لماذا مصر و سوريا؟

هناك منظومة سياسية إقليمية ودولية تسعى إلى إنهاء وجود دولتين كانتا قلب وعقل الكيان والقرار العربي في منطقة مليئة بصراعات اقليمية ونزاعات طائفية مذهبية مخفية غير معلنة، حتى إشعار آخر، تعمل على تصعيد وتيرة العنف في كلتا الدولتين بطرق مختلفة لتحطيم وتدمير مؤسسات الدولة، وإخماد الروح الوطنية عند الشعب وإدخاله في متاهة وصراع يقاتل ويقتل فيه الأخ أخاه على أسس ومعتقدات زرعوها ومازالوا يزرعونها في عقول الجهلاء من هذه الشعوب محققين بذلك مبتغاهم وأهدافهم الذي ما صعب لهم تحقيقه بأنفسهم على مدى عقود طويلة من الزمن..

تطورت الأحداث بشكل مرعب على المسرح السياسي والشعبي في مصر، واتخذت مسارات بعيدة كل البعد عن ما كان يبحث عنه الشعب المصري، والغريب أن الثورة والمظاهرات المليونية التي نجحت بإزاحة الرئيس المصري السابق حسني مبارك بعد حكم دام ثلاثين عاماً، تقف اليوم قليلة الحيلة، وبحيرة من أمرها حيال الحكم القائم اليوم..
يعني “مرسي قعد عالكرسي “، “ومين قادر يشيلوا يا مصري “؟..

مع كل ما يحصل من عنف واعتداء على المتظاهرين والمدنيين وحقوق الشعب عامة، واغتصاب النساء الثائرات في ميدان التحرير وفي مناطق أخرى متعددة على أسس واعتبارات وفتاوي يفتونها بعض الشيوخ، ويكفرون و يزندقون باسم الدين، وهي بعيدة كلياً عن طهارة الدين وقداسته، والأغرب أن كل شيء يحصل على مراء ومسمع المصريين أجمع وفي وضح النهار، وليس هناك من يتحرك أو من يجرم كل هذا، لا بل السلطات المصرية تدفع إلى هذا وتفعل بهم، ما لم يفعله من سبقه على الاقل على مراء ومسمع من العالم وعلى العلن…

إن هذه المنظومة وظفت مرتزقة من الشعب نفسه، من الذين باعوا ضمائرهم ودينهم ووطنهم مقابل بعض المال أو الوعود، ومنهم من غُسل رأسه بتفاهات لا يقبل بها لا الله ولا رسوله..
إن ضعضعة الأمن في مصر، وغيابها من الساحة السياسية أثر وسيأثر سلباً على الشارع العربي وعلى النظام العربي والكيان العربي، هذا الغياب أقحم قوى إقليمية، وقوى دولية كانت بالأصل موجودة تلعب في كواليس هذه الدول، لكل منها مطامعها ومصالحها، حيث جعلتها تنفرد في رسم سياسات المنطقة، وتفرض شروطها على الحكومات القائمة، والشعوب المقموعة لأهداف باتت واضحة بعد انعدام الأمن والاستقرار في كل من سوريا ومصر وبلدان عربية أخرى، مما قد يؤدي إلى انهيار الدولة فيها واختفائها من على خارطة المنطقة على الأقل سياسياً…

الوضع في سوريا لا يختلف كثيراً عن الوضع في مصر وهو اكثر خطورة، والاختلاف يكمن في أعداد القتلى والضحايا المتزايدة يومياً، وفي ارتفاع وتيرة النزاع العسكري المسلح ما بين الاطراف، والدمار الذي شهدته وستشهده البلاد، ونوعية النظام الحاكم ومعتقداته، والأساليب المستخدمة في التعامل مع ما يجري في البلاد، بينما الصورة العامة متقاربة من ناحية انهيار الدولة والمؤسسات والفساد والظلم والقمع، بغض النظر عن النزوح الداخلي للسوريين، واللجوء إلى دول الجوار، والتي تعتبر بحد ذاتها مأساة إنسانية حقيقية، بعيداً عن المأساة الداخلية التي يعيشها الشعب السوري من إراقة للدماء واغتصابٍ للسوريات والسوريين، وليس فقط الاغتصاب بمعناه الجسدي، بل اغتصاب على جميع الأصعدة، السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية والإنسانية، وعدم الحيلولة من اطراف النزاع والمجتمع الدولي دون حدوث ما هو أفظع من هذا، في ظل الظروف الراهنة..

كما ذكرت سابقاً، هناك قوى اقليمية ودولية تحاول النيل من سوريا أيضاً، كما الحال في مصر ولكن بطرق مختلفة، والتصعيد مستمر، والتشهير بأن العراك المسلح هو طريق الحسم الوحيد، أصبح في أعلى درجاته، ولا استبعد نقل السيناريو السوري، أي ” السورنة ” إلى مصر، لا قدر الله، ولكن يبقى هذا السيناريو بديلاً على حسب تبدل وتطور الأمور والأحداث في مصر، وموقف النظام المصري وعقليته بالتعامل مع تطور تلك الاحداث وموقف المعارضة والحركات الشعبية المصرية.. وعودة إلى سوريا بلدي الجميل سابقاً، سوريا بلد الياسمين والريحان والورد الجوري في ما قبل الأزمة، أما اليوم، فهي بلد الرصاص والدم والبارود ورائحة الموت، والتي وصلت الأوضاع فيها إلى هاوية ضياع الهوية السورية، والدخول في متاهة لم يعد يستطيع لا النظام ولا المعارضة الخروج منها، ونجحت تلك الدول في تقسيم النظام المتضعضع والمعارضة المترنحة، أما تقسيم الوطن فهو على الأبواب، وإن لم ينجحوا بهذا، فلقد نجحوا بتقسيم الشارع السوري، إلى طوائف وأديان ومذاهب، وغياب سوريا من المسرح السياسي العربي والإقليمي لا يقل عن الغياب المصري أهمية، فسوريا ومصر تشكلان جسداً واحداً بالعقل والقلب، للكيان العربي، والقرار العربي، والأساس لحفظ التوازن بين القوى في المنطقة والعالم العربي، والعالم أجمع فيما يتعلق بالملفات العربية وأنظمتها وقراراتها…

إذن، زعزعة الأمن والاستقرار في كل من سوريا ومصر، وضعف كيان الدولتين، وغياب المؤسسات السياسية، الاقتصادية، العسكرية، الثقافية، والتوعوية، وحضور حركات تبعية وتعبوية، فئوية ومصالحية، ستقلب كفة الموازين لصالح قوى أخرى في المنطقة، وستُرجع قوى دولية عظمى كانت بعيدة لفترة زمنية ليست بقصيرة، إلى الساحة واللعبة السياسية ثانية، وبداية تصفية الحسابات على حساب هذه الشعوب، والاستراتيجيات سوف تختلف بالتعامل مع الملفات العربية بغياب كيان هذين الدولتين، ووقوع عدد من الدول العربية الأخرى تحت سيطرة وتأثير قوى، عظمى كانت أم إقليمية، وتقسيم الشارع السوري والمصري سيعود بفوائده على دول أخرى تقف متأهبة، مستعملة جزء أو فئات أو مرتزقات من هذه الشعوب أو من تلك الدول لتحقيق مآرب لها في المنطقة، ” فمصائب قوم عند قوم فوائد “.. وراحت عليكن يا سوريين و يا مصريين…

عزيزي القارئ، هذا ما أراه أنا، أما أنت، ما هي وجهة نظرك، ما هو السبب؟

لماذا سوريا و مصر؟

بيتروس بيتروسيان

[email protected]

بروكسل..

Share This