95 عام على مجزرة الأرمن

GiragosianArticle_032010(ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق – صدق الله العظيم)

أشهر قليلة وتحل الذكرى الخامسة والتسعون الحزينة للمذابح الشهيرة التي تعرض لها الارمن في خضم الحرب العالمية الاولى وبالتحديد في 24 ابريل سنة 1915 على يد الاتراك العثمانيين.

تسعون عاماً أليمة مرت على ذلك اليوم المفجع الذي بدأ بأوامر من بعض الحكام الظالمين باعتقال كبار الشخصيات الارمنية المقيمة في انحاء الامبراطورية العثمانية استعداداً للقضاء عليهم والبدء للإجهاز على الشعب الارمني نفسه الذي كان محتلاً من قبل العثمانيين منذ اكثر من 700 عام.

قصص وأحداث فظيعة تحكى عن اساليب تصفية أولئك الزعماء والمفكرين القادة و منهم أعضاء في البرلمان ومحاميين وادباء وشخصيات فذة لعبت دوراً مشهوداً لصالح الدولة التركية في المنابر الدولية لعقود عديدة وكيف انهم قتلوا جميعاً بأساليب وحشية تقشعر لها الابدان منهم من قتل بالفأس وانشطر راسه ومنهم من جن من الفزع عند مداهمة مكتبه وهو يؤلف الالحان على آلة البيانو.

اما جموع الشعب الارمني وبكل فئاته تعرض لاول ابادة جماعية في القرن العشرين حيث تم تهجيره عنوةً من جميع المدن والبلدات التي كانوا يعيشون فيها على امتداد ارض ارمينيا الواقعة في تلك الفترة تحت حكم الامبراطورية العثمانية في شرق الأناضول وكذلك هؤلاء الذين كانوا يقيمون في مدن وبلدات الدولة وخاصة اسطنبول حيث كانت جالية ارمنية كبيرة مقيمة في تلك المدينة وضواحيها .. ان كل هؤلاء اجبروا على اخلاء بيوتهم بشكل منظم وخبيث وتحت ذرائع عديدة مبطنة انطلت على المجتمع الاوروبي الذي كانت قد اثارت حقوق الاقليات في الاراضي العثمانية في حينه منهم زريعة وخدعة وجوب نقلهم (اي الارمن) من مناطق التوتر في شرق الامبراطورية مع قوات الروس في تلك الفترة إلى مناطق آمنة وانهم هكذا استطاعوا وبامتياز تحقيق غاياتهم التوسعية الطورانية بتشتيت الشعب الذي كان يشكل الاغلبية في تلك المنطقة الحدودية الحساسة وتوطين الاتراك بدلاً عنهم واحتلال مواقع استراتيجية إضافية مثل هضبة جبل ارارات الاستراتيجي الذي حطت عليه سفينة النبي نوح عليه السلام والمعروف منذ الازل بانه جبل ارمني ومذكور في جميع كتب الجغرافيا ومراجع التاريخ.

في هذه المساحة المحدودة لا ارغب في سرد احداث تاريخية اصبحت معروفة بفضل الله للجميع ومعترف بها في كثير من الدول العظمى مثل فرنسا وايطاليا وكندا وغيرهم من كبرى الدول الاوروبية والامريكية ودول صغيرة، (بنظرنا أيضاً كبيرة وعظيمة) مثل لبنان واروغوي وعشرات من الدول حول العالم بل ارغب في التركيز على الظاهرة المؤسفة لعناد الدولة التركية الحديثة بإنكار تلك الواقعة في المحافل الدولية والصدام مع المجتمع الاوروبي في تلك المسألة، وعدم إقرار حق الارمن في التعويض المعنوي والمادي وطي صفحة مسألة القضية الارمنية الي الابد والتطلع على علاقة جديدة قائمة على التعاون المثمر بين الشعبين التركي والارمني الذين تربطهم علاقة جوار وود وصداقة لاكثر من 800 عام.

ان الحكومة التركية الحالية تنكر بدون وجه حق حدوث المجزرة ولاترغب بالتصالح مع ماضيها بل على العكس من ذلك لجأت إلى حملة مضادة ضد الارمن بقلب الحقائق وترويج فكرة بان الارمن هم من اعتدوا وقتلوا الأتراك في تلك الفترة واخذوا يلقون المحاضرات على المستوى الرسمي في المحافل الدولية دون مراعاة ادبيات النزاهة ونشروا صوراً لمقابر جماعية زعموا انها من صنع الارمن لتشويه الحقائق وخلط الاوراق. كيف سيصدق من يسمع بان شعب محتل ومضطهد لقرون عديدة وأعزل ومغلوب على امره مثله مثل بقية الدول الواقعة تحت حكم العثمانيين آنذاك يستطيع التطاول على ابناء الامبراطورية الجبارة التي تناطح القياصرة في الشرق وملوك الاوربيين في الغرب وان تلك الدولة وبعظمتها لا تستطيع حماية مواطنيها من الارمن الاعزل. يالها من محاولة فاشلة لخداع احرار العالم العارفين للحقيقة منذ قرن من الزمن وأولهم الشعوب العربية وكذلك الاوربيون.

إن لسان حال أحفاد الارمن اليوم المشبعيين بثقافة الاخوة والسلام يقول بانهم مستعدون للتصالح اذا ردت السلطات التركية حقوقهم المعنوية والمادية واعترفت بالمجازر التي اوقعها اسلافهم على الارمن وابداء الرغبة النبيلة للتحاور مع الدولة الارمنية والعودة الى فضيلة الحق. واني ارى بان بادرة شجاعة مثل هذة من قبل الدولة التركية وفي هذا الوقت والظروف بالذات ستكون خطوة واقعية حكيمة شديدة التأثير إيجاباً وفارقة على مستقبل تركيا على المستوى الاوروبي بشكل خاص ولااظن بان المجتمع الاوروبي سوف يقبل بضم تركيا لنادي اوروبا قبل ان توفر تركيا قدراً كافياً من الوعي والنضج الحضاري بجانب امور اخرى اهمية الاعتراف بالخطأ كما فعل أحد اعضاء النادي المؤسسيين وهي المانيا (واذكرها هنا كمثل قريب) حيث انها اعترفت اعترافاً صريحاً بالابادة التي لحقت باليهود من قبل النازيين اسلاف الالمان الحاليين المتحضرين الذين وقفوا وقفة احترام واجلال امام النصب التذكاري لضحايا اليهود في بولندا ممثلين بالمستشار (جيرهارد شرودر) ،وكذلك التصريح الشجاع الذي ادلى به الرئيس الالماني (هورست كولر) امام الكنيست الاسرائيلي عن مسؤولية بلاده عن المحرقة (هولو كوست) التي استهدفت اليهود ناهيك عن البلايين من الماركات التي دفعتها الدولة الالمانية للشعب اليهودي بعد الحرب العالمية الثانية كتعويضات.

هذا أيضا ما يتوقعه ضمير المجتمع الدولي والشعب الارمني من القادة الاتراك وقفة احترام امام نصب مليون ونصف من الشهداء على تلة زيزرناكابيرت في يريفان عاصمة ارمينبا ممثلاً برئيس الوزراء التركي وتصريح مماثل لا يقل صراحة وشمولية من رئيس الجمهورية بالاعتراف بالواقعة. فهل يسمو ويفعل؟

كيراكوس قيومجيان

Share This