الإبادة الجماعية

دانييل غولدهاغن الكاتب و المؤرخ الامريكي المثير للجدل، يبحث دائما في قضايا اشكالية ومثيرة للجدل وهو كما يقول: لان القضايا الاشكالية تثير استفزاز القارىء ايجابا وتدفعه للبحث وانجاز ما لم يتمكن الباحث والمؤرخ من انجازه.

في كتابه “أسوأ من حرب” والتي ترجمت مؤخرا الى الالمانية، يضعنا الباحث والمؤرخ واستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد سابقا وجهاً لوجه أمام الطوفان “الابادة اجماعية “.

فكرة الكتاب جاءت كما يقول الكاتب من دعوة له من إحدى الجمعيات اليهودية لالقاء محاضرة حول الهولوكست ولكن بعد المحاضرة أردت التعمق اكثر ودفعني هول القضية الى البحث في تفاصيل واحداثيات الإبادات الجماعية على مر العصور ولكنني في هذا البحث / الكتاب “أسوأ من حرب” حللت وبحثت في الابادة الجماعية في القرنين العشرين والحادي والعشرين اي تلك الإبادات القريبة التي لم تجف دماء ضحاياه بعد كما يقولون في أكثر من 700 صفحة يحلل الباحث فكرة الابادة الجماعية وكيفية تحول الفكرة من الفعل النظري الى الفعل العملي ويحلل اسبابها.. من إبادة الاتراك للأرمن في مطلع القرن العشرين مروراً بالهولوكوست ووصولا الى إرهاب الخمير الحمر في كمبوديا وجرائم العنصريين والقوميين الصرب في البوسنة والهرسك والتصفية العرقية في غواتيمالا وابادة التوتسي في رواندا وحتى جرائم صدام حسين ضد الأكراد والشيعة وصولا الى دارفور.

حيثما تكون هناك ثقافة الكراهية وعدم تقبل الآخر، تولد فكرة الإبادة وممارسة العنف لاستئصال ألاخر المختلف، يؤكد غولد هاغن. تحتل مأساة دارفور حيزا مهما من الكتاب، لان المجتمع الدولي لم يتمكن حتى الآن من ايجاد حل ما لهذه الإبادة الجماعية لسكان دارفور في رؤية لهذه الكارثة الانسانية الفظيعة يبدأ دانييل غولدهاغن بانتقاد عنيف للمجتمع الدولي ومؤسساته ويرى بان تلك المؤسسات تخنصر حكم الاقوياء والمتنفذين ولا مكان للدول الصغيرة فيها فمجلس الامن الدولي ومؤسسات الامم المتحدة بحاجة الى اعادة بناء واعتماد مبدأ الشراكة في اتخاذ القرارات والغاء “حق الفيتو” للدول الدائمة العضوية ان مجلس الامن الدولي يشرعن مصالح الدول القوية وامتيازاتها.

وحول النظام السوداني الذي يعرقل ايجاد لمأساة دارفور يطالب غولدهاغن المجتمع الدولي واوربا وامريكا بقطع الحوار مع النظام السوداني حول دارفور واتخاذا اجراءآت من طرف واحد (التذرع بالسيادة امر مفروغ منه حين تكون هناك ابادة جماعية يقول المؤلف) لايجاد حل وابرز هذه الاجراءات:

إرسال قوة عسكرية كبيرة يفضل ان تكون دولية وتحت راية الامم المتحدة وبادارة امريكية واوربية الى دارفور عزل النظام السوداني وقطع العلاقات الدبلوماسية معه وطرده من المحافل الدولية الغاء الجيش السوداني الحالي و وتحويله الى قوات دفاع فقط الرد العسكري المباشر على القوات السودانية وميليشياتها (الجنجويد) تقديم المتورطين في جرائم دارفور الى المحاكمة الدولية الزام الحكومة السودانية بدفع تعويضات مالية كبيرة للمتضررين والضحايا ويحمل المؤلف الامم المتحدة قسطا كبيرا من مسؤولية ما يحدث في دارفور لانها لا تؤدي واجباتها الملقاة على عاتقها في حماية الابرياء المدنيين.

يدق دانييل غولدهاغن جرس الانذار ويكرر النظام العالمي الحالي، ليس انسانيا وليس عادلا أبدا لذلك يطالب باعادة النظر فيه ووضع الانسان وحقوقه المشروعة فوق كل الاعتبارات و المصالح السياسية والاقتصادية.

(كلنا شركاء)
17/2/2010

Share This