وارطان ماميكونيان وانتصار الفكرة

لرقي الشعوب منحى متصاعد يصل إلى نقطة يصبح فيها متمرداً على منحى آخر كان يعتقد بأنه سامٍ وعالٍ لا تطاله يد ومحمي في بروج مشيدة ، فيسقط ويتحطم متمرغاً في وحول المهانة.

وقد حدث هذا للأرمن في العام 301 ميلادية، في سعيهم لتسطير بادرة عالمية غير مسبوقة فلقد حطموا أصنامهم، وآمنوا بالواحد القهار، واتخذوا المسيحية ديناً لهم على صعيد الدولة والأفراد و(الناس على دين ملوكهم). ولأن السنابل المليئة بالخير والعطاء تنشأ عن، بذور الخير، والأرض الصالحة، وقد توفر هذا في شخص الرسولين برتلماوس وتداوس بذور الخير، الذين بشّرا بالدين المسيحي، وتوفر بالشعب الأرمني الذي كان الأرض الصالحة، والذي لا بد أنه وصل إلى مرتبة تؤهله لاعتناق هذا الدين والتخلي عن الأصنام، قبل الرومانيين وأباطرتهم القابعين على تلال روما. والذين لم يتركوا الأرمن وشأنهم بل اضطهدوهم لإجبارهم على الاستمرار في عبادة آلهة مضطهديهم، وهذا من الغرب، أما من الشرق فهناك الفرس وجيوشهم وفيلتهم وآلهتهم وزردشتيتهم ومجوسهم ونارهم التي فرضوها على أرمن الشرق وكان الأرمن عين في مواجهة مخرزين.
أول معمودية ملكية:

في العام 301 ميلادية تمكن القديس كريكور لوسافوريتش (المنور) من هداية الملك درطاد وحاشيته إلى الدين الجديد وتم تعميدهم جميعاً من قبله، وارتاح الأرمن من مخرز الرومان في الغرب وخاصة بعد صدور منشور ميلان الذي سمح بنشر التعليم المسيحي وقد أصدره الإمبراطور قسطنطين اكراماً لوالدته القديسة هيلانة.

الأبجدية الأرمنية: كانت اللغة الأرمنية محكية فقط، ولأن الديانة المسيحية هي كرازة وطقوس وإنجيل وتعاليم فكان لا بد من إيجاد أحرف أبجدية لتحويل اللغة الأرمنية من محكية إلى مكتوبة ومحكية، ولأن الكنيسة كانت ولا زالت تتصدى للصعاب فلقد أوكل الكاثوليكوس ساهاك إلى القديس مسروب مهمة وضع أبجدية أرمنية، فوضع أبجدية تتألف من ستة وثلاثون حرفاً، وذلك في العام 406 للميلاد، وأحدث هذا التطور عصراً ذهبياً في الأدب والترجمة حيث تمت ترجمة أمهات الكتب إلى اللغة الأرمنية.

ارتاح الأرمن من مخرز الرومان في الغرب، وبقي مخرز الفرس في الشرق وكان أشد ضراوة وعنفاً، حيث لم يكتفي ملك ملوك الفرس (شاهنشاه هازكيرد*) بولاء الأرمن له فأصدر أمراً ملكياً في العام 449 يطلب فيه من سكان إمبراطورية فارس والأمصار اعتناق الديانة الزردشتية وأرسل الكهنة المجوس وأعوانهم إلى الأمصار لبناء معابد لآلهة النار، وشرع في حملة قمع مروعة. وحرك جنوده الجرارة إلى جهة أرمينيا، فتنادى الأمراء والأساقفة والرهبان للإجتماع في أشتيشاد للنظر في التهديد الخطير الذي يجتاح البلاد من الثغور، فقرروا رفض الإنذار وبعثوا إلى الشاهنشاه برسالة أصروا فيها على التمسك بالديانة المسيحية ورفض الزردشتية، وعهد لقائد الجيش وارطان ماميكونيان الدفاع عن البلد فكانت معركة آفاراير المروعة في العام 451 للميلاد وهي معركة خرافية لا تستند إلى أية قواعد عسكرية سواء في العدة أو العدد أو العتاد فلقد كان جيش الفرس يغطي الوديان ورماته فوق المنصات الخشبية المثبته على ظهور الفيلة التي تزحف والأنصال على قوائمها لعقر قوائم خيول الأرمن وسحق المشاة، والأرمن قلائل وعدتهم كذلك والعتاد، وخيولهم لم تألف الفيلة فخافت منها، وترجَّل الفرسان وعبروا خلف قائدهم إلى دروب طواحين الشهادة فاستشهدوا ولم يبقى منهم أحد وظلت الدروب مفتوحة والطواحين تعتصر الدم، وانتصروا نصراً عظيماً على الرغم من عودة جرار الماء المليئة مع الأمهات والزوجات والأبناء لعدم وجود جرحى يشربون منها… ولمن يشكّون في هذا النصر المبين نقول… انظروا إلى الأرمن حول العالم … لقد ظلوا مسيحيين منذ آفاراير وحتى اليوم، وهذا هو الهدف الذي سعى من أجله القديس الشهيد الذي طوبته الكنيسة الأرمنية المقدسة شهيداً مقدساً تولى الدفاع عن المسيح والمسيحيين وبالتالي أرضه وشعبه، لقد ربح الشهيد وارطان ماميكونيان ورفاقه المعركة، لأن الربح هو ربح الفكرة وربح الهدف وربح العقيدة.
هذه المقالة مهداة الى أبناء شعبي الذي فتح عينيه على الاضطهاد عبر التاريخ وحتى اليوم و إلى روح والدي وارطان سوفاليان الذي كان يحتفل ونحتفل معه بعيد اسمه ومعنا أصدقاؤه وأولاد عمه وزوجاتهم وأولادهم … ونردد جميعاً أغنية (بحر نبيذ أرمينيا) وكؤوس النبيذ مترعة في أيدنا والصغار قبل الكبار نشرب نخب أمتنا، نخب أرمينيا الحرة المستقلة، ونخب وارطان وآفاراير، ونخب الحرية وكل أحرار العالم.

آرا سوفاليان

كاتب انساني وباحث في الشأن الأرمني

[email protected]

Share This