحضر.

ها انك تعتلي منبر الجامعة العربية لتقول للشعب السوري، وللعرب من مسلمين ومسيحيين، ولشعوب العالم: “انه لعار على الانسانية” ان تقف عاجزة، مكتوفة، ولا مبالية امام ما يجري في سوريا.

صدقت في قولك هذا. واهنئك من القلب على ما اعلنته، وما جادت به قريحتك من مشاعر انسانية نبيلة حيال الضحايا البريئة من الشيوخ والاطفال والنساء والشباب الابطال، الذين سقطوا ويسقطون كل يوم، على ارض الوطن الغالي، مضرجين بدمائهم الزكية.

ولكن، انا الارمني، كم كنت اتمنى عليك بأن تنحني اجلالا، ولو لمرة واحدة، وتقف شجاعا، صادقا لتعلن ايضا للعالم “بأنه لعار على تركيا” البارحة واليوم انكارها، حتى الساعة، تلك الابادة الجهنمية التي ذهب ضحيتها مليون ونصف المليون من ابناء الشعب الارمني سنة 1915.

إلامَ تلفق الاكاذيب، وتنسج الحجج والبراهين الواهمة الخادعة، مزورا التاريخ، ومدنسا قدسية العدالة الانسانية والالهية؟ آن الاوان، ودقت الساعة لتعترف جهارا بهول الابادة التي اقترفها من سبقوك من حكام “تركيا الفتاة”، وانت وريثهم، وذلك رأفة بالشهداء الابرار، ورحمة بالابناء والاحفاد والاجيال المستقبلية. وحفاظا على نقاوة وطهارة ضمائر مواطنيك الشرفاء وتحقيقا ودفاعا عن عدالة وسلام عالميين.

هل هو الحنين الى امبراطورية عثمانية بانطورانية ام هي غريزة القتل والبطش دفعتك ثانية للقيام بما تقوم به من تأجيج المؤامرات ضد الشعب السوري الابي واعلان ما اعلنته؟

هل هو الضمير الانساني، الذي استفاق فيك فجأة وتكلم بواسطتك من على منبر الجامعة العربية، ام هي ايضا وايضا تلك المصالح والمطامع الاقتصادية والجيوسياسية والدينية الممقوتة التي دفعتك لقول ما قلته وادعاء ما ادعيته؟

فيا ايها الصديق العزيز، اقول لك، ولأمثالك من محترفي الديبلوماسية الملتوية، ومن عشاق العنف والقتل والحروب: لقد تبنيتم اسوأ الوسائل واشنعها لتبيدوا شعوبا، وتؤسسوا دويلات وتقيموا حكومات، وتقضوا على حضارات وديانات. فانكم لن تفلحوا، لا اليوم ولا غدا، لان الحياة، وكل الحياة هي مسيرة نحو الافضل هي توق نحو الخير والحق والجمال.

بالله عليكم، لا تدنسوا الخير بعد اليوم، ولا تدوسوا الحق والحقيقة بالباطل، والكذب،والنفاق والخداع. ولا تشوهوا الجمال، الساكن في الانسان، وفي ما شيدته يد الانسان على مر العصور والتاريخ. بل، اعترفوا، امام الله والانسانية، وامام ضمائركم الفردية والجماعية، وامام الحق والعدل والتاريخ، بما اقترفت ايديكم من جرم وجرائم. اعترفوا، لخير سوريا ومعا نحو بناء الانسان، المخلوق على صورة الله ومثاله، من اي عرق كان، والى اي دين وجماعة وطائفة انتمى.

عندئذ فقط سنكون، انتم ونحن من بناة الانسان والانسانية، ومن دعاة الاخوة الشاملة، ومن صانعي السلام في القلوب وعلى مساحات الاوطان. فالعار، كل العار علينا وتعليكم ان لم نحقق هذه الرسالة، رسالة الذود عن حقوق المظلومين والمهمشين، والقوامين على صون الكرامات والدفاع عن الحريات.

المونسنيور جورج يغيايان

جريدة النهار

Share This