صحيفة تشرين تتطرق للأرمن في سورية

في مقال لوصال صالح نشرته صحيفة تشرين تحت عنوان “الأحداث في سورية تهدّد بزعزعة استقرار القوقاز”، تتناول صالح تأثير الأحداث في سورية على البلدان الجوار، وكتبت تقول “يرى مراقبون أن الأحداث في سورية تهدد على نحو متزايد استقرار القوقاز, إذ يدعم الإسلاميون الشيشان الذين يقاتلون ضد موسكو «المعارضة» السورية المسلحة, وتخشى روسيا من أن «نظاماً» إسلامياً في دمشق من شأنه تغيير التوازن الكامل للقوة في المنطقة, وفي الوقت نفسه, فإن الصراعات العرقية تهدد بالانتشار والانتقال إلى المناطق الجنوبية والشمالية للقوقاز. منذ منتصف العام الماضي بات من المعلوم جيداً أن «المعارضة السورية المسلحة» تضم مايزيد على 6000 مقاتل إسلامي شيشاني ممن كانوا يقاتلون من أجل الانفصال عن الاتحاد الروسي منذ انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991… وفي آب الماضي أدت عملية عسكرية في حلب إلى مقتل رستم غولاييف نجل أحد أمراء الحرب الشيشانيين البارزين وكانت روسيا خاضت حربين في الشيشان ضد الانفصاليين الإسلاميين منذ عام 1991, والحرب الثانية انتهت بشكل رسمي عام 2009 غير أنه منذ ذلك الحين لا يزال الوضع متوتراً وشهد العام الماضي مزيداً من التوتر مرة أخرى تزامناً مع العديد من الهجمات الإرهابية في الشيشان والجمهوريات المجاورة في داغستان وانغوشيا… وكان الجيش الروسي قد أرسل في تشرين الأول قوات إلى المنطقة للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.. الصحيفة الليبرالية الروسية «نيزاسينيمايا» علقت وقتذاك بأن «الجيش الروسي يجتاح الشيشان» ما يعني بداية لحرب ثالثة في الشيشان.

مما لاشك فيه أن مخاوف الكرملين من ظهور حكومة إسلامية لم يكن من غير سبب إذ من شأن حكومة كهذه تعزيز الميول الإسلامية في القوقاز والخوف من موقف الإمبريالية الأمريكية واستغلال الوضع والقيام بتزويد هذه الحكومة بالدعم العسكري والمالي.. إن تدفق اللاجئين من سورية, حيث العديد منهم ينتمون لأصول قوقازية يهدد أيضاً بتصعيد التوترات العرقية في المنطقة.

شعوب مختلفة من القوقاز يعيشون في سورية يبلغ عددهم 100.000 شركسي والشركس  كانوا قد فروا من شمال القوقاز في النصف الثاني من القرن التاسع عشر, عندما كان الجيش القيصري يحكم قبضته على المنطقة. منذ نهاية عام 2011 كان ممثلون عن الشركس طلبوا من الحكومة الروسية مساعدتهم على الهجرة من سورية, حتى الآن سمح الكرملين بهجرة 500 شخص فقط إلى روسيا التي بدورها تخشى من أن توطين الشركس قد يؤدي إلى تعزيز الميول الإسلامية في الشيشان..

وعلى المقلب الآخر, هناك الأرمن الذين هربوا من أرمينيا إلى جنوب القوقاز ثم إلى سورية عبر إيران, وذلك عقب الإبادة الجماعية التي ارتكبت بحق الأرمن من قبل الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى.. وفي العام الماضي لجأ 6000 أرمني سوري المولد إلى أرمينيا, ويأمل الكثير منهم بالإقامة هناك.. وكغيرهم من الأقليات العرقية في سورية يعد الأرمن موالين للحكومة ما عرضهم للاعتداء من قبل المجموعات المسلحة وقتل عدد منهم كما تعرضت الكنائس والمدارس في المناطق الأرمينية لإطلاق نار من قبل هذه المجموعات المتطرفة… وبالنسبة لأرمينيا التي تأثرت بشدة بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية إذ إن معدل البطالة الرسمي هو 40 في المئة فإن العديد من اللاجئين يعيشون في حال من الفقر المزري ولا يستطيعون الحصول على فرص عمل في العاصمة الأرمينية يريفان وقد ارتفعت الإيجارات بالفعل بسبب ازدياد عدد اللاجئين.

إن تصاعد الحروب الإمبريالية في الشرق الأوسط  يفاقم ويزيد من حدة الصراع العرقي في القوقاز… ووفقاً لوسائل الإعلام الإيرانية فإن أذربيجان ساعدت في تسليح «المعارضة»السورية وفي شهر آب من العام الماضي اتهمت طهران أذربيجان بتمويل «المعارضة» السورية سراً بـ 500.000 دولار أمريكي… وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات بين إيران وأذربيجان تدهورت بشكل سريع في العام الماضي إذ شاركت حكومة باكو بشكل كبير في الاستعداد للحرب ضد إيران من قبل إسرائيل والولايات المتحدة وتربط أذربيجان بـ «إسرائيل» علاقات اقتصادية وثيقة, إذ إن إسرائيل هي المستورد الثاني الأكبر للنفط والغاز الأذربيجانيين, وبدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل طورت أذربيجان قدراتها العسكرية بشكل كامل ومنهجي على مدى السنوات الماضية… ووفقاً لمجلة السياسة الخارجية الأميركية «فورين بوليسي» فإن باكو ساعدت إسرائيل في الحصول على العديد من القواعد الجوية على حدودها الشمالية مع إيران ما يمكّنها من استخدامها في هجوم جوي على طهران… وفي عام 2011 عقدت إسرائيل صفقة أسلحة مع أذربيجان بقيمة تزيد على 1.6 مليار دولار, وبذلك تستطيع أذربيجان الحصول على أنظمة صواريخ وقواعده بحرية وطائرات من دون طيار. صحيفة الصنداي تايمز البريطانية ذكرت في كانون الأول أن «إسرائيل» كانت تخطط لضربات «وقائية» ضد إيران مستخدمة طائرات من دون طيار المتمركزة في أذربيجان, وكانت إسرائيل وأذربيجان نفتا رسمياً التقرير, وعلى الرغم من ذلك, من الواضح لواشنطن وتل أبيب أن أذربيجان ستكون عاملاً مهماً في الحرب ضد إيران, وهذا ليس فقط بسبب الموقع الاستراتيجي والجغرافي المهم لأذربيجان حيث تقع على بحر قزوين الغني بالنفط والمتاخم لشمال غرب إيران بل هناك سبب آخر هو أن شمال إيران هو موطن لنحو 20 مليون شخص من أصول أذربيجانية وعدد سكان أذربيجان فقط 8 ملايين نسمة.

الجدير ذكره أن الصراع الإقليمي بين إيران وأذربيجان اضطرم في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي واستقلال أذربيجان منذ عشرين عاماً مضت, والامبريالية الأمريكية تستغل الآن هذه التوترات الإثنية والإقليمية لخدمة مصالحها الجيواستراتيجية الخاصة… وكجزء من استراتيجية الحرب ضد إيران, فإن واشنطن تناقش أيضاً انفصال شمال إيران… وفي الصيف الماضي كانت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون حملت عضو الكونغرس الأمريكي عن ولاية كاليفورنيا دانا روهرابتشر رسالة تدعو فيها أذربيجان للكفاح من أجل استقلال جنوب أذربيجان عن إيران.. السفير الأمريكي في أذربيجان سارع للتوضيح بأن ذلك يمثل فقط وجهة النظر الشخصية لعضو الكونغرس. مع اشتداد أتون الحرب على سورية والاستعدادات الجارية لحرب ضد إيران, فإن الامبرياليين يلعبون بالنار عمداً من أجل تأجيج الصراع في الشرق الأوسط برمته… وكذلك القوقاز وآسيا الوسطى, والهدف من وراء هذه الحروب جميعها هو زعزعة استقرار المنطقة والتحريض على النزاعات العرقية من أجل إضعاف الموقفين الصيني والروسي وإعداد الأرضية لتقسيم جديد لهذه المنطقة الغنية بالموارد بين القوى الإمبريالية.

Share This