“فيــروز العــراق” سيتــا هاكوبيــان..

تزامناً مع الاحتفال بيوم المرأة العالمي وتكريماً للمبدعات العراقيات، احتفى بيت المدى في شارع المتنبي بالفنانة العراقية القديرة سيتا هاكوبيان، حيث قدمت فرقة التراث العراقي بقيادة الفنان محمد علي إمام وبصوت المطربة يمام الجراح عددا من أغنيات الفنانة والتي لا تزال تعيش في ذاكرة الجمهور العراقي وأبرزها (الولد الولد) و(منك يا الأسمر) و(بهيده وشوكي) و(دار الزمان)، و(دروب السفر) بحضور كبير للنساء من ناشطات المجتمع النسوي وبرلمانيات وأستاذات جامعيات وسيدات مجتمع، فضلا عن نخبة من المثقفين والفنانين وجمهور كبير غصت به قاعة بيت المدى.

وتعد سيتا هوكوبيان من الفنانات اللواتي تركن حضورا ساحرا من خلال أدائهن وقد استطاعت ان تشق طريقها في الأغنية العراقية الحديثة بأسلوب جديد ومتميّز وتمكنت من تقديم ألحان جميلة بقيت عالقة في الذاكرة العراقية.

قدم الفعالية الفنان جمال عبد العزيز، الذي بدأ بشكر مؤسسة “المدى” لاستذكارها هذه الفنانة الكبيرة، قدم بعدها نبذه عن حياة الفنانة سيتا هاكوبيان قائلا “ولدت في البصرة عام 1950 من عائلة أرمنية وظهرت لديها موهبة الغناء منذ الطفولة وكان أول فنان عراقي يتسلمها هو الفنان المغترب حميد البصري الذي لحّن لها قصيدة للشاعرة نازك الملائكة، وكذلك ساهمت في اوبريت بيادر خير، ولقبت في ذلك الوقت بـ”فيروز بغداد” لأن أغانيها قريبة من الأغاني الصباحية.

الملحن والناقد الموسيقي حيدر شاكر كان اول المتحدثين، نقل الى الحضور تحيات الفنانة سيتا هاكوبيان، وقال عنها “إنها فنانة رقيقة ذات مدرسة اجتمعت بها ملامح التجديد والأصالة جاعلة من التراث الموسيقي والغنائي العراقي ركيزة من ركائز نجاحها بزمن أحبه العراقيون وأبدعوا ورسموا صورا جميلة فيه مازالت الأجيال تتحدث عنه انه عقد السبعينيات عصر الألحان والأصوات التي لن تتكرر، ويضيف “إنها مطربة كان لها حضور متميز وأصبحت أغانيها على الألسن عند الشباب وفي البيوت وفي المناسبات الاجتماعية كون تلك الأغاني حملت التجديد في اللحن والآلة والايقاع المتميز البسيط الذي تتذوقه الأذن البشرية.. وهكذا استطاعت بنت البصرة أن تقتحم ميادين الشهرة وسط عمالقة الغناء العراقي في سبعينات القرن الماضي.

وتابع شاكر “ظل اللون الغنائي لسيتا هاكوبيان مثار جدل في الوسط الموسيقي مابين رأيين الأول باعتبار ان اللون الغنائي الذي انتهجته بعيد عن الأسلوب المتعارف عليه في الأغنية العراقية التي تعيش طابع الأغنية البغدادية الخمسينية والستينية، والرأي الآخر المتمثل بالأجيال التي تنظر الى التجديد والالتحاق بما وصلت اليه الاغنية العربية من تحديث في اسلوب التلحين وإدخال الآلات الغربية وصياغة الجملة الموسيقية. وأشار الى ان “كل تلك الآراء تلاشت بمرور الزمن وأصبحت تلك الأغاني تاريخا غنائياً يضاف الى سجل الغناء العراقي العريق”، مبينا ان الفنانة سيتاهاكوبيان ولدت من اسرة تعشق الموسيقى.. ودرست في البصرة وتأثرت بثقافة هذه المدينة التي ان ذكرت بفنانيها الكبار الذين ظلوا محافظين على طابع موسيقاهم وروائعهم التي يتذكرها المتابعون للفن البصري الغنائي أمثال حميد البصري، ذياب خليل، طارق الشبلي، وفؤاد سالم وقائمة من الرائعين لتأتي سيتا في العام 1968 مع فرقة البصرة وسميت فيروز البصرة والعراق وهي تؤدي بصوتها الجميل أغنية فيروز (اعطني الناي وغني) ومازلت أتذكر تلك الحفلة التي نقلت مباشرة الى تلفزيون بغداد بالأسود والأبيض.

وأضاف “واتذكر ايضا اوبريت بيادر الخير وتلك الأغنية الرائعة (يا عشكنه) وتعتبر قصيدة الوهم للشاعرة نازك الملائكة أول عمل غنائي لسيتاهاكوبيان، ثم بدا حضورها يزداد على الساحة الغنائية من خلال التعاون مع كثير من الملحنين اللذين تنوعت مدارسهم التلحينية امثال طارق الشبلي، خالد ابراهيم، كنعان وصفي، فاروق هلال، جعفر الخفاف، ومن أهم أغاني الفنانة التي مازالت عالقة في الذاكرة العراقية اغنية الولد الولد، وأغنية ما اندل دلوني ودروب السفر، واغنية بهيدة والدويتو الشهير تحب لو ما تحب للملحن جعفر الخفاف وأغنية دار الزمان للملحن نفسه.

وذكر شاكر “على صعيد آخر مثلت سيتا هاكوبيان العراق في الأسابيع الثقافية في القاهرة والجزائر وموسكو وشاركت في مهرجان الأغنية الشبابية بألمانيا، ولها نشاطات اخرى بأعمال درامية تلفزيونية، إنها فنانة قدمت لنا فناً مازلنا نتذكره باحساس وذائقة سنين ليتها تعود”.

وكان ثاني المتحدثين، الفنان جواد محسن، والذي تساءل لماذا احب سيتا هاكوبيان؟، قائلا: ربما لأنها تشبه حبيبتي أو ربما لأنها تشبه روحي وهي تعتذر لي عن وجودها الخاطئ في هذا العالم الذي لا يتطابق مع مثالها الأفلاطوني، سيتا هاكوبيان، ابنة العصر القديم والجديد الذي سيأتي كاشفاً الغموض عن وجهه، انها ابنة اللغة واللحن الذي يتسع لخيالنا ويترك له مقعد الاصغاء لأنه ينبع من اعماق سحيقة تبحث عما تتماهى معه، او تصغي لرفيف اجنحته، وقال: سيتاهاكوبيان فنها يصدح بالعشق، ويرفض أقبية التاريخ المؤدلج الذي يصر على تأكيد حضوره بكل ما يمتلك من ارادة الهيمنة، لقد اعطتنا سيتاهاكوبيان بطاقة دخول لعصر كان يخفي وجهه خلف قضبان تقاليد الميلوديان المتكررة وإماطة اللثام عن روح الاشياء وجوهر الموجودات عندما مزجت التقليدي بالحداثوي وعندما صنعت للمحلي ستائر عالمية يتدفأ بها من صقيع عزلته.

وتابع أن “سيتا هاكوبيان، طائر يخترق سماوات أرواحنا وعندما نتيقن انه أصبح في متناول الممكن يتلاشى ولا يبقى منه سوى وجود العابر والدائم على السواء هي متمردة رغم وداعتها.. تمردها ليس لإثبات الضد المختلف ولكنه رغبة في امتزاج الأشياء، ففي هذا الامتزاج يظهر دائماً شيئاً أجمل من ثنائية الأصول الأولى، عندما كنت صغيراً كان اصدقائي الماركسيون يعشقون أنوار عبد الوهاب كنت أنتمي إلى سيتاهاكوبيان والى دفء روحها والى الجمال الذي تنشره بلا حدود في بيئة لا تعرف سوى إلغاء الآخر المختلف لكن سيتا اقترحت مساحة للجمال تتسع لكل الاختلافات فحررتنا من مخاوف قبول الجديد المختلف لأنه فقط ليس متداولاً وليس غائراً في ذاكرة التلقي. وخلص إلى أن سيتاهاكوبيان روح حائرة وهائمة لم تتسع لها حدود جغرافية الثمانينيات التي كبلتنا لمجرماتها وأسوارها الشائكة والشاهقة وحروبها المرتجلة، لهذا رحلت بعيداً صوب مناطق اعتقدت انها ستكون أكثر إنسانيّة معها، لكني اعتقد أن سيتا نسيت وهي تغادرنا روحها في حقيبة الذكرى، جاثمة في مطارات الحزن ومحطات الانتظار ولهذا فهي الآن بيننا تبحث عن هذه الروح الضائعة والجميلة، روحها الحلم في مجتمع يمتهن تفخيخ الاجساد ويطارد ارواحها حتى في اقصى مسافات البعد. المطربة يمام الجراح التي أمتعت الحاضرين بصوتها من خلال محاولتها تقديم هذه الاغنيات بطريقة اداء الفنانة سيتاهاكوبيان قالت في حديثها لـ”المدى” اتشرف بأن أؤدي بعض الأغنيات للفنانة سيتا هاكوبيان.. أغانيها جميلة جدا وهي إنسانة راقية ولها اسم في عالم الفن وحفرته في فترة السبعينات بأغنيات هادفة هادئة ذات الحان وكلمات جميلة، وذكرت الجراح يؤسفنا أنها ابتعدت عن الساحة الفنية واتمنى ان تعود وتقدم لنا شيئاً جميلاً مثلما عودتنا على الأغنيات والأداء الرائع.
وتمنت الجراح أن ينال أداؤها للأغنيات إعجاب الفنانة سيتا هاكوبيان، وقالت “أنا اعشق ثقافة هذه الفنانة في الغناء وحضورها واحترامها لذاتها وكيف تنتقي كلمات الاغنيات، إنها أميرة وساحرة وعذبة وكل حركة لها مدروسة مثلت الفن العراقي والمرأة العراقية بأحلى صورة، وبينت انه شيء جميل ان تحتفي مؤسسة المدى بشخصية نسائية في عيد المرأة، ومع الأسف الإعلام ظالم للمرأة خاصة الفنانة لذلك يجب ان نبرز كل عمل إبداعي نسوي”.

المدى

بغداد/ دعاء آزاد

عدسة/ محمود رؤوف

Share This