مذكرات جندي مجهول… قصة قصيرة بقلم ساندرا أكوبيان استانبولية

كيف وصلت لهنا …؟؟؟

مرت حياتي كمسلسل سريع

في حفرة مظلمة … رفعت عيناي للسماء

نجوم كثيرة متلالئة على سجادة سوداء

تذكرت السجادة العجمية في بيت جدي

والذي كان يصرخ فينا عندما نلعب فوقها

خوفاً عليها ، ونحن نعود مشاكسين لنغضبه

أملاً ان يلحقنا بالعصا فنختبئ هنا وهناك

تمر علينا قصص في حياتنا ، نتذكر فيها لحظات تبدو في وقتها عادية جداً ، ولكننا لا ندرك

أهميتها وصفاءها إلا عندما تضعنا الحياة بأماكن ومواقف لا نتصور أن نكون بها …

لا أعلم مصيري حتى بعد ساعة

لا أدري كيف ستكون نهايتي

اشلاء ، ذبح ، رصاصة …؟

هل موقفي صحيح ؟؟؟

هل انا من الأعداء ؟؟؟

هل تستاهل قضيتي تضحيتي ؟؟؟

أم أنا مجرد أبله غُسل رأسه ؟؟؟

كيف يحاسب الله أمثالنا ؟؟؟

قلب أمي منفطر منذ الان وسيتحطم ساعة موتي ، لتتألم اكثر مني أضعاف ، فألمي لن يتخطى

دقائق موتي ، ولكن ألمها لساعة موتها

في الحرب قلوب الأمهات تحترق

يعشن جحيم الفراق

لحين اللقاء

أشعر بالفراغ …. حتى الان قتلت عشر جنود

وهم قتلوا خمس من أصدقائي

لا أنفك أفكر ساعة قتلي لهم

هل هم مثلي ….؟

أمهاتهم تبكي ، أولادهم تيتموا ، زوجاتهم ترملت

على يد شخص قاتل أخذ دور الله وهو أنا

مازلت أشعر بالفراغ

هم مثلي تماماً مقتنعين بالقضية

حسب بيئتهم وديانتهم وأجدادهم وموطنهم والالامهم

تباً لكل قضية كالمرأة العاهرة

تستمتع بالبداية وتدمن عليها لتدرك ان النهاية بشعة

قبل أن انزل لميدان الحرب ، للأرض

والدماء اللزجة والكره الأسود

والجثث المتعفنة وبكاء الأطفال

ونحيب النساء ورجاء الرجال

قبل كل ذلك

كنت أتبجج بالقوة والثأر

واكره من يعارضني

واتمنى موتهم

كنت اربط الرجولة برشاشي

واريد حمل السلاح

والدفاع عن قضيتي وبلدي

كم الكلام سهل في الحياة

نظرت إلى يداي العاريتين القاتلتين

إذا بقيت حياً سأتقلد بالأوسمة والرتب ولكنني ميت حي

تمنيت أن أكون في غير هذه الحياة

أن أعود طفلاً في حضن أمي ورائحتها وأن لا أعلم شيئاً عن الحرب والأهوال

اسألك ياربي

أناقش ذاتي القاتلة وعذابي الدنيء

أعتقد أن هناك خطأ في الأديان

عن العوالم في الحياة

حيث أن هناك مايسمى جنة ونار

جهنم وفردوس

شيطان رجيم وابليس شرير

وملاك أبيض ورب رحيم

وأنبياء وقديسين

فعلا يارب السموات

أعتقد وأؤمن بهم كلهم

وبك ياربي

إلا انني متأكد أن هناك خطأ بتحديد الأمكنة

واننا في الجحيم وغياهب النار والاشرار

فجأة ….

أصوات رصاص هنا وهناك

صرخ صديقي من الحفرة الآخرى

علينا بهم ياحسن

وبشكل آلي نسيت كل أفكاري وتحولت للروبوت القاتل

لن أستطيع التراجع ، لن أستطيع الخروج من تلك الدوامة

قضيتي مازلت مخلصاً مقتنعاً بها

ولكني انسانياً وأخلاقياً أتصارع

شيخي بارك لي جهادي ، دفاعاً أو هجوماً

ولكن ايماني الخاص يعلم ان كل ذلك خطأ

وأننا بيادق مبرمجة …

تقدمت مع بارودتي ورأيت خيال يتحرك

أطلقت سبع طلقات وسمعت آهات مقيتة

كحيوان نافق … لا لا يجب أن أهين الحيوانات

وحين تلك اللحظة

شعرت ببرودة غريبة

وألم شديد بخاصرتي

ونفس متسارع على رقبتي

وتحركت السكين بشكل دائري لتقور أحشائي وتمزقها أكثر … بلؤم وحقد

وبهمس قوي قال لي : مت ياكلب أنت منهم

ألست مع تلك القضية ….؟

ابتسمت بسخرية … أي قضية هذه ؟؟؟

أخيراً شعرت بالراحة … وعفواً ياأمي وداعاً

ابنك مات من أجل قضية.

بقلم ساندرا أكوبيان استانبولية

Share This