ميلاد الأرمن الأرثوذكس … مجدٌ وتقاليد وغصّة

الليلة تصدح أحياء برج حمود بالترانيم… ترانيم تتناغم في عمقيات معانيها مع الأضواء والزينة التي تجتاح المنطقة. هنا يقطن أبناء الطائفة الأرمنية الأرثوذكسية في غالبيتهم… وهنا يولد المسيح في مذوده عندما تتعانق عقارب الساعة معلنةً منتصف الليل وحلول السادس من كانون الثاني الذي يحمل الى أبناء الطائفة الكاثوليكية عيداً آخر.

كلُّ شيءٍ يشي بأن تلك المنطقة وسواها من مواقع تجمّع الأرمن الأرثوذكس في العاصمة بيروت وتحديداً في منطقة الأشرفية ستعايش بعد ساعاتٍ حدثاً مجيداً… ولادة تنتظرها الشعوب وكانت أرمينا من أولى الدول التي انتظرتها وبشّرت بها.

الرهبة نفسها

لا تختلف أجواء الميلاد الأرمني الأرثوذكسي عن سلفه لدى الطوائف الكاثوليكيّة: الرهبة نفسها، بخّور المجد ذاتُه والمغارة عينُها… وحدها اللغة التي تعبق في الأجواء تسرّب الى مسامع المارّ من هناك أو قاصد المنطقة بأن اللغة الأرمنية هي بطلة الكنائس في هذه الليلة وبطلة الترانيم الميلادية التي تعلو شفاه المؤمنين. على اكتظاظها وزحمتها وأصوات المنادين فيها على بضائعهم غفا أبناء الميلاد ليلة أمس ليستفيقوا اليوم على صوتٍ ميلاديٍّ آتٍ من بعيد.

تزامنٌ…
صحيحٌ أن الطائفة الكاثوليكية تنتظر هي الأخرى كلّ عام وفي السادس من كانون الثاني حلول عيد الغطاس الذي يشهد مرور السيّد المسيح لمباركة كلّ بيت، بيد أن المجد الإهلي يغدو مزدوجاً. في تلك الليلة المياه تصبح مباركة، الأشجار الميلادية تسجد، الخميرة تعلو الشرفات تماما كما تعلو الصلوات الشفاه. ذاك المرور المجيد يقابله لدى الطائفة الأرمنية الأرثوذكسية حدثٌ مجيدٌ في التوقيت نفسه يرسمه ميلاد المخلّص. وإذا كان “الميلاد الكاثوليكي” ولّى فإن زمنه لم يرحل بعد أقله في النفوس كما في الشوارع، خصوصًا أن العرف جرى عن قصدٍ أو غيره، بأن تبقى الزينة الميلاديّة في الطرق والمنازل الى حين حلول عيد الغطاس وبالتالي “الميلاد الأرمني الأرثوذكسي”.

طابع زهدوي

أشبه بخلية نحل بدت شوارع برج حمود على عتبة ساعاتٍ من قداس منتصف الليل. قداسٌ ميلادي تفرض الأعراف الأرمنية أن ترافقه زيارة الموتى لإحياء ذكراهم وأن يُحتفل به لا بالهدايا بل بالأطايب التي تتقدمها المكسّرات. وبعيداً من معاني العيد الدينية، تضجّ الأسواق بأجواء الميلاد خصوصًا محال الألبسة والهدايا وتبدو الحركة جنونية وإن كانت بلا بركة كما يُجمِع تجار المنطقة… فهؤلاء عايشوا قبل أيامٍ عيدي الميلاد ورأس السنة وعلموا أن الجمود الذي حملاه ستنتقل عدواه الى ميلاد منطقتهم، وما الفارق طالما أن الجميع يقطنون بلداً واحداً وطالما أنه بات متعارفاً عليه أن منقطة برج حمود ليست للميسورين. هكذا وكما كلّ عيد لا يُسقِط المتجوّلون في شوارع برج حمود التجاريّة الحديث عن الضائقة المعيشيّة التي تُنهِكهم وتنغّص عليهم فرحة العيد وإن كان الطابع الزهدوي يطغى عليه في الأساس. فهؤلاء يُجمعون على أن فرحتهم الحقيقيّة ليست في الزينة والأشجار والأضواء بل في اجتماع العائلة الى مائدة واحدة وفي الصلوات الميلادية لمن بقي هنا أو بعيداً ولمن رحل الى دنيا الحقّ.

غصّة…
ورغم أن الميلاد يحمل في طياته أسمى معاني البهجة بولادة مخلّص الأكوان، إلا أن الغصّة لا تفارق أرمن لبنان والشتات. فحسنُ انصهارهم في البيئة اللبنانية لا يعني تناسيهم القضيّة… هي غصّة الإبادة التي يأمل أرمن لبنان اليوم بالذات وتحديداً الأرثوذكس منهم كما جميع أرمن الشتات أن تحمل معها ميلاداً جديداً للشعب برمّته… في زمن الميلاد.

الياس قطار

albaladonline.com

Share This