مسلسل “إخوة التراب” تناول الإبادة الأرمنية واستعاد التاريخ الدموي للسلطنة العثمانية البائدة

نشر الكاتب حسن م. يوسف السورية في زاويته الاسبوعية في “الوطن” تحت عنوان (“إخوة التراب” مجدداً)، حيث كتب أنه عندما بدأ بكتابة مسلسل «إخوة التراب» كانت العلاقات مع تركيا عادية تماماً، ولكن مكر التاريخ جعل العرض الأول للمسلسل، بعد سنتين، يتصادف مع تردي العلاقات بين البلدين!”، وأنه يحاول أن أتجنب الخوض في وحل السياسة اليومية لأنني معني بهموم الإنسان وقضاياه، وليس بشطارات من يتسلقون على تلك الهموم والقضايا. على كل حال أنا لا علاقة لي بتسويق أعماله ولا بتوقيت عرضها، ولا يتدخل بهذه الأمور من قريب ولا من بعيد.

وأنه يعتبر السيد يلماظ الوالي الجديد الذي عينته تركيا مؤخراً على شمالي سورية الخليفة الأول لجمال باشا السفاح. وأنه يحمله بصفته الاعتبارية هذه، مسؤولية دماء شهداء السادس من أيار”.

وقال: “عندما عرض «إخوة التراب» للمرة الأولى شكك أحد الفنانين من باب «الغيرة المهنية» بمصداقية المسلسل التاريخية، واتهمه بالإفراط في مشاهد العنف، لأن عقوبة الخازوق كانت قد ألغيت رسمياً في السلطنة العثمانية مع حل الإنكشارية وهذا صحيح. يومها أثبتت لذلك الفنان «الغيور» بالدليل القاطع مدى هشاشة طرحه، فإلغاء العقوبة رسمياً لا يعني إلغاءها فعلياً، وأحلته إلى الصفحة 69 من مذكرات الملك عبد اللـه «جد الملك الأردني الحالي» حيث يقول بالحرف: «وكانت الفظاعة من الجند التركي، بإحراق القرى وتقتيل الأبرياء السبب الأول في الانقلاب الأخير حيث قال الأمير: «ليس من هؤلاء خير للعرب»، ولقد عُرِضَتْ عليه أربع مرات جثث شويت على النار شَيَّاً، بأن تدخل أعمدة الخيام في أدبارهم حتى تخرج من أفواههم». إن مشاهد العنف في مسلسل «إخوة التراب» ليست سوى مفردات فنية هدفها جعل هذا العمل المضاد للعنف أكثر إقناعاً! أما مشاهد العنف المريعة حقاً، والحقيقية حقاً، والجديرة بالاحتجاج حقاً، فهي ليست من صنع كاتب ولا مخرج ولا ممثلي «إخوة التراب»، بل من صنع أجداد الذين احتجوا عليها! ومن ينس تاريخه، فلابد أن يجد نفسه خارج التاريخ! لست أزعم أن «إخوة التراب» يقدم كل حقائق الحقبة التاريخية التي يتصدى لها، فليس هناك في تاريخ الفن أي عمل يقدم «التاريخ» بشموليته ودقته! وكل الأعمال الفنية دون استثناء ليست سوى نظرات في التاريخ! رغم ما سبق أؤكد لكم أنه لا توجد أي معلومة في «إخوة التراب» ليس لها سند تاريخي في الوثائق، إلا أنني لست مع تقديس الوثائق، لأنها تعبر عن وجهة نظر من كانوا يعرفون القراءة والكتابة فقط، أما الأميون فتبقى وجهة نظرهم مجهولة، وعلى الكاتب المخلص أن يتمثل في وجدانه معاناة النصف الصامت من المجتمع وأن يدمجها بما تقوله الوثائق، ثم يعبر عن ذلك كله بصدق. وهذا يفرض مسؤولية مضاعفة على صناع الدراما العربية، وعلى رأسهم الكاتب الدرامي، وخاصة أننا ما نزال، مع الأسف، نخوض معارك الماضي كل يوم، بدءاً من معركة الجمل وانتهاء بمعركة داحس والغبراء! إن غبار الماضي يملأ حاضرنا، لدرجة أنه يمنعنا أحياناً من التنفس. رغم ذلك، فنحن لا نراه بوضوح! ولا نعرف القوانين المحركة له! لهذا كله أتمنى على مشاهدي «إخوة التراب» أن يروه الآن كعمل فني يقارب الماضي بغية عدم التكرار فهو يوقظ أجنحة الأمة للقفز بواسطتها إلى المستقبل!”.

ونشرت صحيفة “تشرين” مقالة بقلم لؤي ماجد سليمان تحت عنوان (استعاد التاريخ الدموي للسلطنة العثمانية البائدة: “إخوة التراب” أيقونة درامية دائمة الخضرة)، وقال: “أعادت بعض المحطات السورية الأرضية والفضائية عرض مسلسل «لإخوة التراب»، الذي تم إنتاجه عام 1996، وعرض وقتها على عدة محطات فضائية خليجية، إلا أن عرضه توقف آنذاك نتيجة الضغط التركي على تلك المحطات. «أخوة التراب» الذي كتب السيناريو له حسن م يوسف، وأخرجه المبدع نجدة إسماعيل أنزور، قامت وقتذاك ببطولته كوكبة من الفنانين السوريين منهم أيمن زيدان، خالد تاجا، زهير عبد الكريم، وسوزان نجم الدين. دارت أحداثه حول تجنيد الشباب العربي لخدمة مصالح المستعمر العثماني، وسوقه لمحاربة الانكليز خلال الحرب العالمية الأولى، هنا لا بد من التوقف وأخذ نفس عميق تجاه عمل درامي ملحمي كان له الأثر الواضح في تغيير مسار الدراما السورية، ليس من حيث الموضوع والهم القومي المشترك تجاه الدول التي سعت لاستعمار الوطن العربي ونهب ثرواته فحسب، بل من خلال معالجة النص بشكل درامي بعيد عن الإطالة والحشو، لتحويل العمل إلى ثلاثة أجزاء أو أربعة بإدخال قصص وحوادث فردية لا تخدم النص، مع حرص المؤلف على عدم إهمال المفاصل الرئيسة والأحداث التاريخية لتلك المرحلة، حيث قدم هذا العرض التلفزيوني اللافت محاكاة للتاريخ والأحداث في حقبة مظلمة، مستعرضاً تاريخاً يجهله الكثيرون، مدعمّاً بحقائق موثّقة كما أشار المؤلف أكثر من مرة، ولاسيما ما كانت تقوم به سلطنة الباب العالي تجاه العرب من جرائم إحراق وقتل وإبادات جماعية، فالكاتب لم يصنع التاريخ كما ذكر، بل قدمه من دون رتوش وفق وثائق، ويمكن الجزم أن الكثيرين من متابعي ما عُرف بدراما البيئة الشامية أو «الفنتازيا» لا يعرفون ماذا يعني يوم السادس من أيار، ولا الجريمة التي ارتكبتها السلطات العثمانية بحق الوطنيين في كل من دمشق، وحمص، وصيدا وبيروت، ويافا والقدس، ولا عن المشانق التي عُلقت في ساحة المرجة في دمشق وساحة الحرية في بيروت، أو المحكمة الصورية التي أقامها جمال باشا السفاح في «عاليه» لإعدامهم شنقاً بتهمة «الوطنية» والتحرر من الاستعمار ومطالبتهم بفصل البلاد العربية عن الدولة العثمانية التي كانت تستعبدهم وتستغلهم في حروبها وتسرق خيراتهم، وربما البعض يجهل حملات الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي بحق الأرمن، التي طالت مليوناً ونصف المليون من الشعب الأرمني بتهمة الانتماء الديني فقط، بل ما زالت الصور والوثائق في الفاتيكان شاهدة على تعليق الأمهات الأرمن على الصليب عاريات. جرائم لم يشهد لها حتى تاريخ الغابة مثيل، أيضاً السفر برلك لاحتلال مصر و زج العرب كدروع بشرية في مقدمة الجيش العثماني لمحاربة بريطانيا. جرائم كثيرة، ممارسات عنيفة، أحداث حقيقية نقلتها لنا كاميرا نجدة أنزور في إطار ملحمي لتروي لنا قصة الثورة العربية تجاه الاستبداد الأرطغرلي، بصورة متطورة جداً، ووفق فلسفة بصرية عُنيت بالحس الجمالي، واستخدمت عناصر إبهار كاملة من شأنها تغطية نقط الضعف الإخراجية في الدراما العربية، فقدمت لغة فنية جديدة عالية، حيث تشعر عين المشاهد بالحس الجمالي الذي كانت تفقده الصورة في المسلسلات العربية عموماً، فبدأت هذه الأعمال تشكل منعطفاً مهماً في مسيرة الدراما السورية. حتى إن الأعمال الجديدة سارت على النهج ذاته في حديث الكاميرا لكن من دون النص، إذ لم نجد أعمالاً أخرى اهتمت بالتاريخ أو الهم القومي، ولم تقدم الدراما أعمالاً تحتوي على مضامين فكرية أو تاريخية من شأنها توحيد الصف العربي، أو على الأقل إعادة قراءة التاريخ للأجيال الجديدة لتدرك حجم خسارتها، وما طالها من عمليات سلب ونهب وعنصرية طالت الجغرافيا والثقافة، وحوّلت الإنسان العربي إلى تابع، بالطبع هي مسؤولية جماعية لكنها تقع أولاً على عاتق كتّاب الدراما وصناعها، فمن حق المشاهد العربي أن يشاهد أعمالاً ملحمية أخرى تختلف كل الاختلاف عن ملحمة «باب الحارة» وأرطال «أبو عصام» وأطباق «أباوته»…هكذا تصير الدراما في «أخوة التراب» بمنزلة وثيقة تاريخية على همجية المستعمر العثماني وظلمه، فتصير الصورة قادرة على مقارعة البطش السلجوقي وتعريته حتى في أيامنا هذه، فالتاريخ يعيد نفسه في لبوسٍ آخر، فهل من جزءٍ ثالث من «أخوة التراب»؟”.

Share This