المسألة الأرمنية في كتاب “مذكرات جمال باشا”

كتب محمد صالح أبو الحمايل مقالاً حول صدور كتاب “مذكرات جمال باشا” لمحمد السعيدي قال فيه: صدر للصديق الأستاذ محمد السعيدي، الكتاب الأول من مجموعته التي تضم مذكرات لعدد من القادة والشخصيات السياسية ،في الحقبة الأخيرة من عمر الخلافة العثمانية، وتلك المذكرات تشمل فترة العشر سنوات منذ العام1908حتى 1918، تحت عنوان (الأمبراطورية العثمانية، بقيادة الإتحاد والترقي) وتضم المجموعة الأولى ،مصير العرب والأرمن وفلسطين،في خواطر القادة الأتراك ومذكراتهم، في أربعة عشر جزءا،يضمها 600صفحة، في طباعة أنيقة عن «دار الفارابي»،ومذكرات جمال باشا هذه، هي أشبه بمرافعة أمام محكمة، أرادها صاحبها لتكون مرافعته في وجه الإتهامات العديدة التي وجهت إليه خلال تقلبه في عدة مناصب ،منذ تسلمه لوظيفة محافظ اسطنبول بعد الإنقلاب الذي قامت به جماعة «الإتحاد والترقي» وراح ضحيته وزير الحربية ناظم باشا، يتبرأ صاحب المذكرات من تهمة قتل الوزير ، ويعد له مأتما كبيرا لتشييعه، لكن هذه الحادثة لم تكن هي الوحيدة التي سوف يكون على جمال باشا أن يتبرأ من مسؤوليته عنها،فقد تبرأ بما يشبه التأكيد ،بأنه لم يستعمل أسلوب الضغط على الوزراء في الحكومة التي كانت مترددة في اتخاذ القرار لاسترجاع «أدرنه»،كانت الخطوة التالية هي تعيينه وزيرا للبحرية،وبدء الحرب العالمية الأولى، التي وجد جماعة الإتحاد أنفسهم بحلف مع الألمان ، وأصبح الجيش التركي بكل قطاعاته خاضعا لإمرة الضباط الألمان الذين اكتسبوا صيتا مضللا في روحهم العسكرية والإنضباط، ما كان يتلاءم مع النزعة المضللة للضباط الأتراك، بالإضافة إلى ذلك فقد دخلت تركيا الحرب وهي متهالكة ،فعندما سددت آخر دفعة من ثمن مدرعة صنعتها بريطانيا لحساب تركيا، حتى أصدر وزير بحرية إنكلترا أمرا بعدم وضع الراية العثمانية عليه، وصادرها مع المدرعة الرشادية،ثم يعين جمال باشا قائدا للجيش الرابع ،من قبل أنور باشا الذي يطلعه على رغبته في مهاجمة قناة السويس لإرغام إنكلترا في إبقاء قوات كبيرة لها في مصر لإبعادها عن جبهة الدردنيل، وهنا بدأت عملية زج المنطقة العربية في معارك الحرب، واستطردت المآسي التي تبعتها،كان لمعركة الترعة الأولى والثانية والتي ذهب ضحيتها أكثر من ثلاثين ألف مواطن عربي، أن أطلقت شرارة العداء للوجود العثماني في المنطقة العربية، وأعلت الصوت بالدعوة القومية ، بديلا عن ما كان يسمى الرابطة العثمانية،وقد ظهر في هذا التعيين،أن جمال باشا لم يكن ثالث ثلاثة،بل إن القيادة كانت مختصرة على أنور وطلعت، ولم يكن جمال باشا داخل هذا الثنائي،وهذا ما سوف يفسر لنا الإتصالات التي كان يجريها جمال باشا مع قناصل الدول الغربية لمساعدته بالإستقلال بسوريا على نهج محمد علي في مصر،كان على جمال باشا أن يواجه حركة الإحتجاج والتمرد بعنف وحشي ليس له مثيل، فقد كان سريعا في نصب المشانق وإعدام أرتال من الشباب الذين بدؤوا بالنقد والتبرم من سياسته،ومن سياسة جماعة الإتحاد والترقي ، ولم تكن الأحكام التي صدرت بحق هؤلاء الشهداء توازي ما طالبوا به من تحقيق العدالة والمساواة التي رفعها دعاة الحرية العرب، هذا على الأقل كان شعورهم حيث أنهم لم يتداروا ،أو يلجأوا إلى السرية في عملهم،كان جمال باشا كأي ديكتاتور يعاني من عقد نفسية ينصب المشانق ويعلق عليها الشهداء وهو مغرق بالإثم إلى أبعد الحدود،ليغطي فشله في حملة السويس،التي كشفت خواء منطلقاته السياسية والعسكرية،وقد تركز الإتهام بالخيانة على القيادات الإسلامية ،وأخذ جمال باشا يغازل المسيحيين بتحريضهم على المسلمين باتهامهم بأنهم دمويون،مناقضا سياسة جمعيته المتبعة في بلاد الأناضول،ولكن كما كان للمسلمين نصيب في مشانق جمال باشا كذلك كان للمسيحيين،في مواجهة هذا الظلم والبطش المتمادي ،تنادى العرب إلى إعلان الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين أمير مكة وكان ابنه فيصل هو من يمثله بالإتصال برجال الثورة في سوريا ،وبدول الحلفاء التي كان من مصلحتها دفع الأمور باتجاه العصيان والإنفصال عن الدولة العثمانية،وإغراق الوعود لقادة الحركة العربية، هذا العصيان الذي دفع إليه بكل قوة نزق الباشا المهزوم في السويس، ولم تخرج المنطقة من العسف العثماني حتى دخلت تحت نير الإستعمار الفرنسي والإنكليزي، بسلسلة من الوعود التي لا تلبث أن تنقض قبل أن يجف حبر توقيعها، وشهدنا بعدها أكبر عمليات المراوغة والإهانة والإغتصاب للأرض واستباحة المحرمات على أيدي دعاة الحرية والديموقراطية”.

أما فيما يخص القضية الأرمنية كتب تحت عنوان “المسألة الأرمنية”: “تتضح سياسة جماعة الإتحاد والترقي في الإصرار على التمسك بسياسة المحافظة على الرابطة العثمانية، لشعوب وصلت إلى مرحلة متقدمة من وعي وجودها القومي، بما فيها الشعب التركي، غير أن جمعية الإتحاد والترقي، لم تستطع اكتشاف هذا الأمر، الذي اكتشفه مصطفى كمال وكان السبب الحاسم في نجاحه، فقد جهد الإتحاديون في محاولتهم الإصلاحية الناقصة، بتطبيق دستور مدحت باشا الداعي إلى اللامركزية الإدارية، بينما كانت الدعوات تتصاعد عند اليونان والصرب والأرمن للمطالبة باللامركزية السياسية ومن ثم الإستقلال، كان هذا ماتسبب على طول فترة الصراع في حدوث المجازر التي وقعت بين الطرفين وأدت إلى المجازر الرهيبة التي دفع ثمنها الشعب الأرمني بوحشية مطلقة،ثم دفع أحمد جمال باشا حياته إغتيالا على يدي شابين من الأرمن، هكذا فإن العنف يستولد العنف؛يطيل جمال باشا الحديث عن التنازلات والإتفاقات من أجل الحفاظ على الرابطة العثمانية لكن كان هذا في إطار العبث، وفي مجال تضييع الوقت وبذل المزيد من الضحايا، نتيجة التعنت وانعدام الرؤيا السياسية لدى جماعة الإتحاد”.

Share This