التركمان في العراق وموقفهم السياسي في إطار الحفاظ على الوحدة العراقية (القسم 3)

Iraqi_Turkmen_Frontالخيار السلمي للتركمان: لماذا لا يملكون الميليشيات؟

إن عدم حيازة التركمان على الميليشيات المسلحة و هم الوحيدون بذلك في الفئات العراقية الأساسية (باستثناء المسيحيين) هي إحدى خصائص التركمان.

باستثناء الجبهة التركمانية العراقية المعدة ببعض الحرس المسلحين لحماية القادة والقواعد ، فإن المجاهدين التركمان اختاروا الخيار السلمي. وبالتخلي عن السلاح يدخل التركمان في خط الدفاع عن وحدة العراق واضعاً نفسه تحت خدمة مؤسساته المدنية والعسكرية. في حين أن هذا التخلي بضبط مسألة التركمان عبر السلاح هو واحد من أسباب الوساطة الضعيفة التي يعاني منها التركمان على الساحة الدولية.

اللقاءات بين القادة السياسيين والمفكرين التركمان يؤد صلابة إرادتهم بعدم تموضع الميليشيات التي تخدم التركيز على تفكك ما تبقى من الدولة العراقية. وبذلك، تفضيل السلاح العراقي عن الميليشيات يكشف خياراً استراتيجياً وهو لجوء التركمان ضمن إطار قومي عراقي. إنها استراتيجية تعطي صدى الدفاع عن مصالحهم أمام خصومهم الأكراد الذين يتهمونهم بأنهم مباعون للجارة تركيا التي تشكل قوة إقليمية استطاعت التقرب من جيرانها العرب في الجنوب منذ عدة سنوات.

ما هي طبيعة العلاقات التي تربط التركمان العراقيين بشقيقهم الأكبر تركيا؟

من أجل فهم العلاقات التي تربط التركمان بتركيا الجارة يجب العودة الى تقسيم الإمبراطورية العثمانية. إن التوقيع على وثيقة أنقرا عام 1925 تنتهي بتخلي تركيا عن مصالح بريطانيا العظمى التي تمارس سلطتها على الولاية العثمانية القديمة الموصل، حيث كان يلجأ اليها سكان ناطقين بالتركية. خلال العقود التي رافقت نظام الجمهورية كانت السياسة الخارجية التركية إزاء العراق تلقن أمراً بالحذر والتحفظ. إن الوثيقة الصداقة وحسن الجوار الموقعة في 1946 تحت الحكم الهاشمي الماضي يفضل سفر مئات الطلاب التركمان العراقيين نحو تركيا حيث تكون الشهادات مصدقة من الجامعات التركية.

ومن بين تلك الموجات المتتالية من هجرة الطلاب الكثيرة من التركمان بقوا في المكان وأسسوا قاعدة تاريخية لجالية تركمانية في تركيا. رغم المجازر في كركوك عام 1959 تركيا المهتمة باستقرار المنطقة لم تتدخل ورضيت بالإعراب عن الاحتجاجات بالطرق الدبلوماسية. بعد الحرب الأولى في الخليج التزمت الدبلوماسية التركية بالحفاظ على وحدة أراضي العراق -متخوفة من بروز كيان كردي مستقل على الحدود الجنوبية-. إن الفيتو الذي فرضه البرلمان التركي بشأن تحليق طيران الحلفاء في الأجواء التركية سبب في تقهقر العلاقات بين أنقرا والإدارة الأمريكية في العراق. وهو خلاف كان التركمان العراقيون أول ضحاياه[1].

إن المساعدة المدعومة من قبل تركيا والتي تحاكم من قبل التركمان بأنها غير كافية تتحدد بدعم سياسي ومعنوي وتربوي (منح طلاب تركمان يرغبون بالدراسة في تركيا) وإنساني (عبر صندوق تركمان مؤسس في تركيا).

إن المحادثات مع مستشار رئيس الجمهورية التركية لشؤون الشرق الأوسط[2] تدور حول السياسة التركية حيال العراق.

هذا يعني بالنسبة لأنقرا أن يعمل بتجرد لتوازن المنطقة. أي سياسة جديدة على أساس احترام وحدة الأراضي في العراق والذي يفضل وساطة وحوار مع كافة الأطراف النزاع في العراق. إن الأحزاب السياسية الكردية فتحوا مكاتبهم لممثلياتهم في أنقرا مثل الجبهة التركمانية العراقية. على الصعيد الاجتماعي، التركمان غي المقدرون في تركيا قد بدؤوا رأس مال من التعاطف لدى الرأي العام السياسي التركي أثناء أحداث 2004 (مجازر تلعفر وموقف  متفجر في كركوك). اليوم، لو أن المؤسسات التركمانية الموجودة في تركيا تتلقى الدعم لكانت بشكل أساسي من قبل المجاهدين الأتراك بنهاية صفوف اليمين القومي، مجاهدون بخطاب موجه للدفاع عن التركية وقد أدرجوا بند القضية التركمانية (الدعوة التركمانية) في (الدعوة الملية) لمعرفة القضية القومية الطورانية.

موقف السكان التركمان في المنطقة كردستان المستقلة: بين الاختيار والقسر

أثناء إقامة منطقة الإقصاء الجوي في شمال العراق في عام 1991، انضم عدد من اللاجئين السياسيين التركمان الهاربين من ضغط النظام البعثي الى أربيل. ففي هذه المدينة نشأت الهيكليات السياسية التركمانية الأولية عام 1995 بدعم ومباركة الأخ الأكبر التركي. ولكن هذا الحضور السياسي التغى بعد الحرب الأهلية في 1996-1997 بين مجاهدي برزاني من حزب كردستان الديمقراطي وجماعة الطالباني المتعلقة بحزب الاتحاد الوطني الكردستاني.

إن المنظمات التركمانية المستقرة في مناطق تحت سيطرة برزاني كانت مفككة أم مجتمعة للخضوع لأوامر جديدة له قد تركت المنطقة.

احد أسباب هذا الإقصاء هو أنها كانت تعتبر خطراً بأعين حزب كردستان الديمقراطي الذي أرضخها لسياسة تشبيه ليومية ورقابة على أغلب وسائل الإعلام (صحافة ودوريات وتوقيفات لصحفيين..). وبالتوازي يعد البرلمان الإقليمي لكردستان خمس مقاعد مخصصة للأقلية التركمانية. تم تأسيس تجمعات تركمانية سياسية عديدة في أربيل – اعتبرت كدمى من قبل الجبهة التركمانية العراقية -.

خلال لقاءاتنا العديدة مع الصحفيين والعسكريين التركمان المستقرين في أربيل، حصلنا على شهادات تدل على سياسة القسر من جهة (منع تعليم التركية في المدرسة ورقابة على الصحافة والدوريات المستوردة من تركيا، تهديدات واعتقالات..) والاختيار (تسمية نواب تركمان ولكن يعتبرون من قبل العسكريين في الجبهة التركمانية العراقية تركمان مثيلين وأكراد ناطقين باللغة التركية)[3].

كيف كانت مشاركة أحزاب تركمانية أثناء الانتخابات التشريعية الكردية في تموز 2009؟

جرت في 25 تموز الانتخابات التشريعية، اقتراع مهم في منطقة كردستان المستقلة. بعد حملة مدة شهر دعي 2.5 مليون ناخب لانتخاب 111 نائب من بين 509 مرشح مسجل. وفي هذا المنظور، يأذن القانون الكردي بـأنه يجب على 11 مقعد (أي 10% من البرلمان) أن تكون للأقليات: خمسة للسريان، خمسة للتركمان ومقعد للأرمن. ومن بين 25 حزباً ولائحة مسجلة تم تقديم أربع لوائح تركمانية:

– لائحة حركة التركمان الديمقراطية. وقد تأسست عام 2004 من قبل الكادر القديم من قبل قادة الجبهة التركمانية العراقية. يظن أنها مقربة من السلطات الكردية. يتلقى الحزب دعماً مالياً من قبل منطقة كردستان المستقلة وجهزت استراتيجية دعم دون ادعاءات الأكراد من أجل كركوك على أمل رؤية الشعب التركماني موحداً تحت علم واحد. أثناء الانتخابات الماضية في عام 2005 حصل الحزب على 4 مقاعد في أربيل. وتم تقديمه على اللائحة الكردية الموحدة. حصدت هذه اللائحة على 18464 صوتاً (0.99%) وحصلت على ثلاثة مقاعد في البرلمان.

– لائحة تركمان أربيل. أدرجت هذه اللائحة عبر أربع أشخاص معروفين في أربيل من أصل تركماني ووضعوا تحت المساءلة من قبل الجبهة التركمانية العراقية[4]. خلال الحملة الانتخابية دافعت هذه اللائحة مبدأ وحدة الشعوب التركية والتركمانية وعارضت كل تدخل تركي في الشؤون التركمانية. وطالبت بكركوك كحزب متحد في منطقة كردستان المستقل. حصدت على 3906 صوتاً (0.21%) وحصلت على مقعد في البرلمان[5].

– لائحة التركمان المستقلة. ركزت هذه اللائحة على خطاب استقلال كركوك وتركمان العراق. لم تتخطى0.02% ولم يتمكن مرشيحها الحصول على مقعد نيابي[6].

– لائحة الإصلاح التركماني (حركة تركمان مستقلون). على عكس اللوائح الأخرى تتبع هذه اللائحة للجبهة التركمانية العراقية حيث يوجد مقرها في كركوك. تدافع عن وحدة العراق حيث تكون منطقة كركوك تحت نظام خاص. حصلت هذه اللائحة على 7077 صوتاً (0.38%) مما أعطاه حق انتخاب نائب في البرلمان الكردي.

هذه الانتخابات في كردستان العراق لم تعبئ التركمان في المنطقة حيث كانت خطابات الأحزاب محددة التأثير. ومن جهة أخرى، فإن الجبهة التركمانية العراقية وحلفائها في العراق كما في تركيا لم يترددوا في تطوير حملة إعلامية للتعقل ضد هذه الانتخابات وعدد من الأحزاب التركمانية على الساحة المتهمة بالموافقة على تفكك العراق لصالح كردستان مستقلة. إلا أن هذا الاقتراع لم يؤخذ بعين الاعتبار كرهان أساسي أمام المدافعين عن القضية التركمانية والمنشغلين بالموقف المتفجر في كركوك.

هناك مشكلة عالقة أخرى ، وهي المسألة الديموغرافية للتركمان في منطقة كردستان المستقلة والعراق. هناك، الصورة ضبابية. فالأحزاب التركمانية في كركوك تدعي أن عدد مواطنيها يتفاوت بين 2-3 مليون نسمة وهم تحت منطقة كردستان المستقلة أو في باقي البلاد. هذه الأحزاب على استعداد اليوم للاعتراف أن الاقتراع في العراق برهن على التزوير من قبل الأكراد. ونستخلص أن هذا الاقتراع في عام 2005 و2009 بيّن أن القوات التركمانية كانت ضعيفة ومستقلة عن أي دعم خارجي كما هو الحال في تركيا. بينما هوامش المناورات التركية هي محددة. بدت أنقرا قلقة على حفاظ  استقرار المنطقة واقتصرت على دعم أخوتها في العراق دون تعدي الخط الأحمر الذي يمكن أن يثير تفجر مخزن البارود العراقي حيث تكون نتائجه وخيمة على تركيا ووحدة أراضيها.


[1] لقاء مع مدحت ابراهيم، ممثل حزب العدالة (إسلامي مقرب من الإخوان المسلمين) في تركيا، استنبول، 27 نيسان 2009.

[2] رشاد هرمزلو، مواليد كركوك 1943، عسكري مؤرخ للقضية التركمانية. مؤرخ ومستشار خاص لرئيس جمهورية تركيا، وهو شخصية معروفة في اللوبي التركماني في تركيا.

[3] لقاء مع ديلشات تيرزي، صحفي وممثل رسمي للجبهة التركمانية العراقية في أربيل، محرر اسبوعية بلغتين “تركمنلي”، استنبول، 11 نيسان 2009.

[4] لقاء مع حسن أيدنلي، ممثل الجبهة التركمانية العراقية لدى المجموعة الأوروبية، استنبول، 9 أيار 2009.

[5] مقالة بعنوان تركمان أربيل يرون الوحدة بين التركمان والأكراد، كرديش غلوب، بخصوص برنامج لائحة التركمان في أربيل، 17 تموز 2009.

[6] لقاء مع محمود شلبي، أحد قادة الحركة الديموقراطية التركمان، ومن القادة القدماء في الجبهة. تم نشر اللقاء في مجلة كردية مستقلة في 4 تموز. وكان الموضوع عن نظام الحصص الخاصة بالنواب التركمان في البرلمان الكردي. www.rudaw.net

ديكران يكافيان

Share This