أذربيجان: “أحلام الحجارة”.. رواية تدعو إلى “مد اليد للأرمن” تكلّف صاحبها غالياً

كان اصدار رواية في اذربيجان تدعو الى المصالحة مع الأرمن باهظ الثمن على كاتبها اكرم ايليسلي، وهو احد اشهر الكتاب في بلاده، اذ احرقت كتبه وحرمه رئيس البلاد من جوائزه وامتيازاته كما صدرت دعوات من قادة سياسيين لقطع اذنه.
فقد أصدر هذا الكاتب في كانون الاول الماضي، رواية بعنوان “أحلام الحجارة”، عن العلاقات بين الارمن والاذربيجانيين، اوقعته في الكثير من المتاعب. فبعد تعايش قسري في ظل الاتحاد السوفييتي السابق، تحول الأرمن والاذربيجانيون الى أعداء متقاتلين منذ العام 1990، في نزاع دام حول اقليم ناغورني كرباخ ذي الغالبية الأرمنية والواقع في الاراضي الاذربيجانية.
ويقول الكاتب اكرم ايليسلي البالغ من العمر 75 عاما في مقابلة مع وكالة فرانس برس “كتبت هذه الرواية في العام 2007، وقررت نشرها الان لان مشاعر الكراهية ضد الارمن تتصاعد، ان هذه الرواية تعبر عن رد فعلي ازاء هذا الواقع”. ويؤكد الكاتب انه اراد من خلال هذا العمل الأدبي “مد يد الصداقة الى الأرمن”، موضحا ان روايته هي “ضد السياسية التي تثير الكراهية بين الشعوب”. لكن رجال السياسة في اذربيجان لا يرغبون في رؤية الامر من هذه الزاوية، فقد طالب الحزب الحاكم “ييني اذربيجان” الكاتب بسحب كتابه وتقديم اعتذار للامة. واعتبر مسؤول رفيع المستوى في الرئاسة ان الشعب الاذربيجاني “يجب ان يعبر عن كراهيته” لهذا الكاتب الذي كان حتى وقت قصير مكرما في بلده.
ومنذ ذلك الحين، تحتشد مجموعات من الاشخاص بانتظام في باكو وفي قرية الكاتب لاحراق صوره وكتبه، مرددين شعارات تطالبه بمغادرة البلاد.

وفي مطلع شباط، ندد البرلمان بالرواية، ووصل الامر بالبعض الى المطالبة باجراء فحوص الحمض الريبي النووي لهذا الكاتب الذي كان نائبا ايضا، للتأكد من صحة انتسابه الى العرق الاذري.
اما الرئيس الهام علييف، فقد حرم الكاتب من لقب الشرف “كاتب الشعب” الذي كان يطلق عليه، وحرمه ايضا من جوائزه ومن معاشه التقاعدي. واجبرت زوجته وابنه على الاستقالة من العمل. ولم يقف الامر عند هذا الحد، بل وصل برئيس حزب “ييني مساواة” حافظ غادجييف الموالي للسلطة الى التعهد بدفع جائزة بقيمة 12 الف دولار لمن يقطع اذن الكاتب، في الوقت الذي يبث فيه التلفزيون الرسمي مشاهد عن حرق كتبه في مختلف انحاء البلاد. في ظل هذا الواقع، يبدو المنفى خيارا جديا للكاتب، ويقول لوكالة فرانس برس “لم احسم قراري بعد، لكن في ظل تطور الامور قد اطلب اللجوء السياسي”. ويرفض الكاتب الاتهامات المساقة اليه والتشكيك في وطنيته، ويقول “انا اروي قصة اذربيجاني يحاول انقاذ ارمني فيتحول الى ضحية..انها رواية عن القيم الاخلاقية والمبادئ الانسانية”.
وفي السياق نفسه، دعت منظمة هيومن رايتس ووتش الحكومة الاذربيجانية الاسبوع الماضي الى احترام حرية التعبير، وتأمين سلامة الكاتب. وقالت في بيان “ينبغي على السلطات حماية اكرم ايليسلي”، متهمة اياها بمحاولة “ترهيبه وتعريضه للخطر من خلال حملة من التصريحات العدائية”. وتتحدث الرواية هذه عن اعمال العنف العرقي ضد الارمن والمسيحيين في العشرينيات من القرن الماضي في اذربيجان، البلد الذي تقطنه غالبية ناطقة باللغة التركية. ولم تقتصر الانتقادات على المعسكر الموالي للسطلة في اذربيجان، فقد انتقدت المعارضة عدم تطرق الكاتب سوى الى ما عانه الارمن، متجاهلا برأيهم ما عاناه الاذريون في المقابل على يد الارمن ايضا. وقال رئيس حزب “مساواة” المعارض عيسى قنبر “ان رواية ايليسلي تبعدنا عن المصالحة (مع الأرمن)..ان عملا يروي الاحداث من جانب واحد لا يساعد في حل النزاعات”. ومن بين الاصوات القليلة المدافعة تماما عن ايليسلي، زميله الكاتب شينغيز غوسينوف الذي اعتبر ان هذه الرواية “تظهر للعالم أجمع أننا لسنا وحوشا”. وشبه غوسينوف اكرم ايسيلي بالكاتب التركي اورهان باموك حائز جائزة نوبل للآداب، والذي اضطر الى مغادرة بلاده بعد تهديدات تلقاها على خلفية مواقفه من النزاع مع الاكراد ومن القضية الأرمنية.

الأيام

Share This